ملفات » قضية جمال خاشقجي

نيويورك تايمز: مقتل خاشقجي يعقد رهانات كوشنر على بن سلمان

في 2018/10/12

نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة -

بالنسبة إلى الرئيس "ترامب"، الذي جعل المملكة العربية السعودية نقطة ارتكاز لسياسته في الشرق الأوسط، يعد احتمال مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، في القنصلية السعودية في إسطنبول، أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق.

أما بالنسبة لصهر "ترامب"، "غاريد كوشنر"، فتأخذ الأمور منحى شخصيا.

وأكثر من أي شخص آخر في إدارة "ترامب"، قام "كوشنر" بتعزيز وتشجيع ولي عهد المملكة العربية السعودية "محمد بن سلمان"، الذي ربما لعب دورا في اختفاء "خاشقجي"، حيث جعل الأمير حليفا رئيسيا في العالم العربي والمحور الرئيسي للعلاقة مع المملكة داخل البيت الأبيض.

وكان "كوشنر" قد دافع عن "بن سلمان" البالغ من العمر 33 عاما عندما كان الأمير ينافس على خلافة والده.

وقد تناول العشاء معه في واشنطن والرياض، روج لبيع أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار إلى جيشه، وكان يأمل في أن يضع الملك المستقبلي توقيعا سعوديا للموافقة على خطته للسلام الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي حين لا يزال مصير "خاشقجي" غير واضح، فإن مزاعم مقتله بناء على أوامر من الديوان الملكي ألقت بظلال الشك على الصورة التي يروج لها "كوشنر" حول "بن سلمان".

وكانت عائلة "ترامب" قد احتضنت الحاكم الطائش قليل الخبرة، الذي يقول النقاد إن علاقته مع "آل ترامب" شجعته لاتخاذ إجراءات قاسية في الداخل والخارج.

وقد اعترضت وكالات الاستخبارات الأمريكية اتصالات لمسؤولين سعوديين يناقشون خطة لاستدراج "خاشقجي" إلى المملكة من منزله في فرجينيا ثم احتجازه، وفقا لمسؤول أمريكي سابق رفيع المستوى.

وقال المسؤول، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إنه من غير المتصور أن يتم تنفيذ مثل هذه الخطة دون موافقة ولي العهد، وقد تم الحديث عن الاعتراضات الأمريكية لأول مرة من قبل "واشنطن بوست".

وفي حين أنه من المحتمل أن تتضمن هذه الخطة اغتيال "خاشقجي"، من الممكن أيضا أنها كانت خطة لخداع "خاشقجي" للعودة إلى المملكة فقط، أو تعطيله مؤقتا واختطافه، وهي الخطة التي قد تكون ساءت وسارت بشكل فظيع وأسفرت عن مقتله.

ويصر القادة السعوديون أن "خاشقجي" غادر القنصلية السعودية في إسطنبول بمفرده، وأنهم لا يعرفون ما حدث له بعد ذلك.

ولكن إذا أصبح من الواضح أن "بن سلمان" قد أمر باغتيال "خاشقجي" أو كان مرتبطا بالقضية بطريقة ما، فسوف يثير ذلك غضبا شديدا في "الكابيتول هيل".

وسوف يحرج ذلك التنفيذيين الأمريكيين، الذين يتدفق العشرات منهم إلى الرياض لحضور مؤتمر الأسبوع المقبل، حيث من المقرر أن يتكلم ولي العهد، ووضع ذلك "كوشنر" في موقف حرج للغاية.

زيادى الضغط

وبعد أسبوع من الغموض والشائعات والكذب، أصبح هناك دليل على أن البيت الأبيض يزيد الضغط على السعوديين.

وقال البيت الأبيض، الثلاثاء، إن "كوشنر" و"جون بولتون"، مستشار الأمن القومي تحدثا إلى الأمير "محمد" عبر الهاتف حول اختفاء "خاشقجي"، كما اتصل به وزير الخارجية "مايك بومبيو".

وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، "سارة هاكابي ساندرز": "في كلا الاتصالين، طلبت الولايات المتحدة المزيد من التفاصيل، وأن تكون الحكومة السعودية شفافة في عملية التحقيق".

وتزيد تركيا الضغط أيضا. ويوم الأربعاء، حدد المسؤولون الأتراك، وصحيفة مقربة من الحكومة التركية، 15 سعوديا قالوا إنهم عملاء كانوا سافروا إلى إسطنبول الأسبوع الماضي سعيا وراء "خاشقجي".

وكان أحد المسؤولين في القائمة التي نشرتها صحيفة "الصباح" خبيرا في تشريح الجثث والطب الشرعي في وكالة الأمن الداخلي في المملكة، وفقا للمسؤولين الأتراك.

وكان آخر يعمل كملازم في سلاح الجو الملكي السعودي، وقال المسؤولون، نقلا عن مصادر استخباراتية سرية، إن الجميع يعملون لحساب الحكومة السعودية.

وقال مسؤولو إدارة "ترامب" إنه لا يزال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها لاستخلاص أي استنتاجات حول ما حدث في إسطنبول.

وأشار "ترامب"، في وقت متأخر من يوم الأربعاء، إلى أنه يعتقد أنه من المحتمل أن السعوديين قتلوا "خاشقجي"، وقال إنه سيكون منزعجا إذا تم تأكيد الأمر، وقال في مقابلة مع "فوكس نيوز": "لن أكون سعيدا على الإطلاق".

لكن الرئيس عبر عن معارضته لمعاقبة السعودية بقطع مبيعات الأسلحة، كما يقترح البعض في واشنطن، وقال: "أعتقد أن ذلك سيضر بنا، فلدينا وظائف ولدينا الكثير من الأشياء التي تحدث في هذا البلد".

وحتى قبل الأحداث المظلمة في إسطنبول، كانت شراكة "كوشنر" مع الأمير "محمد" تتعرض لرياح معاكسة.

وقد رفضت السعودية مناشدات "ترامب" لتسوية نزاع مرير مع جارتها قطر، وقد انخفضت مشتريات المملكة من الأسلحة إلى حد بعيد عن مبلغ الـ 110 مليارات دولار الذي استهدفه "كوشنر"، وذلك جزئيا بسبب المقاومة في الكونغرس.

وقد استبعد والد الأمير، الملك "سلمان"، التأييد العام لخطة سلام "كوشنر" بعد قرار "ترامب" الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وهي الخطوة التي أبعدت الفلسطينيين عن الطاولة.

والأهم من ذلك، من وجهة نظر المشرعين، استمرت المملكة في قتل المدنيين في اليمن، من خلال ضربات جوية خاطئة، وذلك في إطار تدخل كان العقل المدبر له هو "بن سلمان".

توحد الديمقراطيين والجمهوريين

وقد لاقت التقارير التي تحدثت عن مصير "خاشقجي" القاتم انتقادات من الجمهوريين والديمقراطيين في "الكابيتول هيل" على السواء، الذين طالما كانوا حذرين من التطرف الديني السعودي وعلاقته بالإرهاب.

وقال السيناتور "ليندسي غراهام"، الجمهوري من ولاية "كارولينا الجنوبية"، وأحد أقرب حلفاء "ترامب" في الكونغرس، إنه إذا كان السعوديون مسؤولين عن وفاة "خاشقجي"، فسيكون هناك "ثمن باهظ سيتم دفعه".

وقال: "لم أكن أكثر اضطرابا مما أنا عليه الآن. إذا تم قتل هذا الرجل في القنصلية السعودية في إسطنبول حقا، فإن ذلك سيعبر كل خط من الخطوط الحمراء للمجتمع الدولي".

وقد عبّر صناع السياسة في مختلف أنحاء واشنطن عن قلقهم من أن افتقار الحكومة السعودية للشفافية، ورفضها تقديم أي معلومات حول مكان "خاشقجي"، يعكس نتيجة مأساوية لعلاقة المملكة مع إدارة "ترامب".

