سياسة وأمن » اتفاقيات

ما دلالات إبرام اتفاقية الموانئ الاستراتيجية بين أمريكا وعُمان؟

في 2019/03/27

الخليج أونلاين-

مع تزايد احتمالات وقوع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، تتعدد السيناريوهات المتداولة حول تداعيات مثل هذه المواجهة، وواحد من أسوأ السيناريوهات المحتملة إقدام طهران على إغلاق مضيق هرمز؛ لما له من أهمية استراتيجية.

ويمر عبر هذا المضيق المهم إقليمياً ودولياً أكثر من نصف إنتاج الخليج العربي من النفط، ويؤدي إغلاقه إلى رفع أسعار النفط إلى أكثر من 200 دولار للبرميل، ما يضع ضغوطاً هائلة على الاقتصاد العالمي، ويرى مراقبون أن طهران تلوح بهذه الورقة بين الحين والآخر لتجنب الضربة المحتملة.

واشنطن وفي ظل تحركاتها الدولية؛ بدءاً بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع طهران، وانتهاءً بجمع دولة الاحتلال الإسرائيلي بالسعودية والإمارات ودول أخرى في حلف للمواجهة المرتقبة تأخذ مسألة إغلاق المضيق على محمل الجد، وتعمل على أخذ الاحتياطات التي تنتزع فيها هذه الورقة من يد طهران.

وفي هذا الإطار وقَّعت الولايات المتحدة اتفاقية "الموانئ الاستراتيجية" مع سلطنة عُمان، يوم الأحد (24 مارس 2019)، يقول مسؤولون أمريكيون إنها ستمنح الجيش الأمريكي تسهيلات أكبر في منطقة الخليج، كما ستحد من الحاجة لإرسال السفن عبر مضيق هرمز قبالة ساحل إيران.

أهمية الاتفاقية

السفارة الأمريكية في سلطنة عُمان قالت في بيان: إن "الاتفاقية تضمن للولايات المتحدة الاستفادة من المنشآت والموانئ في الدقم وصلالة، وتؤكد من جديد التزام البلدين بتعزيز الأهداف الأمنية المشتركة".

وتولي واشنطن الاتفاقية أهمية بالغة، إذ تعتبرها خطوة في طريق تقليل الاعتماد على مضيق هرمز، وفي هذا الإطار نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمريكي قوله: إن "الاتفاقية مهمة لأنها تحسن الوصول إلى موانئ تتصل بالمنطقة عبر شبكة من الطرق، ما يمنح الجيش الأمريكي قدرة كبيرة على الصمود في وقت الأزمة".

وأضاف المسؤول الأمريكي، الذي لم تذكر الوكالة اسمه: "اعتدنا العمل بناءً على افتراض أن بإمكاننا دخول الخليج بسهولة، لكن جودة وكمية الأسلحة الإيرانية تزيد المخاوف".

وأشار إلى أن "الاتفاقية ستزيد من الخيارات العسكرية الأمريكية في المنطقة في مواجهة أي أزمة، وميناء الدقم مثالي للسفن الكبيرة لدرجة أنه يتسع لاستدارة حاملة طائرات، كما أنه يقع خارج مضيق هرمز".

المحلل السياسي العُماني عوض بن سعيد باقوير، يرى أن الاتفاقية تأتي في إطار سعي السلطنة لتطوير علاقاتها العسكرية مع مختلف الأطراف الدولية، كما حصل مع المملكة المتحدة واليابان والهند وباكستان.

وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "السياسة الخارجية لسلطنة عُمان سياسة مرنة، وتعتمد الحياد الإيجابي في العلاقات الدولية، وتعمل على المساعدة في إيجاد الحلول للتوترات بالمنطقة، خاصة بين إيران وأمريكا، وقد نجحت سابقاً في المساعدة في إنجاز الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الدولية".

وتابع الصحفي العُماني: "لذلك يمكنني أن أجزم أن الاتفاقية ستسهم في تخفيف التوتر بين الأطراف، من خلال استغلال العلاقة المميزة لمسقط بواشنطن وطهران، وهي بذلك ستساعد في تقريب وجهات النظر، وحلحلة الأزمة".

واعتبر أن "الاتفاقية  ليست ضد أحد، إنما جاءت في سياق ترسيخ التعاون بين الولايات المتحدة وسلطنة عُمان في جميع الجوانب؛ الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والدبلوماسية، وهي تحقق مكاسب مشتركة للجانبين؛ عسكرية واقتصادية".

