ملفات » قضية جمال خاشقجي

أولها أمريكا وآخرها السعودية.. "دول مارقة" تخطّت القوانين الدولية

في 2018/10/31

أليف عبدالله أوغلو - الخليج أونلاين

بين الحين والآخر، توصف دولة جديدة بـ"المارقة"، وتضاف إلى قائمة من الدول التي تسبب قلقاً شديداً وتكون منبوذة أو يطالب بنبذها من قبل دول العالم، بفعل سياساتها وممارساتها داخلياً وخارجياً.

آخر هذه الدول كانت السعودية، والتي أطلق عليها السفير الأمريكي السابق في الرياض روبرت جوردان، اسم الدولة المارقة؛ وذلك إثر سياسات ولي العهد فيها، وسط مطالبات دولية بنبذ محمد بن سلمان وعدم التعامل معه دولياً.

وجاء وصف السعودية بالدولة المارقة في إطار جرائم التحالف العربي الذي تقوده الرياض باليمن (منذ مارس 2015)، واغتيال الصحفي جمال خاشقجي، والحصار المفروض على قطر (يونيو 2017)، وتدمير مجلس التعاون الخليجي، وحبس أمراء سعوديين بفندق "ريتز كارلتون"(نوفمبر 2017)، وغيرها من القضايا، وفق ما كتب جوردان في مقال نشره موقع "ذا هيل" الأمريكي.

وبعد جملة من الأحداث المتعاقبة، أصبحت السعودية في مرمى الانتقادات ويمكن أن توضع في دائرة الدول المُهددة للسلام العالمي، والتي ترمي المنتقدين بالسجون وتقتلهم خارج البلاد أيضاً، مثل ما حدث للسعودي خاشقجي.

وقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، بالثاني من أكتوبر الجاري، عقب ذهابه لإخراج بعض الأوراق الرسمية، ونفّذ عملية اغتياله 15 سعودياً، وحتى الآن لم يعرف من أمر بذلك، إلا أن أصابع الاتهام تشير إلى ولي العهد، ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طريقة قتله بـ"الوحشية".

وكتب كبار الصحفيين الأمريكيين والبريطانيين مقالات في أشهر الصحف، طالبوا فيها بإبعاد ولي العهد عن الحكم، وقالوا إنه يتخذ قرارات مجنونة وقاتلة ومجرمة، كما أكدوا أن ما حدث لخاشقجي، يشكل إدانة كاملة للسعودية على أنها دولة مارقة، ويجب فرض عقوبات دولية بحقها وتحريك محكمة الجنايات الدولية ضدها.

-سطوة وقوة

وحاولت السعودية مراراً استدراج خاشقجي ليعود لبلاده بعد تركه لها إثر سياسات بن سلمان ولجوءه إلى أمريكا، إلا أنها فشلت في محاولة إقناعة، ما أدى بالنهاية إلى قتله، وعزز ذلك وصفها بـ"المارقة".

وتُصنف الدول التي تمارس قوتها وسطوتها سواء ضد مواطنيها داخلياً أو خارجياً، أو تتدخل في شؤون غيرها بالمشاركة بحروب أو غير ذلك بـ"المارقة"، وهي تبرر لنفسها فعل الكثير دون رقابة أو اتباع لأي قانون دولي متعارف عليه.

ولا تهم الدول المارقة التي تمتلك قوة هائلة، الجرائم، فهي تُحذف من التاريخ أو تُحول إلى نية حسنة تنحرف أحياناً، ما يؤدي في بعض الحالات لتناثر ملايين القتلى بين أنقاض البلدان، وفق ما قال السياسي الأمريكي، نعوم تشومسكي.

وفي كتابه "الدول المارقة : استخدام القوة في الشؤون العالمية"، قال تشومسكي: "يلجأ الأقوياء لإبقاء السلطة متمركزة.. فيما تسعى الإمبراطوريات وراء القوة تحت رايات المساعدة والتدخل الإنساني والعولمة".

وبين تشومسكي أن مصطلح "الدول المارقة" له استخدامين، الأول: دعائي يطبق على الأعداء المُصنّفين، والثاني: موضوعي ينطبق على الدول التي لا تعتبر نفسها ملزمة بالمعايير الدولية.

فيما أعطى الولايات المتحدة نموذجاً للدولة المارقة، قائلاً إنها "تهزأ بالقانون الدولي حين ترى ذلك مفيداً"، مدرجاً العديد من الممارسات الأمريكية في دول العالم، ما يبرر وصفها كذلك، على حد قوله.

