السلطة » صراعات قبلية

قبائل العراق والكويت.. تاريخ مشترك يعلو على الخلافات

في 2019/05/04

الخليج أونلاين-

أعادت كلمة شيخ قبيلة العوازم في الكويت، فلاح بن جامع، وذكره مدينة البصرة بكلمات أثارت حفيظة العراقيين، الحديث عن الترابط القبلي والعشائري بين العراق والكويت.

فطبيعة التقارب الجغرافي كانت عامل ربط بين مجتمعات البلدين، لا سيما بين كبرى العوائل منها، وأبرزها العنزة وشمر وزبيد وتميم، وغيرها من القبائل العريقة التي تسكن محافظة البصرة ودولة الكويت، وتربطها أوشاج ونسب.

خلال تجمُّع لقبيلته بالكويت أقيم في 30 أبريل الماضي، ذكر شيخ العوازم نساء مدينة البصرة بكلمات اعتبرها العراقيون إساءة بحقهم؛ وهو ما جعلهم يشنون حملات مكثفة على منصات التواصل الاجتماعي؛ مطالبين باعتذار الشيخ الكويتي، واتخاذ إجراء حكومي.

التجمُّع عُقد لجمع "دِيَةٍ"، للإفراج عن الضابط خالد نقا العازمي، وهو مُدان بقتل الإعلامية هداية سلطان السالم، عام 2001.

في كلمته خلال التجمُّع، قال شيخ قبيلة العوازم: "ما كان عندنا راقصات. الراقصات من البصرة. إحنا ما نجيب راقصات"؛ وذلك رداً على مقالة الراحلة هداية السالم، التي قالت فيها: إن "فتيات من عشيرة العوازم يعملن راقصاتٍ، كانت الأسرة الحاكمة تجلبهن من فريج العوازم (حي العوازم)، ويؤدين رقصة كويتية بإغراء وإيحاء جنسيَّين"؛ وهو الأمر الذي أدى إلى مقتلها لاحقاً.

زعماء قبائل وناشطون مدنيون وصحفيون وشخصيات معروفة في المجتمع واجهوا كلام الزعيم القبلي الكويتي بالتهديد، مطالبين بالاعتذار الشخصي، في حين ضجَّت مواقع التواصل العراقية بعبارات الاستهجان والاستنكار، فضلاً عن عبارات مسيئة صدرت من معلِّقين غاضبين.

شيخ قبيلة العوازم بادَر فوراً، عقب الهَيَجان العراقي على مواقع التواصل الاجتماعي، بالاعتذار موجِّهاً في مقطع فيديو مصوَّر، اعتذاره إلى العراقيين وأهالي البصرة، مبيناً أنه أساء، طالباً الصفح والسماح.

لكن رغم ذلك، هاجم محتجون غاضبون قنصلية الكويت في البصرة، يوم الأربعاء (1 مايو الجاري)، وأنزلوا عَلم الكويت؛ مطالبين الكويت باعتذار رسمي.

هذه الحادثة ألقت الضوء مجدداً على الدور الذي تؤديه القبيلة سواء في العراق أو الكويت، والحَمِيَّة التي تأخذ أفرادها إلى عدم قبول أو تقبُّل "الإساءة" بعيداً عن الصراعات السياسية، بالإضافة إلى التعبير عن الاحتجاج بطريقة يفهم مغزاها الطرفان.

القبيلة بين الكويت والعراق

ترتبط القبائل العربية الواقعة في العراق والكويت والجزيرة العربية بعلاقات متينة منذ قرون طويلة، وهو ما جعل القبيلة الواحدة تنتشر على مساحات الأراضي الممتدة من العراق إلى اليمن، وغرباً نحو الأردن وبلاد الشام.

وبحسب المؤرخين، ترتبط الكويت مع العراق بروابط قوية ذات أصول تاريخية، إلى جانب صِلات القربى والنسب والجوار والدين واللغة المشتركة.

وكانت الكويت في فترة من الفترات تعتمد على العراق في كثير من أمورها الحيوية، إذ كانت تستورد منه الماء والغذاء، فضلاً عن وجود ممتلكات زراعية واسعة لشيوخها في البصرة وغيرها، تدرُّ دخلاً كبيراً على الأُسرة الحاكمة.

