ملفات » القبض على الدعاة

ابتزاز واعتقالات ومحاكمات واغتيال.. السعودية المخيفة في 2018

في 2018/12/25

محمد الجوهري- الخليج الجديد-

ابتزاز واعتقال ومحاكمات واغتيال.. على هذه الأنغام النشاز الأربع غردت السعودية بصوت مزعج خلال 2018، ليكون عاما قاتما على صعيد ملف حقوق الإنسان، ابتدأ بمساومات تحت الإكراه لرجال أعمال وأمراء على ثرواتهم وأموالهم مما أثر على المناخ الاستثماري بالمملكة، واستمر باعتقالات لناشطات ورموز حقوقية وأكاديمية، ومحاكمات لدعاة وعلماء يقبعون داخل السجون من أواخر 2017، وانتهى باغتيال مدو لصحفي سعودي شهير داخل قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية، لتختم الرياض العام بفضيحة دولية لا تزال تبعاتها تتوالى حتى اللحظة.

ماكينة القمع دارت بوتيرة نشطة وبوقود لا ينضب في 2018، لتنتج مصفوفات من الوقائع المؤلمة، والتي جعلت السعودية مملكة خوف لا صوت فيها يعلو فوق صوت الشاب "محمد بن سلمان"، ولي العهد اسما والملك فعلا، بحسب رأي كثيرين، وخلفه جوقة تعزف لحنا مخيفا للجميع تردد صداه في الجزيرة العربية وتعداه لتسمعه المنطقة والعالم بمزيج من الاستنكار والدهشة، فقد كان الجميع ينتظر رؤية طموحة تنفتح بالبلاد بعيدا عن انغلاق الفكر وتشدد المذهب، فإذا بالانفتاح يتحول إلى احتقان برزت معه شرايين المملكة، معبرة عن خطر يتزايد على استقرارها، بحسب ما رأت وسائل إعلام ومراكز بحثية عالمية.

ابتزاز

المحطة الأولى لحكاية 2018 القاتم حقوقيا كانت في فبراير/شباط، عندما أعلنت السلطات السعودية إغلاق ملف الاعتقالات التي طالت أكثر من 200 من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، في أكبر عملية بطش بمراكز القوى الحقيقية والمحتملة التي قد تمثل خطرا على ولي العهد "محمد بن سلمان".

الاعتقالات التي تمت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وحولت فندق "ريتز كارلتون" في العاصمة الرياض إلى سجن كبير وفخم كانت مفارقة تحدث عنها العالم، وكانت التحليلات متعجبة والمحللون يتخبطون حول حقيقة ما يحدث.

الإغلاق جاء بتسويات أعلن النائب العام السعودي "سعود المعجب"، حينها، أن حصيلتها تجاوزت 100 مليار دولار، كان الرقم مفزعا وموحيا بما هو أكبر من مجرد حملة مكافحة فساد، لقد دفع المحتجزون "دماء قلوبهم" بالتعبير الدارج ليشتروا حريتهم، لاسيما بعد ما أوردته وسائل إعلام عالمية من تعرضهم للضرب والإهانة والتعذيب، وعندما يطال التعذيب بشرة غضة لينة تربت في كنف الدلال يكون الأمر جحيما لا يطاق.

المثير أن وزير المالية السعودي "محمد الجدعان"، صرح –قبل أيام– أن حصيلة ما تم جمعه فعليا من "الموقوفين بتهم فساد" هو 13 مليار دولار، أي أننا نتحدث عن حوالي 87 مليار دولار فرقا بين ما أعلنه "الجدعان" وما تحدث عنه "المعجب"، فأين ذهب هذا الفرق المهول؟ وهل تمثل هذا الفارق في أصول وعقارات وشركات؟

الأمر برمته كان ابتزازا، بحسب ما تحدثت به منظمات حقوقية دولية ووسائل إعلام عالمية.

