سياسة وأمن » دراسات سياسية

دول الخليج: الثروات الضائعة والثوب الأمريكي القصير

في 2019/01/29

عادل مرزوق- البيت الخليجي-

الأكثر أهمية من تداعيات الداخل الأمريكي حول قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا؛ هو التساؤل ما إذا كان من الممكن لأي دولة من دول الخليج خاصة ودول الشرق الأوسط عامة، المضي في رسم أو تبني سياسيات خارجية قاطعة وحاسمة مع ضرورة أو هكذا يُفترض أن تتوافق هذه الروئ والسياسات وسياسة واشنطن في المنطقة. لقد أثبتت السنوات الأخيرة وبما لا يدعو للشك أن ما تستطيع واشنطن أن تفعله في المنطقة هو أقل بكثير مما لا تستطيع أو ربما لا تريد أن تفعله.

كيف لدول المنطقة رسم سياساتها الخارجية حول عديد القضايا (الأزمة السورية، الأزمة الخليجية، الصراع الخليجي الإيراني) في ظل وجود ضابط إيقاع يعيش حالة داخلية متشظية وتوترا متفاقمًا بين مؤسسات الحكم فيه؛ حيث يتمظهر الرجل الأقوى في المنطقة رجلاً مريضًا، مرتبكاً بل وعاجزاً عن اتخاذ أي قرارات حاسمة ونهائية. 

واشنطن: نقص الانتباه وتضارب السياسات

يقدم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS في العاصمة الأمريكية واشنطن وهو واحد من أهم مراكز الدراسات الأمريكية فهمه حول تضارب التصريحات والمواقف الأمريكية على خلفية إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من سوريا بأنها “ليست أكثر سذاجة أو عُقم من الجدالات السابقة حول ملامح السياسة الأميركية نحو سوريا.. سياسة تخلو من أي مضمون حقيقي، كما سابقاتها، حول طبيعة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط والخليج منذ عام 2001”. ويضيف “أضحت مستويات النقاش بلا هدف استراتيجي واضح، وفشلت في التحكم بأي من القضايا المتعددة التي تسهم في بلورة استراتيجية أميركية في المنطقة”.

ما بين أحداث سبتمبر/أيلول 2001 وإعلان الحرب على الإرهاب والدخول في حرب افغانستان وحرب تحرير العراق من جهة، والسادس من فبراير العام 2004 حين أعلن الرئيس جورج دبليو بوش مبادرة تطوير وإصلاح الشرق الأوسط “مبادرة الشرق الأوسط الكبير” من جهة أخرى. شهدت المنطقة تقلبات السياسة الخارجية الأمريكية في أكثر من ملف؛ ولقد أكملت عقد المتناقضات ظاهرة باراك أوباما الانسحابية من أزمات المنطقة مطلع العام 2011 التي خلفت من ورائها صراعاً مفتوحاً بين القوى الإقليمية في الملفين السوري والعراقي خاصة.  

اليوم وبعد مرور 15 عاماً من متناقضات السياسة الخارجية لواشنطن إن أحداً في الإدارة الامريكية لم يعلن فشل استراتيجية “الحرب على الإرهاب” أو “مبادرة الشرق الأوسط الكبير” رسمياً. قد يكون سبب ذلك، أن المتغيرات السياسية في واشنطن والإقليم خصوصاً بعد عام 2011 على حد سواء قد مسحت من ذاكرة واشنطن قبل المعنيين بهذه المبادرات الكبرى، أسماء هذه المبادرات، ديباجاتها، ومضامينها.

المسار الخاطئ: من الخليج الى واشنطن

لا تختلف المستجدات المتسارعة والدراماتيكية في سياسة واشنطن الخارجية منذ يناير 2017 مع أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القسم رئيساً للولايات المتحدة عنها في منطقة الخليج، لقد فرض تولي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود منصب ولاية العهد في يونيو 2017، واقعاً جديدًا على المنطقة.

قدم ترامب فهماً جديدًا لما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط؛ سياسة تبدو أكثر تشجناً وعنفًا في مستوى (الخطاب) من سياسات الرؤساء الجمهوريين السابقين لكنها في الوقت ذاته أقل (شجاعة) من المضي في حرب جديدة أو ارسال جنود أمريكيين الى مناطق الصراع. وعلى أي حال: هي سياسة يمكن اكتشاف متناقضاتها حين تتابع تضارب التصريحات والمواقف الرسمية من داخل البيت الأبيض قبل تصريحات من هم خارجه.

خليجياً؛ حاول تحالف (السعودية الإمارات) تنسيق خياراته ومواقفه وتفصيلها إن صح التعبير على مقاس ما اعتقدت أنه المسار الجديد للسياسات الأمريكية الجديدة في المنطقة. فعليًا؛ ذهبت الرياض وأبوظبي بخطى متسارعة في حرب اليمن والعداء مع إيران وقطر ومحاولات إرغام الفلسطينيين على القبول بصفقة القرن، لكن هذا التحالف كان يجد نفسه وحيداً في منتصف طريق كل أزمة من الأزمات التي يخوضها، كان الثوب الأمريكي أقصر مما كانت كل من السعودية والإمارات تتوقعان.

العلاقة التي بدأت وثيقة بين واشنطن والرياض كانت تشير إلى أن ثمة تنسيقًا عاليًا بين العاصمتين في أكثر من ملف: انهاء النفوذ الإيراني، تمرير صفقة القرن في فلسطين، توافق حول ملف سوريا، وحتى الأزمة السعودية الإماراتية مع قطر، لكن الذي يحدث في كل مرة هو أن واشنطن لترددها وسوء إدارة التحالف (السعودي-الإماراتي) لهذه الأزمات كانت تنسحب قبل “ساعة الصفر”، فلا غطاء كامل لحرب اليمن بل ضغوط لإنهاءها، تراجع من التأييد الى الحيّاد في الأزمة مع قطر، لا حرب ولا عقوبات كاملة على إيران، وأخيرًا انسحاب من سوريا.

لا يجب أن يُفهم من سياق هذه القراءة أن الولايات المتحدة قد فقدت تأثيرها أو أهميتها في المنطقة. بالتأكيد لواشنطن حضورها المستمر في أكثر من سياق؛ أهمها الدعم الوازن الذي قدمه البيت الأبيض لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ابان أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي (أكتوبر/تشرين الأول 2018) وصولاً لتجاوز الرياض حملة قطرية تركية دولية كادت تعصف بتراتبية الحكم فيها، اللافت هنا هو أن واشنطن كانت ثوباً قصيرًا على القطريين أيضاً.

الدرس الأهم خلال العامين الماضيين 2017 – 2018 هو أن أيًا من الخيارات والسياسات الحادة التي انتهجتها دول المنطقة تجاه بعضها البعض لم تستطع تحقيق أي منجزات أو مكاسب حقيقية على الأرض. خصوصاً تلك السياسات التي أُقرت على أمل أن غطاءاً أمريكياً سيكون متاحاً لتنفيذها ودعمها. وبالإضافة إلى ما راكمته دول الخليج من خسائر مليارية من ثرواتها، تكدست قوائم الضحايا في اليمن، تصدع كيان خليجي وازن واستفحلت صراعات إقليم باتت حساباته عصيّة على الجميع.