اقتصاد » تطوير بنى

تقارير الرقابة والحرث فى البحر..!!

في 2018/12/26

خليل يوسف- الأيام البحرينية-

هل هناك سر أو أسرار خفية تكمن وراء التعاطي البائس للنواب والجهات المسؤولة مع كل تقرير من تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية طيلة السنوات الماضية وكأن هناك من يريد لنا الحراثة في البحر والاكتفاء بإلهائنا بقشور الكلام والشعارات المعادة المكررة التي سئمنا منها حقاً وفعلاً عن المساءلة والحساب وسياسة العقاب والثواب، وما الى ذلك من عناوين وشعارات وحتى فرقعات فكاهية تهديدات لعلع أصحابها كثيراً الى حد أن ظننا رغم أن بعض الظن إثم ان هؤلاء يتحلون بقدر من المسؤولية ولكن بالنهاية لم نجد تجليات المسؤولية ولم يُؤخذ شيء على محمل الجد..؟!.

هل هناك من يتعمد في عرقلة او إعاقة التعاطي اللازم والأمثل والمستحق مع تلك التقارير؟ وهل هناك نية لدى أي جهة او طرف أن تمضي الأمور على ما كانت عليه، ويبقى الحال على ما هو عليه، يكشف ديوان الرقابة عن تجاوزات فجة دون متجاوزين، وفساد دون فاسدين، وكأن من الصعب، وربما من المستحيل أن تسمى الأشياء بأسمائها، وبات واضحاً جلياً أنه طاب المناخ للمراوحة، والمؤسف حقاً أن أحداً من المعنيين او من يفترض أنهم معنيون لم يبرهنوا أنهم يريدون غير ذلك والقيام بما يفرض ويفترض ..!

مسلسل من هذه وتلك الملفات لم يتوقف عن التوالد، كل ملف يلد آخر، وكل ملف يثير قدر لا يستهان

به من علامات التعجب والاستفهام، ولا من يراجع، ولا من يحاسب، ولا من يعاقب، ولا من يُوقف عند حده، فيما الناس ملوا من محاولات استمرار انهماكها بالشعارات والاستعاضة بالشكل عن المضمون، والقول عن الفعل، وكأن ثمة من يصر على الاستهتار بذكاء الناس الذين لازالوا في انتظار الفرج والأمل، وفي كل مرة يصدمون، هذا هو الموجز..

الناس صُدموا من جديد على وقع التقرير الخامس عشر لعامي 2017 - 2018 المعلن عنه قبل أيّام، وتضمن كالعادة ما يكشف عن هدر مالي بالملايين، واستمرار مخالفات إدارية ومالية استثنائية وجسيمة، وتراخي جهات ومؤسسات حكومية، وتجاوزات فجة طالت الصحة والدواء والخبز، وجامعات حكومية خارج رقابة التعليم، وعقود عمل تصل الى 30 سنة بوظائف يسهل على البحرينيين الوصول اليها، وامتيازات ورواتب غير مستحقة وخارج إطار القانون، وجهات تقدم نسب إنجاز غير دقيقة لمشاريع برنامج عمل الحكومة، وجهات أخرى لم تتخذ إجراءات ضد المعتدين على أراضيها..!

تلك دفعة جديدة من التجاوزات والمخالفات وهي غيض من فيض وكلها تثير أسئلة حساسة كثيرة يتهامس بها الجميع، والسياسيون والاقتصاديون والموظفون والعمال وغيرهم من فئات المجتمع الذين بلغ بهم الإحباط مبلغه، هؤلاء كانوا ولازالوا يتطلعون الى أن يأخذوا علماً وعلى وجه السرعة بإرادة توقف هذا العبث وتضع الأمور في نصابها الصحيح، وطالما نحن أمام نواب جدد، وحكومة جديدة، وبرنامج حكومي جديد سيعلن عنه قريباً، وتوجهات جديدة، وأوضاع اقتصادية جديدة ضاغطة، وتقرير رقابي جديد، وبرنامج توازن مالي، فإننا نحسب أن ذلك وغيره يضاعف الحاجة الى وقفة جديدة مسؤولة وغير مسبوقة ..

