ملفات » الطريف إلى العرش

مظاهر القومية تغزو السعودية

في 2019/05/10

أندرو إنجلاند وأحمد عمران - فاينانشيال تايمز-

عندما كانت السلسلة الأخيرة من مسلسل "صراع العروش" على وشك البث، أصدرت إحدى شركات إنتاج الفيديو في المملكة العربية السعودية صورة لرجل جالس على العرش الحديدي المميز لكنه كان يرتدي الرداء الأبيض السعودي التقليدي.

ولم يكن ذلك سوى مقطع ترويجي لشركة "يوتيرن" المتخصصة في إنتاج المحتوى المرئي. غير أن القوميين السعوديين اعتبروا ذلك المقطع تحريضا مسيئا وتوجهوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد الشركة لما اعتبروه إهانة لعائلة "آل سعود" المالكة.

وقال أحد مستخدمي "تويتر": "إنها سخرية من الملك ويجب مساءلة من فعل ذلك. قد يكون إلغاء جنسيته هو الحل".

وكان الهجوم على الفيديو الذي تبلغ مدته 10 ثوان، والذي تم نشره على موقع "سناب شات"، أحدث مثال على موجة التطرف القومي التي اجتاحت المملكة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة منذ أن عزز ولي العهد "محمد بن سلمان" سلطته.

وفي حين أن صعود "بن سلمان" أغرى الشباب السعودي بآمال تغيير اقتصادي واجتماعي جذري، إلا أنه ألهم حماسة وطنية بين المواطنين الذين يحاولون إعادة تعريف الهوية السعودية بعبارات قومية.

وبالنسبة لمؤيدي ولي العهد، يعد ما يحدث تعبيرا عن الاعتزاز والثقة بالقيادة الجديدة وأسلوب حكمها الجريء والصاخب في المملكة المحافظة تقليديا. لكن بالنسبة للآخرين، يعد ذلك اتجاها مثيرا للانقسام والقلق، بسبب عقلية "إما معنا أو ضدنا" العدوانية التي يرعاها وريث العرش البالغ من العمر 33 عاما.

وقال أكاديمي سعودي بارز لم يرغب في ذكر اسمه: "هناك استقطاب شديد حتى بين السعوديين العاديين، وقد يكون خطيرا للغاية على المدى الطويل. فإذا أبدى سعودي رأيا مخالفا لآراء الباقين، يذهب المتصيدون للبحث عن أسباب ليصوروه على أنه ليس سعوديا حقيقيا".

وفي بيئة قد يؤدي فيها حتى التلميح بالمعارضة إلى السجن، يخشى البعض من أن يتعرضوا للهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد عدم إظهارهم ما يكفي من الولاء لـ "بن سلمان"، فقد يكلفهم ذلك سمعتهم ووظائفهم، وحتى حريتهم.

ويظهر صعود القومية في السعودية في المشاركة المتزايدة من قبل مستشاري الديوان الملكي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج بقوة لدعم خطط "بن سلمان" الاقتصادية وسياسته الخارجية الحازمة، من حصار قطر إلى خلاف المملكة العدائي مع كندا العام الماضي.

وزادت حدة ذلك الاستقطاب القومي إثر تداعيات مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول، حيث تم تصنيف بعض الناس على أنهم "خونة" لمجرد النظر إليهم على أنهم غير داعمين لموقف الحكومة بدرجة كافية.

وكان "سعود القحطاني"، وهو مستشار ملكي بارز ومنفذ أوامر ولي العهد، يقود العديد من حملات التواصل الاجتماعي. وقد تم إقالته لدوره المزعوم في مقتل "خاشقجي"، لكن الناشطين السعوديين قلقون من أنه لا يزال نشطا وراء الكواليس.

ويقول السعوديون إنه يتم الرجوع أحيانا إلى منشورات تم كتابتها قبل أعوام لاستهداف أشخاص معينين.

وقال مهني سعودي إن الهدف هو صناعة جبهة موحدة داعمة للحكومة وإسكات النقاد. وقال: "كلما وقعت كارثة مثل مقتل خاشقجي، علينا التأكد من أننا جميعا متحدون".

وعلى مدار تاريخ المملكة منذ تأسيس المملكة من قبل الملك "عبدالعزيز" عام 1932، تعاملت البلاد مع مسألة الهوية الوطنية بشكل مختلف. وعلى مدى عقود، علمت المدارس الأطفال أنهم مسلمون أولا، وعرب ثانيا، وسعوديون ثالثا.

ولكن بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وأعمال العنف المسلح في المملكة، سعت الحكومة إلى تعزيز الشعور بالهوية لمواجهة التطرف. وتبنت منهجا محسوبا بدأ بسلسلة من مؤتمرات "الحوار الوطني". وبدأت المملكة رسميا الاحتفال بيومها الوطني عام 2005.

وفي الوقت الحالي، يعرض الكثير من السعوديين صورا للملك "سلمان" ونجله "محمد بن سلمان" في صفحاتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتزين لوحات إعلانية ضخمة تحمل صورا للملك ونجله واجهات البنايات السعودية. واستفادت الشركات من هذه الظاهرة عبر نشر إعلانات للاحتفال بالمناسبات الوطنية.

وقال أكاديمي كبير إنه فوجئ بعدم وجود رد فعل ضد "الهوية الوطنية" الجديدة من "ذوي النفوذ" من أصحاب الرأي المضاد.

ويعتقد أن هناك قدر من الدعم الداخلي للتغييرات الاجتماعية التي يقودها "بن سلمان" مثل قيادة النساء للسيارات والتوسع في عمل المرأة وتقليص صلاحيات الشرطة الدينية المخيفة. لكن عملية إعادة تعريف الهوية السعودية تخلق شعورا بالغربة بين البعض.

وقالت امرأة سعودية تبلغ من العمر 40 عاما: "لقد نشأت في مجتمع يرى الأشياء فقط من خلال منظور الدين، هل هذا حلال أم لا؟، فكيف بعد ذلك تلغي الدين من المعادلة بين عشية وضحاها دون أن تضخ قيما اجتماعية جديدة؟ هذا ما يقلقني"، مضيفة أن المملكة كانت توصف حتى وقت قريب بأنها إسلامية، والآن تسعى كيف تصبح ليبرالية.

وفي مواجهة الهجوم، اتخذت "يوتيرن"، التي تم اتهام مسؤوليها التنفيذيين "بالخيانة" من قبل المتصيدين، موقفا دفاعيا وبدأت تنشر مواد ذات صبغة قومية.

ونشر رئيس مجلس إدارة "يوتيرن" "قسورة الخطيب"، مقطع فيديو يقول فيه: "تخيلوا أنه في كل مرة أدخل فيها البلاد أو أخرج منها، أشعر بالخوف".

وأضاف: "أعتذر لأي شخص قد يكون شعر بالإهانة عن غير قصد، لكنني أريد أن أؤكد من جديد أننا جزء من هذه الأمة. نحن أول من يدافع عن البلاد. يوتيرن هي جندي في جيش هذه الأمة".