خاص الموقع

تركي آل الشيخ.. صانع الكراهية

في 2018/10/04

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
رغبة شديدة في الكسر والإذلال، ودور مرسوم بعناية في دهاليز أجهزة مخابرات أميركا، ورغبة شديدة في دور يتجاوز الجغرافيا ويتضاد مع التاريخ، وفوائض مالية هائلة، كلها عوامل دفعت تركي آل شيخ، المستشار بالديوان الملكي السعودي ورئيس هيئة الرياضة، إلى قصر الاتحادية، للقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومدير مخابراته وكاتم أسراره الجنرال عباس كامل، أرادها "تركي" أول تعارف مع المصريين، عن طريق رئيس الدولة، ليعلم الجميع مع من يتعاملون، منذ الآن.
نجح "تركي" في خطة دخوله، وسيطر بسرعة البرق، التي يمهر بها "الشيكات البنكية"، في تطويع القطاع الرياضي المصري، وشراء الذمم الخربة لعدد كبير من الإعلاميين، ثم قفز –فجأة- على المجال الفني، وثلاثة القطاعات تمثل قوة مصر الناعمة في محيطها العربي الواسع، استغلالًا لوضع مأزوم، ورئيس عسكري، باع أغلى ما يمكن للعسكري أن يتنازل عنه، وهي الأرض، حين تنازل تحت ضغط الحاجة عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة.
في سعيه لتحقيق حلم لا تملك أدواته، يتخيل الجالس على عرش الرياض أن للمال سطوة كتابة التاريخ، وتوهم أن مفاتيح قصور السلطة التي ملكها مقابل الثمن قادرة على منحه شرعية القيادة للشعوب، فهب يوزع من فوائض البترول على كل من قِبل بيع ذمته وضميره، لترسيخ نوع جديد من التحالفات، تضمن ولاء القمة والقاع معًا، السلطة والشارع.
تناسى "بن سلمان" و"تركي" أن للمال حدود، كما للقوة حدودًا، وأن للمشروع الحضاري حتى مشروع السيطرة لهما شروطًا هائلة، أولها الإيمان، وليس آخرها القوة المعنوية أو القوة الناعمة، التي تجعل من كلمة المشروع مسموعة خارج الحدود، وتؤثر في تحريك الحشود والجماهير خلف هدف واحد، وتجعل من الشارع مساندًا لا تابعًا، خصوصًا مع دولة مثل مصر، مؤهلة أكثر من غيرها لدور القيادة في المنطقة، وقد مارسته سابقًا، ولا يزال بهاء المشروع الناصري حاضرًا وقويًا في القلوب.
فضل بن سلمان ومن ورائه الدائرة الضيقة الحاكمة شراء وعي الجماهير العربية، عن طريق شراء إعلاميين وكتاب وصناع الرأي العام، في مصر على سبيل المثال، أصبح للسعودية فرقة كاملة من العازفين يسيرون بإشارة من سفير سلمان بالقاهرة، يظهرون الولاء الكامل والدفاع الشرس عن كل من ينتقد ولي نعمتهم، أو يقترب من سياساته.
جوقة العازفين كانت على موعد مع رد الجميل، خلال السعي السعودي للاستيلاء على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، بذلوا الغالي والرخيص لتبرير قرار النظام المصري بالتخلي عن الأرض، وهو موقف فارق، شهد فقد النظام المصري كل ارتباط له بالشارع، وانقلب التأييد الجماهيري الكاسح سابقًا إلى مرارة مكتومة في القلوب.
لكن اللافت في أدوات سلمان بالقاهرة أنها نجحت في بذر الكراهية لكل ما هو سعودي، والمعارضة المتعاظمة للنظام الحاكم تعود في جزء منها إلى "ثأر" حقيقي زرعته السياسات السعودية، التي اعتمدت على وجوه مكروهة شعبيًا، وتصادمت بالكلية مع مكونات المجتمع المصري.
جماهير الكرة في مصر، والتي تنتمي غالبيتها الكاسحة إلى الناديين الكبيرين "الأهلي والزمالك" تلعن تركي والسعودية في كل محفل رياضي، وبلغت ذروة إعلان اعتراضها خلال مباريات فريق الأهلي الإفريقية، حتى غامر النظام الحاكم بمنع الجماهير من آخر مباريات الفريق في نصف نهائي البطولة القارية، ليتجمع المشجعون على المقاهي، ويكررون الهتافات التي تنال من شرف "تركي"، رغم تجييش الدولة بالكامل للدفاع عنه، ورغم وعود مدير المخابرات المصرية عباس كامل بمنع تكرار إهانة "تركي" بأي ثمن.
الغريب أن كل معارضي النظام، وهم أشتات متفرقون، تجمعوا على كراهية السعودية، وإهانة "تركي"، وريما يعود هذا إلى إحساس وطني غائب عن النظام المصري التابع الذليل للخليج، وفورة مشاعر رافضة، تلهب قلوب الشباب، مما يرونه "خيانة كاملة" من نظام الحكم العسكري الحاكم.
لليسار المصري، وفي القلب منه الناصريون ثأر قديم مع آل سعود، واليمين الديني يعتقد أن سلمان قد سلمهم للأمن المصري ورفع حماية كانت السعودية تؤمنها لهم سابقًا، وجماعة الإخوان المنحلة وتابعوها بدءوا موسم العداوة المفتوحة مع السعوديين منذ عهد عبدالله، أما الأقباط والعلمانيين فبينهم وبين السعودية ما صنع الحداد سلفًا.
ربما لم ينجح شخص في جمع المصريون على كراهية دولته أكثر مما فعل "تركي"، والأغرب من فعله، هو استمراره بنفس القدر في أداء رسالة الكراهية.
والنظام المصري مستمر، رغم الرفض الشعبي، في أداء دور التابع، بمنتهى الحماس والإصرار، مستعينًا بالجيش والشرطة، ومؤسسات الدولة، التي أخضعها كلها لسلطان "السيسي"، والتي بدورها تخضع الآن لسيطرة آل سعود.
ورأس الدولة المصرية مصمم على تبديد أخر أمل للمصري -العادي- في دولته، محولًا الوطن إلى تيه ممتد، وتشهد وجوه الناس في المواصلات شبح القهر المخفي في النفوس، مع تشديد القبضة الأمنية، وغباء الممسكين بمفاتح الحل والعقد.
والنظام الذي عجز عن تثبيت الحد الأدنى من مقومات الحفاظ على الوجود، وتراجع في كل ملف خارجي، ينكفئ داخل حدوده، ثم ينزوي أكثر داخل أسوار قصور السلطة والحكم، وكومباوندات الصفوة، ويظن أن السلاح قادر على حراسة أمّة فقدت صوابها، بعد أن خان النظام الشرف وباعه، وهتك ستر كل المقدسات.