مجتمع » دراسات

المرأة السعودية في مواجهة المؤسسة الدينية المتوحشة

في 2018/10/13

أميرة أبوشهبة- البيت الخليجي-

تشهد وتيرة المطالبات بحقوق المرأة في السعودية تسارعاً ملحوظاً، بعد الإصلاحات التي أعلن عن تبنيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يقدم نفسه كمصلح سياسي لحل مشكلات المملكة. ورغم نجاحات محدودة تبقى تلك المطالبات رهن قيود إجتماعية، ودينية شديدة التعقيد. نحاول التطرق لبعضها.

يعتبر المجتمع السعودي مجتمعاً تقليدياً محافظاً ومرتبطاً بالتوجهات الدينية الوهابية بشكل كلي في جميع مجالات الشأن العام، ومن ضمنها الأفكار السلفية المتطرفة ضد حقوق المرأة. وفي ذلك يقول محمد بن عبد الله السلومي: “الإيديولوجيا التي تُحرك عموم المجتمع السعودي، وتُسكّنهُ هي عقيدته السلفية التي اكتسبها عموم المجتمع من خلال مناهج التعليم العامة الموحدة، ومن خلال برامج الدعوة من العلماء والدعاة، والمنهج السلفي أكبر من الأشخاص والجماعات، والمؤسسات الدينية، بل إنه أكبر من الدولة السعودية. ويضيف: “يحكم هذا المنهج المجتمع السعودي الذي يُعدُّ مجتمعاً محافظاً يصعُب توجيهه، أو تغيير قناعاته إلاّ من خلال الدين والعلماء وفتاويهم.. كما حدث بتعليم البنات كنموذج كان مرفوض سابقاً، وتم قبوله من خلال إجازة الفقهاء له بضوابط، مما يعكس قوة المرجعية العقدية والفقهية للمجتمع السعودي”.(1)

تتضاعف مستويات الجدل والتحديات التي تواجه المرأة السعودية في نيل حقوق يراها الفقهاء ضرباً من الفسق والإنحلال كخلع الحجاب أو العمل، أو المساواة مع الرجل الذي له حق الولاية عليها بقوانين تشريعية وقيود إجتماعية صارمة. ومن هنا، تتحول تصريحات الأمير محمد بن سلمان حول المرأة إلى مادة صحافة للخارج إذ أنها وعود وطموحات لا تبدو سهلة في تطبيقها نتيجة طبيعة المجتمع الذي عايش عقوداً من التشدد الديني، والثقافة الذكورية السائدة.

حين يصرح ولي العهد السعودي بأن النساء “لا يتعين عليهن إرتداء غطاء الرأس الأسود”(2)، فمن الصعب الذهاب الى أنه تصريحه ينسحب على إمكانية خلع المرأة السعودية لحجابها داخل البلاد، في تحدٍ واضح لمؤسسة القبيلة والجماعات الدينية السلفية وموقفها من نقاب المرأة.

الأمور تبدو أسوأ عند الحديث حول حقوق المرأة السعودية الواقعة تحت وطأة “نظام الولاية”، القانون الذي بموجبه تمنع المرأة السعودية من ممارسة العديد من حقوقها الإنسانة دون إذن من ولي أمرها. ووفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش: “يعتبر نظام الولاية أكبر حاجز أمام تحقيق المرأة لحقوقها، حيث تحتاج إلى تصريح من ولي أمرها للسفر إلى الخارج، والزواج، ومغادرة السجن وقد تحتاج إلى موافقته للعمل، أو الحصول على رعاية صحية، وتفرض تلك القيود على المرأة السعودية طيلة حياتها، فالمملكة تعتبر بذلك المرأة قاصرة قانونياً طيلة حياتها”.

الحديث عن تحقيق إصلاح سياسي أو اقتصادي في السعودية يبدو تحدياً بالغ الصعوبة دون تحرير مجتمعها من التشدد الديني، ومن القيود المفروضة على حقوق المرأة. ويبقى السؤال قائماً؛ هل يمكن تحرير المرأة السعودية في ظل الوهابية الدينية المسيطرة على قواعد وفكر المجتمع؟ وهل يمكن التخلي عن الوهابية السلفية؟

يؤكد الواقع بأن القرار السياسي في المملكة يمكنه تجاوز سلطة علماء الدين في القرارات السيادية، لكنها جرأة تبدو أشد تعقيداً في موضوعات يمارس فيها المجتمع نفسه تلك السلطة المتشددة دينياً بشكل ذاتي على عاداته وأفكاره، وضد التحرر بمختلف توجهاته. ورغم تصريحات مؤسسة الحكم بأنها تسعى إلى تحقيق إصلاح اجتماعي يحد من نفوذ المؤسسة الدينية، يحارب الفكر المتطرف، إلاّ أنها لم تتحدث عن كيفية إنهاء ذلك في ظل مجتمع يستمد كل شيء من سلطة رجال الدين، خصوصاً في ملف المرأة؛ حقوقًا وواجبات.