ولأكثر من قرنين من الزمن، اعتمدت الأنظمة السياسية المسيطرة على هذه البقعة الجغرافية (نجد والحجاز والكويت والعراق)، على القبائل العربية في تجارتها وجمع الضرائب ودعم الاقتصاد، بحسب ما تشير إليه الأبحاث التاريخية، التي تؤكد وقوع صراعات داخل هذه البقعة الجغرافية.

ونتجت عن هذه الصراعات تغييرات جوهرية، لتشكِّل هجرة جماعية لبعض قبائل الجزيرة العربية إلى مناطق أخرى، جعلت منها منطلقاً في ممارسة التجارة وبناء الحياة الجديدة، وما تزال تعيش فيها حتى وقتنا الحالي؛ وهو ما يعلل سبب انتشار القبيلة الواحدة في عدة دول عربية.

الاستعمار والقبيلة

يذكر عدد من المؤرخين أن الاستعمار البريطاني كان يتخوف كثيراً من العلاقات والروابط القوية بين الكويت والعراق. ولإزالة هذا التخوف، كان لا بد من التدخل في شؤونهما الداخلية وإثارة الخلافات بين القبائل، حيث بذلت بريطانيا جهوداً واسعة لإبعاد التأثير العراقي عن الكويت والعكس؛ خوفاً على مركزها في المنطقة.

كان الشيخ سالم بن مبارك (1917ـ1921) متمسكاً بتعاليم الدين الحنيف. وقد خشي الإنجليز أن تميل الكويت إلى جانب العثمانيين، وتندفع إلى مساعدة الدولة العلِّية، بقوة. وكان حريصاً على الاضطلاع بذلك الدور، إلا أنه لم يؤدِّه رسمياً؛ خشية تدخُّل الإنجليز في شؤون الكويت الداخلية، بحسب ما تذكره المصادر التاريخية.

يتطرق بعض المؤرخين إلى أهمية القبائل وزعمائها في تشكيل هوية الجزيرة العربية وثقافتها، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى الدور الكبير الذي أدته قبائل العراق ودول الخليج العربي في تشكيل الهوية السياسية وطبيعة نظام الحكم بالدولة.

وعلى الرغم من وجود خلافات سياسية داخل هذه المنطقة، فإن الحكومات تولي القبيلة اهتماماً بالغاً؛ تأكيداً لأهميتها.

وبالرجوع إلى المصادر التاريخية والمؤرخين، فإن أبرز القبائل التي كان لها دور كبير في تشكيل هوية الجزيرة العربية السياسية والثقافية: زبيد والدغارة والعفك والخزاعل والظوالم والبوحسان وبنو أسد وبنو مالك والأجود ومياح والبومحمد وبنو لام والإيزيرج وسواعد والدليم وبنو ربيع وشمر والعنزة والجشعم والظفير والعجمان وبنو مُرة وبنو خالد والعوازم وتميم وطيئ وغطفان ومطير والقصيم وبنو كعب وعتيبة وجبور، وغيرها كثير.

وبات أفراد هذه القبائل يعرف بعضهم بعضاً أحياناً من خلال اللهجة المشتركة داخل البلاد. أما خارجها فتربطهم الوشائج المشتركة، فضلاً عن المناسبات الثقافية والاجتماعية والدينية.

وبحسب مصادر تاريخية، فقد واجهت عملية تخطيط الحدود بين كلٍّ من الكويت ونجد والعراق صعوبات بالغة، إذ تفتقر طبيعة الأرض إلى معالم، يمكن أن يرتكز عليها خط الحدود.

والأهم من هذا أن مفهوم الحدود السياسية كان جديداً في تلك المناطق الصحراوية التي كانت تقطنها القبائل، وكانت علاقات التبعية تعتمد على العلاقات القائمة بين رؤساء القبائل وحكام تلك البلاد.

ووفق هذا، تُرِكَت الآبار مشاعاً بين القبائل، والمناطق التي تختلط فيها القبائل أصبحت محايدة، لتسهيل انتقالها في تلك البلاد، لورود الماء ورعي الأغنام وممارسة التجارة وغيرها.