ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

استمرار الحصار.. كيان خليجي مهدوم وانهيار لأحلام الشعوب

في 2019/05/14

الخليج أونلاين-

قضت الأزمة الخليجية على آمال شعوب دول مجلس التعاون الخليجي الست، التي لطالما حلمت بها ودعت لتطبيقها، عقب أشهر طويلة من الهجر والانفصال الجبري.

وبعد أن حاولت دول المجلس تحقيق مراد شعوبها، التي أملوا أن يكون لهم بها عملة موحدة، وأن يتم فك الارتباط الخليجي بالدولار، وإنشاء قوى مشتركة، وأن يمنحوا حرية التنقل بين الدول الخليجية، جاءت الأحداث متسارعة لتشتت الشعوب وتؤرق الأحلام وتبددها.

ولا تزال الأزمة الخليجية التي بدأت في شهر يونيو من العام 2017 تفتك بجسد الشعوب الخليجية، إذ أكد حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء قطر السابق: إن "الخلاف الخليجي يراد له في الوقت الحاضر البقاء دون تصعيد ودون حل".

وشدد في تصريحات صحفية تزامناً مع الذكرى الأولى لبدء الأزمة عام 2018، على أن "الكيان الخليجي هُدم وإعادة الثقة تحتاج سنوات عديدة"، موضحاً أن "هناك افتعالاً لقضايا وخلط أوراق لأن الأزمة لا أساس لها، ومن افتعلها لا يفقه في السياسة".

كما ذكر بن جاسم أن "القرارات الخليجية لا تأخذ بالاعتبار المواطن الخليجي ومصلحة الوطن"، مشيراً إلى أن الأزمة جعلت العداء قبلياً تاريخياً "كما أن الأحلام الخليجية انهارت. ولي العهد السعودي كان يستحق أن يكون لديه مستشارون عند مستوى عال، ينبهونه إلى خطورة القرارات التي اتخذها".

ضياع الأحلام

هذه الخطورة التي وضعت بها الشعوب الخليجية، أثرت بشكل كبير على الأسر التي كانت متماسكة ولا تعرف معنى للتشتت بينها. 

القطرية حصة الكواري، قالت في تصريح سابق لـ"الخليج أونلاين": إن "الحلم السابق كان يطالب بالوحدة الخليجية بشكل عام، وتوحيد العملة، وإلغاء الحدود"، مبينة أنه "بعد الأزمة الخليجية لم يعد هناك حلم، فكل دولة وراء مصالحها السياسية، وهدمت فكرة الوحدة الخليجية والتعاون الخليجي".

في حين قال القطري علي محمد لـ"الخليج أونلاين" إن الأزمة "قضت على واحد من أهم أحلامهم التي استشعروها على مدى عقود من خلال المناهج التربوية والتلفزيون والموسيقى، وهو الطموح بوحدة خليجية حقيقية"، مضيفاً: "اليوم صار الخلاف على اعتراف بالوجود، وقبلها كان الخلاف في أي عاصمة ستكون مؤسسة الصرف التي تعنى بالعملة الخليجية الموحدة".

وتساءل خليجيون كُثر عن حُلم الوحدة، بعد أن أعلنت السعودية والإمارات والبحرين قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق حدودها المشتركة معها براً وبحراً وجواً، في محاولة لفرض حصار كامل على الدوحة، التي يقولون إنها تموّل الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما نفته قطر جملة وتفصيلاً.

طامّة وارتباك

لُحمة الشعوب، وعمق الأواصر شتتتها هذه القرارات، التي كانت صاعقة لهم، ووصف البعض أول يوم من الأزمة بـ"يوم الطامّة". حالة من الارتباك اجتاحت الشعوب الخليجية، وبدت المطالبات بحلّ الأزمة التي نشبت بين الإخوة جليّة، لتسارع الدول العربية والغربية لحلّ النزاع والمطالبة بالحوار لإنهاء الشقاق.

وأبدى ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي تويتر- وبينهم من السعودية والإمارات والبحرين- خوفهم وانزعاجهم من الحال الذي وصلت إليه العلاقات، ومن إقحام الشعوب في الخلافات السياسية، فضلاً عن الاستغراب لوصول الحال إلى هذا الحد.

وبات حلم الاتحاد الخليجي في مهبّ الريح، وحلّ الخلاف محض أمنيات، والوحدة درباً من المستحيل، وذلك على الرغم من كل المحاولات القطرية للحوار، والدعوات الشعبية للمّ الشمل.

ولم تكُفَّ الكويت عن أداء دور الوساطة بين الدوحة التي أبدت مراراً استعدادها للحوار، ودول الحصار التي امتنعت عن إظهار حسن نية يمنح أملاً لمنطقة فقدت استقراراً استمر قرابة عقدين.

