اقتصاد » ميزانيات

السعودية في طريقها إلى مزيد من المتاعب الاقتصادية

في 2019/01/05

وكالات-

السعودية بعائلتها الحاكمة التي تمثل النظام الملكي المطلق المليء بالثروة النفطية، تبدو للوهلة الأولى آمنةً في قوّتها، إذ رغم تقلبات أسعار النفط بقي دخل الفرد ثابتاً إلى حدٍ ما لسنوات عدة حتى الآن.

ومن حيث القوة الشرائية، السعودية هي دولة غنية تأتي بمرتبة قريبة خلف الولايات المتحدة في مستويات المعيشة. وفي الظاهر، تشعر قيادة البلد بالثقة والقوة الكافية لخوض حرب في اليمن وقتل الصحفيين المعارضين.

لكن تحت هذا السطح الهادئ ظاهرياً، قد تكون هناك مشكلة هي بصدد التخمّر؛ فأولاً وقبل كل شيء، تتجه التركيبة السكانية إلى منحى يرتبط أحياناً بالاضطرابات الاجتماعية.

وفي عام 2000، كانت عائلات السعودية كبيرة جداً، بمعدل يتجاوز 6 أطفال لكل امرأة. لكن الخصوبة انخفضت سريعاً، وهي الآن دون مستوى الإحلال البالغ 2.1 طفل لكل امرأة.

وهذا يعني أن سعوديين كثراً يبلغون سن الرشد الآن، سيمتلكون عدداً قليلاً نسبياً من الأطفال. وفي بلدان الاقتصادات القائمة على التصنيع، سيؤدي ذلك إلى عائد ديموغرافي وتسارع النمو بسبب وفرة العمال الشباب. لكن في اقتصاد السعودية الذي يعتمد على الموارد، قد يؤدي ذلك ببساطة إلى فرض ضغوط على مالية الدولة.

تقليدياً، السعودية اقتصاد ريعي توزّع فيه الوظائف الحكومية أموال النفط على السكان وتحول دون تفجّر توترات اجتماعية. وعادة ما تحوم بطالة الشباب في البلاد بين 25% و30%، في حين سجل معدل البطالة الإجمالي مستويات تاريخية مطلع سنة 2018.

قد يتشكل مزيج هشّ مكوّن من مجموعة كبيرة من الشبان الذين يعانون من معدلات بطالة مرتفعة ورسوم قليلة نسبياً لرعاية الأطفال، إذ لطالما لاحظ علماء السياسة العلاقة بين "انتفاخات" الشباب والنزاعات الأهلية.

ويمكن أن يصبح الوضع المتقلب أكثر خطورة بفعل 3 عوامل إضافية، هي: انحسار عائدات النفط وتغيّر المُناخ والتحرّر الاجتماعي.

عائدات النفط وتغير المناخ

تطور السيارات الكهربائية قد يكون رائعا للعالم ولمستقبل المناخ، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للصناعة الرئيسية في المملكة العربية السعودية. فوفقا لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، يعتمد اقتصاد المملكة على النفط بنسبة 50%، بينما يمثل الخام 70% من عائدات صادراتها.

تقديرات أخرى تضع هذا الرقم الأخير أعلى من ذلك. حيث يتم استخدام البترول بكميات أكبر من تشغيل السيارات والشاحنات، بالطبع - البلاستيك والأسمدة والسفن ووقود الطائرات ومجموعة من المواد الكيميائية - ولكن إذا بدأت السيارات الكهربائية تحصل على حصة أعلى من السوق، يمكن لأسعار النفط أن تتجه للهبوط للأبد.

وتعهدت البلاد منذ فترة طويلة بتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، ولكن خططها الإصلاحية الطموحة غالبا ما تتحول إلى مزيد من الإنفاق الحكومي الباذخ.

في هذه الأثناء، حتى لو لم يحدث أي انهيار في الأسعار ناجم عن السيارات الكهربائية، فإن احتياطيات البلاد من النفط ليست بلا حدود، وقد تكافح البلاد بالفعل لزيادة الإنتاج.

وثمة تهديد آخر لاستقرار البلد هو تغير المناخ الذي قد تكون ظهرت آثاره بالفعل. فالجفاف الناجم عن الاحترار العالمي قد يسهم في تأجيج الصراع في اليمن، حيث تختفي الأراضي الصالحة للزراعة. والمملكة العربية السعودية قد لا تكون بعيدة عن هذا الوضع بكثير. وهناك القليل الذي يمكن للبلد القيام به بمفردها لوقف تغير المناخ، بخلاف وقف التنقيب عن النفط (الذي من شأنه أن يدمر اقتصادها).

التحرر الاجتماعي

التهديد الثالث لاستقرار البلاد هو التحرر الاجتماعي، فتحرير ثقافة البلد في ما يتعلق بالفنون والمسرح وغير ذلك من أشكال التعبير الثقافي، بحيث إنها أصبحت أكثر تسامحاً على نطاق واسع، فضلاً عن أن السماح للنساء بقيادة السيارات والتصويت الانتخابي، وتخفيف الإسلام السياسي المتشدد، من الأمور العظيمة للمجتمع السعودي، لكنها تتيح أيضاً الفرصة لحصول اضطرابات.

فقد يصبح الشباب المعتادون على وتيرة التغيير الاجتماعي السريع غير راضين بحدّة في حال تباطأ التقدم على مسار التغيير، وهي ظاهرة تُعرف باسم "ثورة التوقعات المتزايدة".

لذلك، ورغم ما تُبديه السعودية من استقرار وثراء وقوّة، قد تتجه إلى عاصفة من المشكلات يفجّرها انخفاض عائدات النفط، والجفاف، وفائض غاضب من الشباب العاطلين من العمل بعد إحباط توقعاتهم.

بالتأكيد، يُدرك حكام البلاد هذا الخطر، وهو ما قد يكون السبب في توزيعهم المزيد من الأموال وإقدامهم على إصلاحات اجتماعية حتى حين يعمدون إلى إخماد الانشقاقات السياسية وقتل معارضي النظام.

لكن كل هذه الإجراءات قد لا تكون كافية. وقد يكون الأمر ببساطة هو أن الزمن الذي يمكن فيه لمملكة صحراوية غنية بالنفط أن تُلبّي حاجات سكانها الاقتصادية والاجتماعية لسكانها سوف يدنو من نهايته قريباً.