هل نتحدث عن حصيلة حقيقية على السعودية؟ يكفي أن نشير لعشرات التقارير المنشورة في وسائل إعلام عالمية عن مناخ "الرعب الاستثماري" الذي أشاعه "بن سلمان" في المملكة بعد أزمة "ريتز"، وكما تحدثت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في أحد تقاريرها، فإن الكثيرين داخل المملكة من أمراء ورجال أعمال باتوا يفكرون في كيفية تحويل أكبر قدر من أموالهم إلى الخارج، فكيف يقدم من بالخارج على إدخال أمواله للاستثمار الآن؟

اعتقالات ليبرالية

"أنا من أعطي وأنا من أمنح ولا ينبغي أن ينسب الأمر لأحد سواي".. قد يكون هذا الشعار هو الأصلح للتعبير عن الاعتقالات المفاجئة التي نفذتها السلطات السعودية بحق ناشطات نسويات وناشطين في مايو/أيار 2018، حيث كان الضحايا هم (هن) من قادوا حملات لا تنسى لمنح المرأة حق قيادة السيارة في المملكة، وقبل أن يجنوا ثمار ما طالبوا به فعليا بأسابيع، جرى التنكيل بهم (بهن) حتى لا تتشتت دائرة الضوء عن ولي العهد الشاب "الليبرالي المنفتح"، بحسب تفسيرات لمحللين ومتابعين.

البداية كانت باعتقال كل من الناشطات "لجين الهذلول" و"إيمان النفجان" و"عزيزة اليوسف" و"عائشة المانع" بالإضافة إلى 4 رجال آخرين، بتهمة التواصل المشبوه مع جهات خارجية وتوليفة أخرى من التهم الأصغر.

وبعدها بشهر واحد، اعتقلت السلطات الناشطتين "مياء الزهراني" و"نوف عبدالعزيز الجوهري"، اللتان تعرفان بأنهما ناشطتان في مجال حقوق المرأة أيضا، بالإضافة إلى الناشطة "هتون الفاسي".

وفي أغسطس/آب، انضمت الناشطتان "سمر بدوي" و"نسيمة السادة" إلى قائمة المعتقلات.

وبعد اعتقالات وإفراجات، أفادت تقارير بأن الناشطات النسويات المحتجزات في سجون المملكة بلغ عددهن 9، تعرضن للتعذيب والانتهاك الجنسي والتهديد بالاغتصاب والقتل من طرف مستشار "بن سلمان" المقال مؤخرا "سعود القحطاني".

محاكمات الدعاة

في سبتمبر/أيلول 2017، شنت السعودية حملة اعتقالات طالت العشرات من العلماء والدعاة والأكاديميين والكتاب المحسوبين على التيار الوسطي أو ما يعرف بـ"تيار الصحوة"، والذي توعد "بن سلمان" بمحوه من المملكة في حرب لا هوادة فيها، بعد أن ألصق به كل سبب منع تقدم البلاد وازدهار أحوال العباد.

وفي سبتمبر/أيلول 2018، سيق معظم هؤلاء المعتقلين إلى محاكمات سرية في الرياض، بعد أن ذبلوا لعام في زنازين انفرادية وعانوا من تعذيب بدني ونفسي مستمر، بحسب تقارير حقوقية وشهادات لبعض ذويهم.

وبحلول 10 من نفس الشهر وصل عدد الذين خضعوا لمحاكمات سرية أمام المحكمة الجزائية في الرياض إلى 15 معتقلا، أبرزهم: الشيخ "سلمان العودة"، و"عوض القرني"، و"علي العمري"، و"محمد موسى الشريف"، و"عادل باناعمة"، و"علي بادحدح"، والأكاديميين "عبدالله المالكي"، و"إبراهيم المديميغ"، والاقتصادي "عصام الزامل"، والإعلاميين "خالد العلكمي"، و"فهد السنيدي"، وبعدها بأيام انضم لركب المحاكمات كل من الداعية الشيعي "حسن فرحان المالكي"، والمغرد الشاب "يوسف الملحم".