يؤكد الباحث في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية سيباستيان زونس أن العائلة الحاكمة في السعودية لا تستطيع التخلص من الوهابية، ونفوذها، إذ أنه “لولا الدعم الديني من الوهابيين لما حصلت العائلة المالكة على السلطة السياسية”، وقد إستمر هذا التحالف بين الوهابية والعائلة المالكة لعقود، وإذا فقدت العائلة المالكة دعم رجال الدين، لن تستطيع المحافظة على السلطة السياسية من أساسها. (3)

الأقرب للواقع وحسابات السياسة الدخلية السعودية هو أن يتم الإصلاح داخل نفس المنظومة المكونة للمجتمع ذاته، عبر قوانين تخدم التحرر الثقافي والحقوقي وتبعد نفوذ رجال الدين بشكل جزئي وعلى مراحل عن الصورة العامة للمجتمع السعودي.

إن أرادت السعودية تحقيق إصلاح جذري في مجال حقوق المرأة سيكون لزاماً عليها البدء بمعالجة “نظام الولاية” على المرأة وصولاً لإلغائه. وهو كما ذكرنا تحدٍ مفصلي كما عبر عنه ولي العهد السعودي حين أكد أن “موضوع إلغاء الولاية على المرأة لن يكون سهلاً في ظل وجود الكثير من الأسر المحافظة”(4)

التفسيرات الدينية المتشددة التي تتبناها المؤسسة الدينية في السعودية تؤسس إلى أنه لا يمكن معاملة المرأة كإنسان له عقل وإرادة، بل هي مرهونة القدرة والفعل وفق توجيه وليّها. حين يشرع القانون السعودي حق توظيف المرأة أو تعليمها أو سفرها، فهي تحتاج الى جانب الترخيص القانوني إلى دخول معارك ضارية مع مجتمع ورجال دين يضعون العراقيل أمامها، الواحدة تلو الأخرى.

وعلى الرغم من أن الحكومة لم تعد تطلب موافقة ولي الأمر على توظيف المرأة، الاّ أن منظمة هيومن رايتس ووتش رصدت في تقاريرها الأخيرة، أن العديد من الدوائر الحكومية لا تزال تشترط موافقة “الولي” لتوظيف النساء، وهو ما يؤكد صعوبة تنفيذ القرارات الحكومية داخل المجتمع ومؤسساته.

لا يجدر اعتبار حقوق المرأة مجرد ملف نسوي يخص رفاهية المرأة، يتعلق الأمر بتحرر مجتمع كامل من قبضة التطرف والرجعية. إن المجتمع الذي يعطل نصفه عملياً بحجة التمييز الجنسي وبآراء دينية متطرفة تمنعه من مساواة المرأة بالرجل، هو مجتمع يعاني من تدهور في مختلف مجالاته الحياتية، وعليه إذا أرادت المملكة التطور في مختلف مجالات الإصلاح، والتقدم على الصعيدين الداخلي والخارجي فلابد من تسوية ملف حقوق المرأة كشرط أساسي، وهو ما لا يستقيم بمجرد تصريحات للإستهلاك الاعلامي، ناهيك عن ملاحقة الناشطات الحقوقيات واعتقالهن. لن يتسنى لأحد أن يفهم هذه المتناقضات بين القول والفعل.

المراجع:

كتاب مقاومة التغيير في المجتمع السعودي لـ د. عبد الله السدحان.
مقابلة ولي العهد السعودي مع قناة “CBS” الأمريكية، 19 مارس/آذار. في برنامج “٦٠ دقيقة”.
مداخلة المحلل السياسي سيباستيان زونس في حوار تلفزيوني مع قناة “DW عربية”.
لقاء صحفي لمحمد بن سلمان مع مجلة ” أتلانتيك” الأمريكية، بتاريخ “٢ نيسان/أبريل/٢٠١٨م”.