الأزمة شهدت منذ بدايتها جهوداً كويتية لرأب الصدع على مدار أشهر الخلاف، ولم تتوقف الدوحة عن إبداء استعدادها للحوار  طوال فترة الخلاف، كما عملت العديد من الدول على لمّ الشمل الخليجي، إلا أن جميع هذه الجهود باءت بالفشل الذريع.

تفرق رغم التهديدات

وبالعودة إلى دعوات الوحدة، والتي بدأت منذ عهد طويل، سجّل التاريخ دعوة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، والتي لاقت تقبُّلاً خليجياً، واعتبرته الدول الست قوة لها.

العديد من الأسباب دعمت موقف الوحدة الخليجية، على مرّ الزمان، وكان أبرزها التهديدات الأمنية بعد زيادة تدخلات إيران في المنطقة، والتي بدأت بالثمانينيات، حتى تغلغلت في العراق وسوريا واليمن.

السعودية تبنّت هذه الدعوات منذ العام 2011، تحت وطأة التمدد الإيراني، وسعت منذ اللحظة الأولى، إلى ترسيخ معانٍ واضحة لتعزيز فكرة "الاتحاد الخليجي"؛ أهمها يتمثل في تكوين صورة واضحة للمنطقة الخليجية تحمل هوية وقيادة مركزية واحدة.

وتَعززت فكرة الاتحاد بعدها بفعل عوامل عديدة؛ كالعامل الاقتصادي، والتعليمي، والصحي، والتنموي، خاصةً أن الخليجيين يتربعون على أحد أكبر التكتلات الاقتصادية العالمية، بما يتجاوز 1.6 تريليون دولار.

نزاع مفاجئ

الحديث عن هذه الفكرة بدأ بتصريح لرئيس الوزراء البحريني، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، عقب الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس التعاون لدول الخليج في دورته الـ141، في المنامة، وقال: "علينا كمنظومة خليجية، أن نحافظ دائماً على مصالحنا، وأول ما يحقق هذه المصالح هو الاتحاد الخليجي"، قبل أن تتحول بلاده لأحد أطراف النزاع المفاجئ بالخليج.

نشأة الاتحاد كانت ستحمل في طيّاتها رؤىً واستراتيجيات تزيد من قدرة وقوة دوله، ما يدفع نحو بسط النفوذ بالشرق الأوسط والعالم.

كما كان الاتحاد الخليجي سيمدّ الدول بميزات أهمها: مواجهة الأطماع الخارجية، والحد من الأخطار الداخلية، وتعزيز الاستقرار، وخلق كيان سياسي واقتصادي يتناسب مع متطلبات وإمكانات المنطقة، والتغلب على مشكلة العمالة الوافدة التي باتت تشكل تهديداً ديموغرافياً حقيقياً.

وحتى القمة الخليجية الماضية التي احتضنتها المنامة في ديسمبر 2016، كان بعض سكان الخليج يتطلعون إلى إقرار عملة موحدة، ثم الانتقال إلى خطوة أبعد تتمثّل بفك الارتباط الخليجي بالدولار؛ للتأثير في إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي طالب الخليجيين مؤخراً بدفع الأموال مقابل "الحماية".

آلاف الشكاوى

قطر أكدت مراراً وتكراراً أهمية وحدة الصف الخليجي، وقال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، علي المري: إن "الحصار الذي فرض رافقه انتهاكات حقوقية خطيرة تمثلت في تشتيت شمل الأسر وانتهاك حق الكثيرين في التنقل والتعليم"، وهو ما أكدته منظمات حقوق الإنسان الدولية بعدها.

المري أكد مراراً أن "الحصار استعمل المدنيين كرهائن، وطبق عليهم عقوبات جماعية لأسباب لا علاقة لهم بها". ما يعكس بعداً عن آمال الشعوب الخليجية، وغياباً لمصالحهم.

وأدانت العديد من المنظمات الدولية الحصار المستمر، وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقريرٍ أصدره، في يونيو 2018، إثر مرور عام كامل على أزمة الخليج، إن الأزمة والإجراءات التي اتّخذتها دول المقاطعة تجاه الدوحة كشفت عن حالة من "المهانة" للكرامة الإنسانية، وتسبّبت بانتهاكات "صارخة" لحقوق الإنسان، كان المدنيّون هم ضحاياها الأساسيين.

وأشار المرصد الحقوقي إلى أنه تم تقديم أكثر من 2705 شكاوى تتعلّق بالانتهاكات التي وقعت على المدنيين منذ بداية الأزمة وحتى نهاية مايو 2018، وتم تقديم نحو 646 شكوى للجنة الوطنية القطرية الخاصة بحقوق الإنسان تتعلّق بتفكيك الأسر.

وقدّر المرصد الأورومتوسطي عدد العائلات التي تشتّتت بفعل الأزمة بما يزيد على 6474 عائلة، بعضها بشكل مؤقت وأخرى بشكل دائم.