وطالبت النيابة السعودية بإيقاع عقوبة القتل تعزيرا على كل من "العودة" و "القرني" و "العمري"، بتهم الإفساد في الأرض، وعشرات التهم الأخرى.

ورغم قرب العام الحالي من نهايته، لا يزال الدعاة والعلماء والأكاديميين القابعين في زنازينهم لا يعرفون ماذا تحمل لهم الساعة المقبلة؟ هل هو حكم بالقتل أو السجن لفترات طويلة، أم أنه الأسر المستمر بلا جديد.

اغتيال "خاشقجي"

العام الحالك السواد اكتسى بلون الحمرة في أواخره، وكانت حمرة مشبعة بالبشاعة، صحفي وكاتب شهير يقصد قنصلية بلاده طالبا إنهاء معاملة حكومية من أجل أمر شخصي، فيتم قتله وتقطيع جسده وإخفاء جثمانه، فلا قتل اعتيادي ولا جنازة تأنس فيها الروح بمشيعيها، ولا قبر يضم عظام صاحبه بكرامة.

بقدر بعثرة المشهد جاءت الفضيحة، "جمال خاشقجي" عوقب على معارضته لتوجهات ولي العهد السعودي الاستبدادية، والقمع بالمملكة، بالقتل والتقطيع والتذويب (بحسب إفادات جهات تحقيق تركية) داخل قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

الرجل يدخل القنصلية، فيختفي، فتبلغ خطيبته التي كانت تنتظره السلطات التركية، بحث موسع وطلب تعليق من السعودية، نفي رسمي من أعلى المستويات بالمملكة، ولي العهد نفسه.. "المواطن جمال ليس بالقنصلية.. خرج.. لا نعرف أين هو.. لا بل نريد أن نعرف وعلى السلطات التركية أن تتحمل المسؤولية".، هكذا جاءت لهجة "بن سلمان" واثقة، خلال تعليق لوكالة "بلومبرغ" الأمريكية، بعد ساعات من اختفاء "خاشقجي".

استمرت الأيام تمر ببطء، لكن الأتراك اتضح أن معهم ما يمكن أن يزلزل جدار الكذب السعودي وينسفه، شاركوه مع العالم الذي ضغط على السعودية لتعترف بأن الشمس ساطعة وسط النهار، وبجوارها أن "خاشقجي" قتل داخل القنصلية السعودية بإسطنبول.

جاء الاعتراف السعودي كفضيحة، لكن كانت كل التروس في الرياض تدور لحماية ولي العهد، رغم كل الأدلة على تورطه في الأمر، ولا تزال تدور حتى هذه الساعة، الجميع علم الحقيقة، فليكن، ولكن لا أحد سيقترب من قيادتنا وولي عهدنا، هكذا بات الحال.

التعامل الأمريكي

تشجيع فصمت فمأزق فاستنكار.. هكذا كانت محطات التعامل الأمريكي مع قطار "بن سلمان" الحقوقي في 2018، تشجيع على احتجاز الأمراء ورجال الأعمال المناوئين وابتزازهم، وصمت على اعتقال الناشطات والناشطين، ومأزق بسبب الكذب السعودي في مسألة اغتيال "خاشقجي"، وأخيرا جاء الاستنكار الذي لا بد منه، بسبب فجاجة التعامل من الرياض مع القضية الزلزال.. "قتل وتقطيع خاشقجي".

الأكيد هو أن ولي العهد السعودي ينهي 2018 بعدما فجر تكتل داعميه إقليميا ودوليا، وبات في نظر العالم عدو حقوق الإنسان المسلح بمليارات النفط، والتي أبقته واقفا حتى الآن، ومن الحكمة القول إنه سيظل واقفا طالما بقيت تلك المليارات تحت تصرفه، رغم العواصف الشديدة التي قد تنتظره في 2019.