ملفات » القبض على الدعاة

"التبليغ" آخرها.. لماذا تحارب السعودية الجماعات الدينية غير الموالية؟

في 2019/02/14

الخليج أونلاين-

بعد تصنيف السعودية، منذ أكثر من عام ونصف العام، جماعة الإخوان المسلمين على أنها "إرهابية"، وشنها هجوماً على قياداتها واعتقال من ينتمي إليها، عادت الرياض مجدداً ولكن هذه المرة بهجوم استهدف "جماعة التبليغ والدعوة"، ووصفها بـ"الخطرة"، رغم عدم وجودها على الساحة السياسية.

بدء الهجوم و"شيطنة" جماعة التبليغ قاده محمد الفيفي، مستشار وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، الذي وصفها بأن خطورتها لا تقل عن خطورة جماعة "الإخوان المسلمين".

وأشار الفيفي، في تصريح لصحيفة "عكاظ" المحلية، نشر مؤخراً، إلى أن "عدداً من زعامات الحركات الإرهابية تخرجوا في جماعة التبليغ"، وتـابع أن أعضاءها لا يجعلون ولاءهم للدولة التي يعيشون فيها وإنما لأمرائهم، مشكلين بذلك "دولة داخل دولة" حسب وصفه.

الهجوم على هذه الجماعة لم يكن الأول، فقد هاجم في أكتوبر من العام الماضي نائب وزير الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد بالسعودية، توفيق بن عبدالعزيز السديرى، "التبليغ والدعوة"، قائلاً إنها لا تختلف عن "الأحزاب والجماعات المنتسبة زوراً إلى الإسلام، والتى استغلت الإسلام لأهداف سياسية".

من هي الجماعة؟

يعود تأسيس جماعة التبليغ والدعوة إلى الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي (1885 – 1944) الذي وُلد في (كاندهلة - سهارنفور بالهند)، وهو المركز الحالي للجماعة، قبل أن تنتشر بعد ذلك في عدة دول في العالم الإسلامي وصولاً إلى الوطن العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

ويتولى إمارة هذه الجماعة "نظر عبد الرحمن"، في مقرها الرئيسي بالهند، والذي اختير عقب وفاة أميرها الحاج عبد الوهاب في نوفمبر من العام الماضي.

وفي حوار سابق عام 2009 مع صحيفة "الشرق الأوسط"، قال راشد الجدوع، أحد رموز جماعة الدعوة البارزين في السعودية، إن عمل جماعتهم التي يطلق عليها أيضاً اسم "الأحباب"،  "دعوي صرف، ليس له بعد سياسي ولا بعد جهادي"، مضيفاً: "نحن لا ننافس الناس في مناصبهم ولكننا نجتهد لإصلاح الناس في مناصبهم. وهذا يعطي أماناً في السياسة".

وتنتقد جماعة "التبليغ" بالسعودية انتشار "التفسيق والتبديع والتكفير والتفجير في أوساط المسلمين".

"سياسة وقائية" تعادي الجميع

ويرى الباحث في الجماعات الإسلامية أمجد خشافة أن المملكة وضعت لنفسها سياسة وقائيه جديدة ضد كل التكتلات أو التنظيمات أياً كان توجهها، لكونها تعتبر أن أي تنظيم دعوي أو سياسي هو في الأساس يعيش خارج سياق الدولة والولاء لقيادتها.

وأضاف في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أنه من هذا المنطلق "بدأت السعودية بفرض علاقة صفرية مع الإخوان المسلمين، ثم التكتلات الحقوقية، ثم انتهت بجماعة التبليغ والدعوة".

وتبتعد "التبليغ والدعوة" في أهدافها عن الخوض في الخلافات المذهبية، كما أنها تدعو أفرادها إلى الابتعاد عن السياسة، وتنهاهم عن الخوض فيها، وينتقدون كل من يتدخل فيها، ويقولون بأن "السياسة هي ترك السياسة".

ومنذ أكثر من 20 عاماً تواجه الجماعة، أو ما يطلق عليها في أوساط السعوديين بـ"الأحباب" معارضة معلنة من قبل الكثير من الأوساط الدعوية في المملكة، وحتى المؤسسة الدينية الرسمية، لدرجة وصلت إلى "تبديع" هذه الجماعة، والطرق التي تتبعها في الدعوة.

يشير خشافة إلى أن جماعة التبليغ "منكفئة على نفسها ومنخرطة في الدعوة رغم قلة العلم التأصيلي لديهم، وليس لهم علاقة بالسياسة، إضافة إلى أن عدد أفراد الجماعة في المملكة ضئيل جداً نتيجة لهيمنة دعوة محمد بن عبد الوهاب منذ عشرات السنين على بلاد الحرمين".

إلا أنه يرى أن السياسة الجديدة التي تتخذها قيادة السعودية بزعامة ولي العهد محمد بن سلمان، دفعتها إلى اتخاذ خطوات بـ"فرض قيود على التكتلات والتنظيمات بشقيها الدعوي والسياسي".

ولفت النظر إلى أنه "من الطبيعي أن يشملهم توجه جديد في المملكة ضدهم لأن الجماعة لديها فكر دعوي له امتداد إلى مراجع فكرية في باكستان والهند، وليس لها ارتباط سياسي مع المملكة يمكن للأخيرة توظيفه لمصالحها السياسية الشائكة في الوقت الراهن".حسب قوله.

وفي مارس 2014 أعلنت السعودية عبر وزارة داخليتها عن ما أسمتها بـ"قائمة التيارات والتنظيمات الفكرية المتطرفة"، داخل المملكة التي سيتم حظرها، والتي تضمنت جماعة "الإخوان المسلمين" ومن يؤيدهم أو يتعاطف معهم بـ"أي شكل كان"، والتي حملت تسعة تنظيمات تم تصنيفها "إرهابية".

ويشير خشافة إلى أن الهجوم الأخير من قبل مستشار وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي على جماعة الدعوة "له طابع سياسي وأمني أكثر من كونه نقداً فكرياً، إذ كان يمكن أن يتم التعامل معهم مثل الصوفية التي صارت بعض دول الخليج تقوم بقديمها كفكر صاعد متسامح، لكن الصوفية يمكن توظيفها في الصراع السياسي في حين أن جماعة التلبيغ لا يمكن توظيفها".

وشنت السعودية منذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من الوجوه الإسلامية المعروفة أمثال سلمان العودة وعوض القرني وإبراهيم السكران، كما تم تحجيم سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويؤشر هذا الهجوم على توجه جديد بالضغط والتضييق على الجماعات خصوصاً التي عرفت بالابتعاد عن الشأن السياسي، وظلت خارج إطار التجاذبات والهجمات التي صعدتها السعودية في السنوات الأخيرة ضد جماعات الإسلام السياسي.

كما "شيطن" الإعلام السعودي عدة وجوه إسلامية بارزة، على رأسها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأمينه العام السابق الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، والذي ينتمي إليه علماء في مختلف دول العالم الإسلامي.