علاقات » اوروبي

ما بعد خاشقجي.. لماذا انهار التوافق الأوروبي حول معاقبة السعودية؟

في 2019/03/12

جوليان بارنز - المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية-

بعد خمسة أشهر من مقتل الصحافي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول، تتلاشى الضجة الأوروبية بشأن الجريمة. وكما هو متوقع، عادت الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد الأوروبي بهدوء إلى شراكاتهم الاستراتيجية الوثيقة والقديمة مع المملكة العربية السعودية. وكجزء من هذا التوجه، تركز لندن بشكل خاص على العمل بشكل وثيق مع الرياض للحفاظ على الدعم السعودي للعملية السياسية في اليمن.

وعلى الرغم من أن هذا التحول يمكن فهمه في ضوء الأزمة الإنسانية الشديدة في البلد الذي مزقته الحرب، إلا أن النهج الجديد للدول الأوروبية يثير تساؤلات حول موقفها الاستراتيجي الأوسع تجاه المملكة العربية السعودية حيث تعود بريطانيت إلى إستراتيجية أخفقت في السنوات الأخيرة في التخفيف من الأنشطة السعودية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط مبتعدة عن المطالبات بنهج أوروبي أكثر حزماً في التعامل مع المملكة، ليس فقط فيما يخص اليمن.

وظهر هذا التغيير في موقف بريطانيا في زيارة وزير الخارجية "جيريمي هنت" للرياض أواخر الشهر الماضي. وخلال الرحلة، التقى "هنت" مع "إبراهيم العساف"، الذي كان قد عُيِّن مؤخراً كوزير للخارجية ويبدو أن هدف الزيارة كان هو الإشارة إلى رغبة بريطانيا في إصلاح العلاقات مع المملكة في أعقاب قضية "خاشقجي". وقد كتب "هنت" على تويتر بعد زيارته "إن شراكتنا الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية تساعدنا في الحفاظ على أمن المملكة المتحدة، وتسهم في إحراز تقدم في الأولويات الدبلوماسية مثل اليمن". وأضاف أنه ناقش مع نظيره السعودي "إصلاحات حقوق الإنسان والقضايا الراهنة بما في ذلك أزمة خاشقجي والناشطات النسويات وقوانين الوصاية".

ويعد هذا النهج تحولا واضحا عن الموقف الحازم الذي اتخذته أوروبا بعد مقتل "خاشقجي" مباشرة. وفي تلك المرحلة، اتخذ وزراء الخارجية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا خطوة غير مسبوقة حين طالبوا علانية بإجراء تحقيق "شامل وشفاف وموثوق به" في عملية القتل. وذكروا أن العلاقات السعودية الأوروبية ستتأثر بطبيعة استجابة الرياض لهذا الطلب.

وتظل الدول الأوروبية حذرة من احتضان ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" مرة أخرى وحرصوا على عدم حضوره قمة الاتحاد الأوروبي - جامعة الدول العربية التي عقدت في مصر الشهر الماضي. إلا أن قلة منها لا تزال تدعو إلى إجراء تحقيق ذي مصداقية في قضية "خاشقجي"، في حين تضغط فرنسا وبريطانيا في نفس الوقت على ألمانيا لعكس حظر الأسلحة المفروض على السعودية، وهو الإجراء الذي يمنع حالياً تسليم طائرات يوروفايتر تايفون التي بنيت بأجزاء ألمانية. كما عمدت بعض الدول الأعضاء مؤخراً للضغط من أجل التراجع عن قرار الاتحاد الأوروبي بوضع المملكة العربية السعودية على القوائم السوداء الخاصة بغسيل الأموال.

ومن المرجح أن يكون الدافع وراء تحفيف أوروبا لموقفها الصارم هو اعترافها الضمني بأن هناك احتمالا ضئيلا جدا لإجراء تحقيق سعودي شفاف في جريمة القتل مع اعتقادها بأن استمرار الضغط لن يؤدي إلى عزل الرياض. وفي حين أنها اعتقلت 11 مواطناً سعودياً بسبب الجريمة، ترفض الرياض بثبات الاعتراف بأن القيادة السعودية قد أجازت الاغتيال، رغم أن تقديرات الاستخبارات الأمريكية تشير إلى العكس. وحتى مع الضغوط الدولية المستمرة، لا يوجد أي احتمال لإجراء تحقيق سعودي يتعامل مع القضايا الجوهرية بشفافية.

وكان الإصرار الأوروبي الأولي على هذا التحقيق لحظة تماسك مثيرة للإعجاب في قضية صعبة. وكانت الوحدة الصوتية في برلين وباريس ولندن - مدعومة بتأييد أوروبي أوسع - تتناقض بشكل صارخ مع المناقشات الهادئة التقليدية مع الرياض حول القضايا الخلافية، فضلاً عن عقود من التنافس بين الدول الأوروبية حول المكاسب الاستراتيجية والاقتصادية المتوقعة من العلاقة مع الرياض. ومن خلال وقوفهم معا، كان الأوروبيون قادرين على حماية أنفسهم من الانتقام السعودي. وفي الواقع، في حين أن حظر الأسلحة الأوروبي السابق أسفر عن تدابير سعودية عقابية ضد ألمانيا، ردت الرياض على إجراءات ما بعد "خاشقجي" في برلين بمحاولة تقوية روابطها.

علاوة على ذلك، أدت الضغوط الأوروبية والأمريكية المتزايدة إلى تأسيس موقف سعودي أكثر تقييدًا بشأن اليمن، والذي تضمن دفع الحكومة اليمنية إلى قبول اتفاقية ستوكهولم التي توسطت فيها الأمم المتحدة، وهي صفقة تعطي بعض الأمل في إنهاء الصراع المدمر في البلاد.

ومع ذلك، فإن بريطانيا تعمل الآن بمفردها مرة أخرى، وتتطلع إلى تعزيز شراكتها الثنائية مع المملكة العربية السعودية واستخدام هذه العلاقة لإحداث تحسينات دائمة على أرض الواقع في اليمن وهي سياسية كانت أبعد ما يكون عن النجاح - ولتحقيق هذه الغاية، كانت لندن وباريس مستعدتان لانتقاد حظر الأسلحة الألماني على السعودية علانية، مما يدل على أن الوحدة الأوروبية حول المملكة بسبب قضية "خاشقجي" بدأت في الانهيار.

لا يزال من غير الواضح ما الذي يمكن أن يحققه هذا النهج. تستند بريطانيا على أملها في أن الرياض قد تعلمت من التداهيات الكارثية لقضية "خاشقجي" والحوادث الإقليمية الأوسع في السنوات الأخيرة. لكن هذا الرهان يعد محفوفًا بالمخاطر، نظرًا لانتشار عدم الاستقرار على نطاق واسع في الشرق الأوسط وسياسة إدارة "ترامب" المؤيدة للمملكة والعدائية تجاه إيران. وعلى عكس نظيره البريطاني، أشار وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" إلى أن برلين لن تمنح الرياض ميزة الشك. وردا على مطالب لندن بإنهاء حظر الأسلحة، ذكر أن أي قرار سيكون "معتمدا على التطورات في صراع اليمن وعلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في محادثات استوكهولم للسلام".