ملفات » قضية جمال خاشقجي

ضاقت به السُّبل.. بن سلمان يحاول العودة من باب قطر وتركيا

في 2018/10/25

الخليج أونلاين-

كغريق يصارع للنجاة من دوامة وضع نفسه بها، يحاول ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، الخروج من المأزق العالمي الذي وقع فيه عقب ظهور  أدلة تفيد بتورّطه في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده في إسطنبول، مطلع أكتوبر الجاري.

وبلسان غير لسانه، وعلى مرآى ومسمع حليفه الإماراتي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بدا بن سلمان حَسَنَ اللسان، متغزلاً بدولتين لم يكفّ عن كيل التهم لهما على مدار سنوات مضت.

فبعد حصار لقطر استمر عاماً ونصف عام وما زال قائماً، وقطعٍ للعلاقات معها، وتصعيد ضد تركيا، وحرب باليمن، وتدخُّل في ليبيا، واحتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، ومقتل خاشقجي، وُضع بن سلمان في الزاوية.

هذه الزاوية ضيّقت الخناق على ولي العهد السعودي بعد اتهامه بتورطه في جريمة قتل خاشقجي، وسط مطالبات بعزله وهجوم دولي كان آخره من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وليس بعيداً عن هذا كله، فالمُستغرب أن يمدح بن سلمان دولتي قطر وتركيا اللتين وقفت إحداهما إلى جانب الأخرى في حصار فرضه الرباعي العربي سنة 2017 على الدوحة، وانقلاب شهدته أنقرة منتصف 2016، قيل إنه مُوّل من الإمارات.

تودُّد بعد عداء لقطر

لا أحد يستطيع نسيان ليلة 5 يونيو 2017، تلك الليلة التي اجتمعت فيها الإمارات والسعودية والبحرين ومصر على قطر، وقررت فرض حصار اقتصادي عليها وقطع كل العلاقات معها.

وعلى مدار عام ونصف عام، لم تسكت السعودية وولي عهدها وحلفاؤه عن كيل التهم ضد قطر، والتي اتخذوها مبرراً لفرض الحصار عليها.

فهؤلاء اتهموا الدوحة بـ"دعم الإرهاب"، وجيّشوا الكلمات والتصريحات و"الذباب الإلكتروني" على مواقع التواصل الاجتماعي للضرب في عرض قطر، التي أكدت أنها تتعرض لمحاولة السيطرة على قرارها السيادي.

لم تكتفِ دول الحصار بذلك؛ بل إنها اتخذت "إجراءات" ضد مواطني قطر، واستمرت في حربها الإعلامية ضد الدوحة، في محاولة لعزلها، لكنها لم تنجح، بشهادة مراقبين.

وبعد أكثر من 500 يوم، استطاعت فيها قطر تجاوز المحنة خلال أشهر قصيرة من بداية أسوأ أزمة يشهدها الخليج، جاءت قضية خاشقجي لتزيد طين السعودية بِلّة، في ظل تورطها في حرب اليمن وتضييق الخناق على الناشطين والدعاة بها.

وخلال كلمة له في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، عزف بن سلمان على وتر العلاقة مع قطر، في محاولة –على ما يبدو- للتخفيف من حدة الحملة التي يشنّها العالم ضده.

وقال في حديثه عن اقتصاد الشرق الأوسط: إن "اقتصاد قطر قوي، وسيكون مختلفاً ومتطوراً بعد 5 سنوات.. دول المنطقة هي أوروبا الجديدة اقتصادياً"، على حد تعبيره.

وهذا التصريح بشأن قطر، يعدّ سابقة من نوعه لأمير سعودي، منذ إعلان المملكة، إلى جانب الإمارات والبحرين ومصر، مقاطعة الدوحة وحصارها.

لكن ذلك لم يشفع لمحمد بن سلمان، الذي أضرّت بلاده بمواطني الدولة المُحاصَرة، والذين عانوا انتهاكات إنسانية أثّرت على حياتهم، فقط لأنهم قطريون، وهو ما ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة بعد تصريحه.

