خاص الموقع

تسول التكريم

في 2019/03/29

فؤاد السحيباني- راصد الخليج-

طرأت حادثة رفض جامعة الزيتونة التونسية، منح دكتوراه فخرية للملك سلمان بن عبد العزيز، على الأهمية والظرف التاريخي للاجتماع العربي الكبير، فحوّل الانتباه من قمة تنتظرها الشعوب، وتعلق عليها آمالها، ربما تخرج ببيان واضح قاطع، في رفض القرار الأميركي بضم مرتفعات الجولان السورية للكيان الصهيوني، أو تستمر في تمييع الموقف وبالتالي تزيد من الرخاوة العربية أمام التحديات الهائلة المحيطة، ما يجعل الأرض العربية صيدًا سهلًا أمام إدارة أميركية تستميت في تحقيق أحلام الصهاينة.

المثير في القصة هو اسم الجامعة، التي تعد واحدة من درر الإشعاع الثقافي العربي، وهي -بجانب الأزهر والقرويين ودمشق- تمثل حصن تاريخي للغة العربية والثقافة الإسلامية، وبالتالي كان الرفض ذي مغزى هائل، ربطه رئيس الجامعة هشام قريسة، بأنه تأكيد على دور الجامعة العلمي البحت، وعدم انجرارها إلى مزالق المجاملات السياسية أو إكرام الضيوف، حتى لو كان الضيف يلوح بأغصان الاستثمارات الضخمة، لدولة في مأزق اقتصادي مفضوح.

الاستثمارات الهائلة كانت تفتح الأبواب المغلقة في السابق أمام أي طلب سعودي، أو مجرد تمني، كانت الأحلام تجد على الفور طريقها لتصبح واقعًا لا راد له، لكن الشعوب التي دخلت في المعادلة، من بعد الربيع العربي، ترفض أن تكون مطية للغير، وعلى حساب كرامتها، والتكريم مهما كان دبلوماسيًا، ولا يرقى لأن يكون اعترافًا أو إنشاءً لمرتبة علمية، تم على الفور رفضه، بل والتنديد به، وقامت وسائل الإعلام القطرية بتلقف كرة النار، لتنفخ فيها وتزيد من اشتعالها، في ظروف عصيبة.

 الرفض التونسي لتكريم الملك سلمان، يتلو رفضًا شعبيًا منذ أشهر معدودة فقط، لزيارة ولي العهد إلى الدولة العربية الصغيرة، والبعيدة تقليديًا عن التجاذبات السياسية الكبيرة والعنيفة بالمنطقة العربية، فالمتتبع للتاريخ التونسي بعد الاستقلال عن فرنسا، يجدها دولة تجيد التعامل مع موقعها وواقعها، في آن، فلا هي تطمح لدور أكبر منها، ولا تعطي الفرصة لانتقاص من سيادتها أمام غيرها من الدول العربية، وشعبها في مجمله يتمتع بوعي ومستوى عال من الثقافة، نتيجة الاحتكاك بالمناخ والتيارات الأوروبية القريبة منه، وكان اختيار تونس كمقر للجامعة العربية بعد نقلها من مصر في هذا الإطار، فهي دولة غير محسوبة على محاور، وعلاقاتها بالجميع جيدة في أغلب الأحوال.

التفسير المنتشر عن علاقة بين قطر وقيادات جامعة الزيتونة، وأنها وراء الرفض، يتجاهل حقيقة أن ولي العهد لم يستطع أن يمكث في العاصمة التونسية أكثر من ساعات أربع، بعد احتجاجات ضده، وضد سياسة المملكة، والتي كانت وقتها تواجه أزمة اغتيال المعارض جمال خاشقجي، ورفعت خلالها صور للأمير وهو يمسك منشارًا، على مبنى نقابة الصحافيين التونسيين، ووزعت منشورات ضد الحرب في اليمن، وصفت الأمير بالقاتل، رغم الحفاوة الرسمية، التي جعلت رئيس الجمهورية يستقبل ولي العهد بالمطار.

الواقع والتقرير المنطقي للأمور يقول إن الرفض جاء بناء على طلب، ولم يكن من فراغ، والطلب السعودي، مهما كان المتقدم به أو رؤيته للأمور، قد وضع الملك في موقف سياسي ضعيف قبل القمة مباشرة، وبدد مقدمًا أي طرح سعودي في اتجاه اتخاذ المواقف التي تناسب سياسة المملكة حاليًا، وبدا كما لو أنه "تسول التكريم" من الجامعة التونسية الأعرق والأشهر.

القمة التي تعقد في وقت تواجه الأمة العربية فيه مخاطر جمة، تعقدت أكثر مع التشرذم العربي، والمعارك الدائرة بطول الساحة السياسية العربية، فمن حرب اليمن إلى الصراع في سوريا، والمقاطعة العربية لقطر، والدور السعودي الجديد في ليبيا، يقطع أي سبيل أمام قرار عربي موحد، يقول ويؤكد أننا أمة واحدة، وأن أرضنا غير مستباحة، سواء لقرارات "ترمب" أو للسلاح والغطرسة الاسرائيلية.

نعم خسرت المملكة المعركة السياسة في تونس، وقبل أن تبدأ، بتصرف آخر طائش، يميز السياسة الخارجية السعودية خلال السنوات القليلة الأخيرة، وتحتاج إلى وقفة عاجلة قبل أن تبدد المملكة رصيدها السياسي بالكامل مع الشعوب العربية وقياداتها، فالمال والدعم قد يصنع الأتباع، لكنه لن يشتر الدور الإقليمي، الذي يحلم به الملك، وورائه ولي عهده.