اقتصاد » ميزانيات

اقتصادات الخليج ومأزق أسعار النفط: الديون والتقشف

في 2018/12/21

عبدالحافظ الصاوي- البيت الخليجي-

لم يدم تحسن أسعار النفط في السوق الدولية خلال 2018م إلا خلال الفترة ما بين مايو ونوفمبر الفائت، لتبدأ بعدها انتكاسة جديدة. وتعتبر دول الخليج من النفط رئتها الاقتصادية التي تتنفس بها، وتستعد هذه الدول لإستقبال عام 2019م بتحمل المزيد من الأعباء المالية، وبخاصة في ظل حالة الإصرار على تبني سياسات مالية واقتصادية تتسم بالتقشف، عملًا بتوصيات صندوق النقد الدولي.

وليس من قبيل التشاؤم؛ لكن طبيعة سوق النفط تفرض على المتابع للشأن الاقتصادي، أن يتحسب للسيناريوهات المختلفة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو ماذا لو شهدت أسعار النفط المزيد من التراجع خلال العام الجاري 2019؟

متوسط الأسعار يوم الاثنين 17 ديسمبر 2018 يقف عند 60 دولاراً لخام برنت، و50 دولاراً للخام الأمريكي، وهي أسعار تضر بوضع التوازن في ميزانيات دول الخليج، باستثناء قطر والكويت، بينما باقي الدول يتطلب توازن ميزانياتها (عدم وجود فائض أو عجز) تجاوز سعر النفط سقف 63 دولار للإمارات، و70 دولار للسعودية و95 دولار للبحرين. لذلك، وجدنا قطر تعلن أن تقديرات ميزانياتها لعام 2019 ستحقق فائضًا بنحو مليار دولار.

أما باقي الدول الخليجية فلم تعلن عن مشروعات ميزانياتها لعام 2019 حتى الآن، على الرغم من بقاء أيام معدودة لبداية العام الجديد، ونعتقد أن السبب الرئيس هو التذبذب السلبي لأسعار النفط في السوق الدولية.

ويأتي الأداء السلبي لأسعار النفط بالسوق الدولية، ليهدم توقعات إقليمية، ذهبت إلى تقديرات بشأن تحسن أداء الناتج المحلي الإجمالي للدول النفطية العربية خلال 2018 و2019، وكذلك باقي المؤشرات الاقتصادية، بسبب التحسن الحادث لأسعار النفط وذلك وفق ما أوردته النشرة الفصلية للمؤسسة العربية للضمان الاستثمار، بعنوان آفاق الاقتصاديات العربية 2019.

وقد ينجو النفط من مأزق انخفاض الأسعار بالسوق الدولية،في حالة نجاح منظمة الأوبك في تنفيذ قرارها بتخفيض سقف الانتاج مطلع 2019 بنحو 1.4مليون برميل يوميًا. ولكن هذه المرة يتطلب الأمر وفاء الدول من خارج أوبك بالتزاماتها بمساندة قرار تخفيض الإنتاج، وبخاصة أن روسيا تحقق معدلات عالية من الإنتاج النفطي اليومي والذي بلغ مؤخرًا 11.4 مليون برميل، كما أن إيران حصلت على استثناء من قرار سقف الإنتاج بسبب ما تعانيه من عودة العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عليها منذ نوفمبر 2018.

كما أن التحديات السياسية التي تحيط بدول الخليج، تعمل على تأزم الوضع المالي، فكل من السعودية والإمارات متورطتان في المستنقع اليمني،الذي لم يلح له أفق لمخرج سياسي ينهي هذا الاستنزاف لمقدرات التحالف المالية بقيادة (السعودية والإمارات)، والمستمر منذ مارس 2015.

وكذلك فشلت جهود إنهاء الأزمة الخليجية الخاصة بحصار قطر، بما يحمله الأمر من استمرار الأعباء المالية المرتبطة بهذا الصراع، على الجانبين، سواء في سباقهما لشراء الأسلحة، أو الحرب الناعمة عبر وسائل الإعلام، وشركات العلاقات العامة، أو صراع استقطاب القوى الإقليمية والدولية.

المزيد من الديون

لن يكون أمام الدول الخليجية، وبخاصة (السعودية، والإمارات، والبحرين، وسلطنة عمان) سوى التوسع في الدين العام، وهي آلية ليست بجديدة على تلك البلدان، سواء خلال فترة ما بعد عام 2015 وحتى الآن، أو في فترات سابقة إبان انهيار أسعار النفط خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، حيث تراكمت الديون المحلية والخارجية على الدول النفطية، ولم ينقذها من تلك الأزمة سوى الطفرة النفطية التي بدأت في مطلع الألفية الثالثة، واستمرت حتى منتصف عام 2014.