مطلوب في هذا السياق نفضة شاملة للإدارة يعاد بناؤها على قواعد الجدارة والكفاءة والنزاهة والنظافة وتحديد آجال البقاء في مواقع المسؤولية، وتنظيم آليات تتابع الأجيال بحسب الكفاءات والخبرات والمؤهلات والتخصصات، نفضة منتظرة منذ سنوات وعهود تتخلص من كل مظاهر سوء الأداء والإدارة وتمكّن كل وزير ومسؤول من القيام بمسؤولياته وواجباته دونما حاجة الى توجيه او تكليف من فوق، نفضة لا تجعل الإصلاح والتغيير مجرد شعار يستحضر في المناسبات، وتضع كل منهم تحت المجهر وتحت سيف المتابعة والمساءلة، مطلوب نفضة تجعل القانون فوق الجميع، وفوق كل الرؤوس، وفوق كل المدعومين والداعمين، وفوق كل من يقف وراء تفشي وباء التسيب والمحسوبية والرشوة وكل ما يدخل في باب الفساد وجعل ذلك طقساً يومياً لا يرى البعض بديلاً عن أدائه لإنجاز المصالح ناهيكم عن تحصيل الحقوق..!

لا مجال لوضع العتب على النواب السابقين وحدهم وتحميلهم المسؤولية على كل التجاوزات والمخالفات وصور الهدر والفساد التي مرت مرور الكرام والموثقة في كل التقارير السابقة لديوان الرقابة، فالنواب أثبتوا وبجدارة أنه لا يمكن التعويل عليهم في شيء، ولكن العتب ايضاً على مسؤولين وجهات يفترض أنها معنية بشكل او بآخر في المقدمة منها الجهات الوارد ذكرها في تلك التقارير، لم نجد أي منها وهو يسارع الى التوضيح او النفي او الإقرار بخطأ هنا او تجاوز هناك وكأن الأمر لا يعني ولا يخص أي منها، الأمر الذي يضاعف علامات التعجب والاستفهام خاصة حيال الملفات التي نجد فيها فائضاً من التبذير والهدر والنهب والفساد، كل ذلك يتكرر ويرصد في كل تقرير فيما يبقى كل شيء ثابت في مكانه، وكل مسؤول معني بالتبذير والهدر والنهب لا يتزحزح ولا يساءل ترصد وتوثق مخالفاته في تقرير تلو تقرير، وكل التقارير توضع في الأدراج وكأن شيئاً لم يكن، والأمر الصاعق اننا لا نجد أحداً حوسب بأية صورة، ليتواصل العبث الى ما لا نهاية ..!

في سنوات سابقة كنَّا نجد بعد صدور كل تقرير كيف تتسابق الوزارات والجهات الرسمية الوارد ذكرها في التقرير الى الرد بالنفي او التوضيح او التبرير او التنصل من المسؤولية، أما اليوم فإننا لم نعد نجد جهة واحدة تهتم بالرد، او مسؤولاً يكلف نفسه يشرح للناس الحقيقة او يطرح التبريرات او الأعذار بما يشفي او لا يشفي الغليل، مثل هذا المسؤول لم نجده حتى على الأقل حتى الآن، وكأن ليس هناك من يكترث برضا الناس وسخطهم ..!

وما دام الحال كذلك قد يكون لزامًا ما يلزم تجديد التأكيد على ضرورة ان يتحمل كل طرف رسمي معني مسؤوليته كما يجب، والتأكيد ايضاً بأن نواب الفصل التشريعي الجديد باتوا في صميم امتحانهم الأول، وحسنًا ان أعلن بعضهم «بأنهم يعتبرون أنفسهم أمام امتحان تاريخي، وأن المخالفات هذه المرة لن تمر مرور الكرام وسيحركون وبصرامة كل الأدوات الرقابية»، هؤلاء النواب إما أن يظهروا أنفسهم وكأنهم منذورون لمهمة نبيلة تشبه المستحيل، مهمة خلاصتها عدم إبقاء الفساد مطمئناً الى ديمومته او نظل كمن نحرث في البحر، نراوح في مكاننا لا نغادر نقطة الصفر، وهنا بيت القصيد، وبيت الداء.. !!