خاص الموقع

التطبيع يهز عروش الخليج

في 2018/11/15

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

يخطئ نظام حكم حين يظن إن شعبه مجموعة من الأرقام، عديمة الفعل والتأثير، ويتمادى عندما يبني حساباته على هذا الأساس الواهي، ثم ينجرف إلى الكارثة لو قرر أن يمضي –المرة تلو المرة- ضد أماني شعبه وتطلعاته ومزاجه، فالعناد بين الحاكم ومواطنيه لا يهدد استمراره فحسب، لكنه يدمر مستقبل البلد.

وفي ظل سياق الحرب والدمار، التي تشتعل في المنطقة العربية، وتعدد بؤر المواجهات المسلحة، فإن انحيازات النظم العربية الحاكمة تشكل مؤشرًا على استمرار الحدود التي وضعها "بيرسي كوكس" البريطاني لدول الخليج العربي، بقلم أحمر، خلال مؤتمر العقير 1922.

لهاث الأنظمة الخليجية وراء الكيان الصهيوني المحتل، والذي بدا كاشفًا لارتباط النظم بإرادة خارجية، حتى فيما يخص الشرف والكرامة كقيم هتكها التطبيع مع العدو، أثار ما عجز الحكام عن تخيله في أسوأ كوابيسهم، فإذا المارد العربي ينطلق باحثًا عن فعل يستعيد به حقه المهدور في إدارة وتوجيه شؤون البلدان وسياساتها فيما يختص بعلاقاتها الخارجية.

الشارع العربي خلال الشهر الماضي، وفي مواجهة تحدي التطبيع، أثبت أنه يختلف جذريًا عن النخبة التي تملأ الشاشات والصحف، النخبة الباحثة عن رضا غربي أو أضواء ساطعة، الشارع يرفض الصهاينة، الآن وإلى الأبد، الشعب العربي في الجزيرة العربية بدأ في ممارسة الاعتراض على تراكمات، ووجد في سباق الحكام نحو التطبيع فرصة التوحد والحديث والمجاهرة بالرفض.

في السعودية الغارقة حتى أذنيها في الحرب على اليمن، خرجت دعوة "خليجيون ضد التطبيع"، من وسط مناخ خانق، لتجمع عشرات ألوف التوقيعات على بيانها الإلكتروني –وهي سابقة نادرة- ضد سياسة محمد بن سلمان، وغيره من الحكام، بالارتماء في الحضن الصهيوني، وبكلمات واضحة، لا تقبل التأويل، صنع مؤسسو الجبهة "وحدة عمل" لا "وحدة كيان"، مع كل الشعوب العربية الرافضة للتطبيع، وفي مقدمتها شعوب الجزيرة العربية.

وافتتح بيان "خليجيون ضد التطبيع" بإدانة زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب بنيامين نتنياهو لسلطنة عمان، في ٢٦ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٨، واستقباله من قبل السلطان قابوس، والذي شكّل كما وصفه البيان "صدمةً كبيرةً لشعوب دول مجلس التعاون الخليجي"، حيث كشفت هذه الزيارة عن المدى المخجل الّذي تذهب إليه بعض الحكومات للتطبيع مع كيان مغتصب وعنصري يحتل أراض عربية، ويمارس يوميًا أبشع عمليات القتل والتهجير تجاه شعبنا العربي في فلسطين المحتلة.

وانتقد البيان استضافة دولة قطر لرياضيين صهاينة- بعضهم جنود سابقين- شاركوا في بطولة الجمباز العالمية الّتي أقيمت في الدوحة، ومشاركة فريق الكيان في بطولة الجودو الّتي أُقيمَت في أبو ظبي، وأشار البيان إلى حضور وزيرة الثقافة والرياضة في الكيان الغاصب، اليمينية ميري ريغيف، المعروفة بعنصريتها وكرهها الشديد للعرب، وتجوّلها في المعالم السياحية في الإمارات.

وأشار البيان إلى أنها ليست هذه المرة الأولى الّتي يتم فيها التطبيع مع الكيان الغاصب في في هذا العام، إذ شارك رياضيون من كل من الإمارات والبحرين في سباق جيرو دي إيطاليا العالمي الّذي أُقيمَ في القدس المحتلة، كما شارك فريق صهيوني في بطولة العالم المدرسية لكرة اليد الّتي أقيمت في قطر.

وتلاحقت الزيارات التطبيعية في الدول الخليجية، لتستضيف وزارة الخارجية القطرية وفدًا من الكيان الصهيوني للمشاركة في مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط، الّذي نظّمته الوزارة، حيث ضم ثمانية صهاينة يعملون في مختلف قطاعات حكومة الاحتلال، وترأس الوفد ايفال جيلادي وهو رجل أعمال كان عميدًا في جيش الاحتلال الصهيوني لمدة عشرين عامًا. وفي دبي، شارك وزير الاتصال الصهيوني أيوب اقرا في مؤتمر نظّمته واستضافته المدينة.

وشدد البيان على أن الشّعوب في الخليج العربي أعلنت رفض التّطبيع مع الكيان الصهيوني في أكثر من مناسبة وبشتى الوسائل المتاحة، عِوَضًا عن أن هذه الخطوات تتسارع بالتوازي مع إمعان الكيان الغاصب في توسيع احتلاله للأراضي الفلسطينية وتعميق وتيرة تهويد الأراضي الفلسطينية وحصار غزة واستمرار التمييز ضد الفلسطينيين العرب داخل أراضي فلسطين التاريخية، وتزايد جرائم الكيان المحتل في حق الشعب الفلسطيني.

وطالب الموقعون على البيان رفض المساومة على القضية الفلسطينية، وطالبوا الحكومات في الخليج العربي بالوفاء بالتزاماتها التاريخية والأخلاقية باتخاذ خطوات عملية وملموسة لنبذ التطبيع على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية، وعلى رأسها إعادة تفعيل قوانين مقاطعة الكيان الصهيوني في الخليج، تماشياً مع تطلّعات شعوب المنطقة، وذلك لمنع كافة أشكال التطبيع وعلى رأسها المقابلات الرسمية وغير الرسمية مع مسؤولي العدو وعدم إرسال وفود رسمية أو حتّى السماح لوفود غير رسمية لا تمثّل الدولة بزيارة الكيان الغاصب واللقاء مع مسؤوليه.

وشدد البيان على عدم السماح للإسرائيليين بالمشاركة في أي فعاليات رياضية أو ثقافية أو أكاديمية في دول الخليج العربي، وعدم السماح لمواطني الخليج العربي بالمشاركة بأي فعاليات من نفس النّوع تُقام في الكيان الغاصب أو تحت إشرافه، وقطع كافة أشكال التواصل الرياضي والثقافي والأكاديمي الخليجي مع الكيان الغاصب، ومعاقبة كل من يقوم بمخالفة ذلك بناءً على قوانين مقاطعة العدو الصهيوني في دول الخليج العربي والقوانين الّتي تمنع السفر إلى الكيان الغاصب.

البيان الشعبي الخليجي غير المسبوق يقرع أجراس الإنذار في وجوه من يخالفون أمنيات شعوبهم ويتحدون أرادتها، فهل من وقفة قبل أن يتحول الإليكتروني إلى فعل على الأرض وفي الشارع، في منطقة تنتظر أقل الأسباب للاشتعال أو الانفجار.