والملاحظ أنه مع كل مرة تشهد فيها أسعار النفط تراجعًا كبيرًا، تكون هناك أزمات سياسية وحروب بمنطقة الخليج، فأزمة الثمانينيات صاحبت أزمة الخليج الأولي (الحرب العراقية الإيرانية) وأزمة التسعينيات واكبت حرب الخليج الثانية (احتلال العراق للكويت، وحرب تحرير الكويت من قبل التحالف الدولي بقيادة أمريكا)، وأزمة منتصف 2014 وما تمر به الآن أسعار النفط، يواكب أزمة الحرب الخليجية في اليمن، وكذلك أزمة حصار قطر، فضلًا عن الحروب الأهلية التي تشهدها بعض الدول النفطية العربية، مثل ليبيا والعراق.

وكأن المنطقة يُلم بها قدر محتوم، بأن تجمع على نفسها أزمات سياسية بجانب أزمتها الاقتصادية بسبب انهيار أسعار النفط، إن العقل والمنطق يحتم أن تستفيد الدول الخليجية من تاريخها في هذه الأزمة، وبخاصة أنها حديثة عهد بها.فثمة مستهدفات لبقائها في حالة من العجز، سواء كانت هذه المستهدفات مخطط لها من الخارج أو من سوء تقدير ساستها.

ومن المؤسف أن أكبر الدول الخليجية النفطية، وهي السعودية، قد فتحت على نفسها بابًا جديدًا لا تُعلم عواقبه الاقتصادية، بسبب ما تجنيه على الصعيد السياسي من خسارات وخيمة، وبخاصة بعد قرار الكونجرس الأمريكي باعتبار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مسؤولًا عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بتركيا.

وقد يفتح القرار الأمريكي بابًا للابتزاز المالي والاقتصادي للمملكة، أو أن يفتح بابًا لعقوبات اقتصادية ومالية على شخص ولي العهد أو مسئولين آخرين، وهو ما بدأته أمريكا بفرض عقوبات على من شملهم قرار النيابة السعودية بالاتهام بقتل خاشقجي، وهم 18 فردًا.

برامج التقشف

مما يرشح بقوة في ظل استمرار هبوط أسعار النفط على ما هي عليه الآن، أو مزيد من الهبوط، أن تمضي الحكومات الخليجية بتطبيق المزيد من الإجراءات التقشفية، والتي يتأثر بها المواطن بدول الخليج منذ 2017، وأصبح لها مردود حقيقي على مستوى معيشة الأفراد بشكل سلبي، سواء كانوا من المواطنين أو الوافدين. ولكن في نفس الوقت سوف يحمل الأمر بعض الأعباء على الميزاينات العامة لدول الخليج، من خلال برامج دعم المواطنين، والتي بدأتها بعض الدول منذ عام 2017 أو قبلها، فالسعودية أنشأت صندوق “حساب المواطن” كما أن البحرين جعلت الدعم في مجالات معينة مقتصرًا على مواطنيها دون الوافدين.

ولن يتوقف الأمر على الأوضاع العيشية للأفراد، ولكنه سيمتد سلبيًا على القطاع الخاص، بسبب تقلص الإنفاق العام الحكومي، فتاريخيًا يعتمد القطاع الخاص بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، لتنفيذ المشروعات الحكومية، وبخاصة في مجال البنية الأساسية والعقارات. وهو ما يعني المزيد من الركود، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي بمنطقة الخليج ككل، والتي كان يتوقع له صندوق النقد الدولي أن تصل لمعدل 1.4% خلال 2018، ونحو 2% في 2019.

المخرج

يتمثل المخرج في حلين، الأول يعد مخرجًا استراتيجيًا،ولكنه لا يناسب الأجلين القصير والمتوسط، وهو تبني دول الخليج لاستراتيجيات حقيقية لتنوع اقتصاديتها وتخفيف حدة اعتمادها على النفط، بشرط بعدها عن التناول السياسي والإعلامي، والخوض بأدوات حقيقية لتحقيق ذلك.. ولكن الواقع أثبت عدم جدية دول الخليج في ولوج هذا الباب خلال العقود الماضية.

والمخرج الثاني، أن تقوم دول الخليج ومعها الدول المصدرة للنفط، بممارسة دور صانع السوق، للوصول لسعر عادل، بعيدًا عن الاحتكار الأمريكي،وبما يعيد سوق النفط لوجود طرفين وهما البائعين والمشترين، وذلك من أجل الوصوللسعر برميل النفط لمعدل يتجاوز الـ 80 دولار، حتى تستطيع الدول الخليجية معالجة أوضاعها المالية، وسداد ديونها، والوفاء باحتياجاتها بشكل لا يمثل ضغطًا على مواطنيها. ولكن واقع الأمر أن سوق النفط خارج حسابات العرض والطلب ورهن حسابات معقدة لمصالح القوى الكبرى.