العلاقة بين مسقط وطهران

مراقبون يرون أن الاتفاقية يمكن أن تؤثر على العلاقة بين طهران ومسقط، فالأخيرة مارست دور الحياد الإيجابي في ملفات المنطقة، ولم تنْحَز ضد أي طرف في الصراع الدولي، غير أن الاتفاقية نزعت من يد إيران ورقة التلويح بإغلاق المضيق التي تستخدمها للضغط عل واشنطن، وهو ما قد يفسر من الإيرانيين على أنه انحياز عُماني إلى طرف واشنطن.

المحلل السياسي العُماني سالم الجهوري يرى أن "العلاقة مع إيران لن تتأثر على الإطلاق بسبب الاتفاق، فالإيرانيون لديهم ثقة كبيرة بالسياسة العُمانية التي ساهمت في تخفيف الكثير من المواقف المتشنجة في المنطقة".

وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "كما أن الاتفاقية ستكون محددة بشروط والتزامات تحدد أطر التسهيلات المقدمة للجيش الأمريكي، ومن جهة ثانية أرى أن إغلاق هرمز ليس بالأمر السهل، فهو ممر ملاحي دولي، والجانب الأكثر عمقاً فيه هو في الجانب العُماني لا الإيراني، كما أن لإيران وعُمان اللتين تتشاطآن المضيق التزامات دولية تقضي بتأمين الممر الملاحي، ومن ثم ليس سهلاً القفز فوق هذه الالتزامات لتحقيق مكاسب خاصة".

ويعتقد الجهوري أن "إيران ليست جادة في مسألة إغلاق المضيق، وإنما تستخدم هذا الأمر كورقة ضغط على الطرف الآخر".

وتابع بالقول: "حسب علمي هناك جهود تبذل من السلطنة في الوساطة بين واشنطن وطهران، وهناك تبادل زيارات بين مسؤولي البلدين، نوقش خلالها الملف الإيراني، وهناك حديث عن بعض التعديلات في الاتفاق النووي تحقق ما تريده الإدارة الأمريكية وتحفظ حقوق الإيرانيين".

واستدرك المحلل السياسي العُماني: "لا أستبعد أن لقاءات أجريت بين المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين على الأراضي العُمانية خلال الشهور الماضية، والسياسة في السلطنة تعتمد على عدم الإعلان عن مثل هذه الأمور حتى تتيح للمتحاورين فرص النجاح".

تنافس صيني أمريكي

تنظر عُمان إلى الاتفاقية من منظور اقتصادي، إذ تريد السلطنة تطوير الدقم التي كانت يوماً ما مجرد قرية للصيد تبعد 550 كيلومتراً إلى الجنوب من العاصمة مسقط، إلى مرفأ ومركز صناعي مهم في منطقة الشرق الأوسط، في إطار سعيها لتنويع موارد اقتصادها بعيداً عن صادرات النفط والغاز.

وسعت الصين إلى استثمار ما يصل إلى 10.7 مليارات دولار، في مشروع الدقم، في إطار اتفاق تجاري غير عسكري.

الاتفاقية العُمانية الأمريكية تتيح لواشنطن أن تعزز موقعها في المنافسة العالمية مع الصين على النفوذ في المنطقة، بحسب مراقبين.

وبهذا الخصوص يقول الجهوري: إن "الصينيين موجودون في الدقم، ويعملون على مشاريع هامة للغاية تجاوز الاستثمار فيها 11 مليار دولار، وقبل عدة أسابيع تم افتتاح عدد من المشاريع والمصانع فيها، لكن يوجد تأخير في بعض المشاريع التي لم تنجز في وقتها المحدد، لكن هذا لايعني هذا عدم مضي الاستثمار الصيني كما كان مخططاً له".

وأشار إلى أن "هناك عملية ربط بين ميناء الدقم وميناء جوادر الباكستاني الذي تستثمر فيه الصين بهدف إحياء طريق الحرير، حيث تستخدم العربات والقطارات والسفن في نقل البضائع، وسيكون لميناء الدقم دور محوري في عملية التوزيع حول العالم".

وأشار الجهوري إلى أن "السلطنة فتحت الباب أمام كل دول العالم للتعاون الاقتصادي والاستثمار التجاري، ليس أمام الولايات المتحدة الشريك الهام، ولا أظن أن التعاون معها سيتقاطع مع التعاون الصيني بحال من الأحوال".