آخرون رأوا في تصريحات ولي العهد إقراراً منه واعترافاً بفشله في حصار قطر، كيف لا والدوحة لم تتراجع لحظة عن تحقيق مراتب متقدمة ومراكز مهمة على سُلَّم التصنفيات الاقتصادية العالمي.

حتى إن صفحات سعودية وأخرى تابعة لوسائل إعلام، تحدثت عن "التصريح الغريب" الذي أطلقه بن سلمان، وذلك بعد أن كانت تُهاجَم قطر في كل مرحلة من الحصار المتواصل.

نار على تركيا أطفأتها قضية خاشقجي

تركيا دفعت أيضاً ثمن وقوفها مع قطر، حتى إنها نالت جزءاً منه قبل أزمة الخليج، وتحديداً عندما تعرضت لمحاولة انقلاب فاشلة، قالت تقارير إعلامية غربية إن الإمارات شاركت في تمويله.

وخلال أشهر خلت، واصلت أطراف سعودية مدعومة رسمياً شنّ حرب كلامية وتحريضية على تركيا، وصلت إلى حدِّ الإساءة المباشرة للرئيس التركي في إحدى أهم الصحف الورقية السعودية.

الرياض وإلى جانب حليفتها أبوظبي، سخّرت وسائل الإعلام و"الذباب الإلكتروني" على موقع "تويتر"، في حملات طالبت قبل 3 أشهر، بمقاطعة السياحة والسفر إلى تركيا.

وآنذاك، تصدّرت وسوم "هاشتاغات" مثل: "#مقاطعة_السفر_الى_تركيا"، و"#مقاطعة_السياحة_التركية". ورغم ذلك ظلّت تركيا وجهة رئيسية لمواطني السعودية؛ إذ حلّت الرياض في المرتبة الثانية.

وكما حدث بالنسبة لقطر، فإن قضية خاشقجي دفعت ولي عهد السعودية إلى التراجع عن مواقف بلاده الحادة من تركيا، التي يبدو أنها تمتلك موقفاً ضاغطاً في قضية الجريمة التي هزت العالم.

ففي أول تعليق لمحمد بن سلمان على جريمة قتل الصحفي الراحل، بعد إقرار بلاده بأنه قُتل داخل قنصليتها في إسطنبول، بدا ولي العهد أيضاً مغازلاً في كلماته التي اختارها بعناية في حديثه عن تركيا.

كيف لا وقد أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، امتلاك بلاده "أدلة قوية" على أن الجريمة "مدبَّرة وليست صدفة"، وأن "إلقاء تهمة قتله على عناصر أمنية لا يقنعنا ولا الرأي العام العالمي".

هذا التصريح يمكن قراءته ضمن الأوراق الرابحة التي بحوزة الرئيس التركي للضغط على السعودية؛ لتكُف عن هجومها وحربها الإعلامية على أنقرة.

وخلال كلمة له في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، قال بن سلمان: "إن "البعض يحاول استغلال قضية خاشقجي لإحداث شرخ بين المملكة وتركيا".

واعتبر أن "هذا (الشرخ) لن يحدث طالما موجود ملك اسمه سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان".

وكرر قوله: "لن يحدث هذا الشرخ وسوف نُثبت للعالم أن الحكومتين متعاونتان، وأن العدالة في (قضية خاشقجي) سوف تظهر"، وأن "السعودية وتركيا ستتخذان خطوات لمعاقبة مرتكبي الجريمة".

وهذا الموقف المتنافض يأتي بعد أن نفى بن سلمان وبشدة، الرواية التركية حول قتل خاشقجي، وأصر على أن الرجل خرج من القنصلية.

وتشكك دول غربية وشخصيات بالكونغرس الأمريكي في الرواية الرسمية السعودية، في حين تتحدث تقارير إعلامية غربية عن تورّط بن سلمان وعلمه بالأمر.

وهذا عززه تصريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صباح الأربعاء (24 أكتوبر)، حيث قال: إنه "إذا كان هناك أحد له علاقة بالحادث (جريمة قتل خاشقجي) فسيكون الأمير محمد".