وقال "جيرالد فايرستاين"، السفير السابق لواشنطن في اليمن: "يبدو أن السعوديين أقل قلقا بشأن وجهات النظر الأمريكية أكثر من أي وقت مضى، لأنهم يفترضون أن ترامب لن يهتم، ولأنهم يعتقدون أنهم لا يحتاجون إلى موافقة الولايات المتحدة".

وتعود علاقة "كوشنر" مع "بن سلمان" إلى مارس/آذار 2017، حينما بدأت العلاقة بين الرجلين في مجلس غداء في البيت الأبيض.

وقد أقنع "كوشنر"، البالغ من العمر 37 عاما، "ترامب" بجعل الرياض أول محطة خارجية له كرئيس، وفي المقابل، انتزع تعهدات من السعوديين باتخاذ خطوات لكبح الإرهاب، بما في ذلك إنشاء مركز جديد لمراقبة المتطرفين.

وقد أعطت العلاقة المزدهرة مكاسب سريعة للأمير "محمد بن سلمان" عندما دعم "ترامب" المملكة العربية السعودية في نزاعها مع قطر، حتى رغم تحفظات وزير خارجيته في ذلك الوقت، "ريكس تيلرسون".

وحتى في تلك الأيام، قال مسؤول سابق في الإدارة، إن مساعدي "ترامب" اعتبروا العلاقات بين "كوشنر" و"بن سلمان" نعمة ونقمة.

وفي حين أنه أعطى البيت الأبيض قناة للوصول إلى الوريث المنتظر لعرش المملكة، فقد منع إمكانية وصول مسؤول أقدم وأكثر خبرة لإعطاء النصيحة للأمير الشاب.

ولم يتمكن "تيلرسون"، الذي كان على علاقة سيئة مع "كوشنر"، من لعب هذا الدور، حتى "بومبيو"، الذي قام برحلة مبكرة إلى السعودية كوزير للخارجية، فقد ترك إلى "كوشنر" ملف ولي العهد.

وقد صدق "بومبيو" مؤخرا للكونغرس على أن السعودية والإمارات العربية المتحدة كانتا تقومان بما يكفي لتقليل العواقب المميتة لحملة القصف الجوي في اليمن، وجاء هذا على الرغم من غارة جوية على حافلة مدرسية في اليمن أسفرت عن مقتل أكثر من 40 طفلا في 9 سبتمبر/أيلول.

كما تجاوز "بومبيو" توصيات خبراء وزارة الخارجية، الذين خلصوا إلى أن التحالف بقيادة السعودية لم يبرهن حتى الآن على وجود تقدم كاف في الحد من عدد الضحايا المدنيين، وفقا لما ذكره "أندرو ميلر"، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية.

وأعرب عدد متزايد من مسؤولي البنتاغون وكبار القادة العسكريين الأمريكيين عن غضبهم إزاء تحول الصراع إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

وقال الجنرال "جيفري هاريجيان"، في مقابلة في أواخر أغسطس/آب: "هناك مستوى من الإحباط نحتاج إلى الاعتراف به".

ويقول المدافعون عن المملكة العربية السعودية إن "بن سلمان" أثبت أنه حليف قيّم للولايات المتحدة.

وقال "علي الشهابي"، مؤسس "المؤسسة العربية"، التي تربطها علاقات وثيقة مع الديوان الملكي السعودي: "لم يكن الطريق معبدا، لكنهم قاموا بالاختيار الصحيح من الناحية الاستراتيجية. فلديهم الآن حليف موجود في نفس الصفحة التي هم عليها".

ومع ذلك، فإن الانتقادات المتزايدة من جميع الأوساط تعقد هذه الأهداف المشتركة.

وقال "روبرت مالي"، المنسق السابق للبيت الأبيض لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج خلال إدارة "أوباما": "على الرغم من أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تبدو صلبة، لكن هناك تشققات في تلك الرابطة".

وأضاف "مالي": "إذا أضفنا ما حدث لخاشقجي، وإذا تبين أن تلك القصص المرعبة صحيحة، يمكن للمرء أن يتصور أنه ستكون هناك آثار عميقة على العلاقات الأمريكية السعودية".