 

-صك مفهوم الدول المارقة

ويعتبر مصطلح الدول المارقة (Rogue Stats)، واحداً من أهم المصطلحات السياسية التي تبنتها الإدارة الأمريكية.

وحول ظروف صكّ هذا المفهوم، قال تشومسكي إنه وليد مرحلة سقوط الاتحاد السوفيتي (1991) وانتهاء الحرب الباردة (1992)، حيث مرت الولايات المتحدة وقتها في حالة من عدم اليقين، نتيجة لاختفاء عدوها الاستراتيجي من الساحة الدولية.

وتمثلت استجابتها لتلك التطورات في صك مفهوم "الدول المارقة"، الذي سمح لها بتوجيه سياستها الخارجية في وجهات جديدة، وضخ الدماء فيها، وفق ما قال الكاتب.

ورأى تشومسكي أنه كان الأولى من الأمم المتحدة أن تحدد هي معنى "المروق الدولي" بعد الحرب العالمية الثانية (انتهت في العام 1945)، عبر ميثاقها وقرارات محكمة العدل الدولية والمعاهدات، إلا أن الولايات المتحدة أعطت لنفسها حق تحديد معناه وصياغة معاييره.

وفي نفس الوقت اعتبرت نفسها معفاة من هذه الشروط، على ضوء خروجها كطرف منتصر ومهيمن عقب الحرب الباردة، حيث سارعت أمريكا في تلك الفترة إلى تأسيس نظام دولي لا مكان فيه لأي ترتيب إقليمي لا تستطيع اختراقه والسيطرة عليها.

وذكر المؤلف العديد من الأمثلة التاريخية التي توضح الدعم الأمريكي للحكام الديكتاتوريين، وقال إن مبدأ أمريكا حينها كان أنه إذا لم تخدم منظمة دولية مصالح السياسة الأمريكية، فهناك سبب ضئيل للسماح لها بالحياة. 

هذا التصور الذي قاله الكاتب في كتابه سابقاً، انطبق على العديد من الدول التي وصفت فيما بعد بالمارقة. 

 

معايير تصنيف الدول كـ"مارقة"

وبداية نشأة هذا الوصف كانت في ثمانينيّات القرن الماضي، واستعمله حينها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، واصفاً به نظام العقيد معمر القذافي وسياسته في ليبيا، وكان معناه يقوم على المخاطر التي تهدد الأمن القومي والمصالح الأمريكية.

وفي العام 1994 عرّف مستشار الأمن القومي أنطوني لايك، في عهد الرئيس بيل كلينتون الدول المارقة بأنها التي تجد عجزاً مزمناً بالتعامل مع العالم الخارجي، ضابطاً 4 معايير  في تشخيص هذا العجز.

وهذه المعايير هي: محاولة الحصول على أسلحة الدمار الشامل، مساندة التنظيمات الإرهابية، سوء معاملة الشعوب التي تحكمها، معاداة صريحة وواضحة لأمريكا.

ويترتب تحت هذا المصطلح أيضاً تنظيم الاغتيالات، وانتهاك حقوق الإنسان، كما يستخدم أحياناً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.

وتعد الغاية من وضع هذه المعايير أن تحدد أمريكا سياستها الخارجية للضغط على كل دولة مارقة لتغيّر من نظامها، بما يخدم مصلحتها.

من جهة أخرى، استخدم هذا الوصف بمنحى آخر، إذ وصفت الصحافة الأمريكية بلداناً كثيرة كالصومال والسودان وزمبابواي واليونان بأنها مارقة عندما عجزت عن تسديد ديونها لصندوق النقد الدولي.

وعقب هجمات 11 سبتمبر 2001، وتفجير برج التجارة العالمي في أمريكا، نشرت الإدارة الأمريكية قائمة فيها 6 دول مارقة هي: كوريا الشمالية وباكستان والعراق وإيران وأفغانستان وليبيا.

وظلت هذه التسمية رائجة حتى غيّرها الرئيس جورج بوش بعبارة "محور الشّر" والتي يستخدمها المحافظين الجدد، وذلك في خطاب له عام 2002.

وبات "محور الشر" و"الدول المارقة" مسوّغاً لأمريكا للتدخل في أفغانستان والعراق.

وعقب تعاون باكستان مع أمريكا، تم حذفها من قائمة الدولة المارقة، كذلك حذفت أفغانستان ثم العراق، بعد أن اجتاحتهما الولايات المتحدة. كما سُحبت ليبيا لاحقاً بعد تنازلات القذافي، فيما اعتبرت كل من كوبا وفنزويلا دولاً مارقة.