دول » السعودية

بروكينغز تكشف حدود نفوذ السعودية في باكستان

في 2019/05/15

مديحة أفضال - بروكينغز- ترجمة أسامة محمد -

تمتعت باكستان والسعودية، بعلاقة وثيقة عبر العقود، خلال عهدي النظامين العسكري والمدني في باكستان. وقدمت الرياض مساعدات اقتصادية سخية لإسلام آباد، وتعاون البلدان في المسائل الدفاعية.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، مارست السعودية نفوذاً هائلاً على باكستان من وراء الكواليس من خلال تمويلها لمدارس أهل الحديث والمدارس الدينية، التي تُدرس نسخة أكثر تشددا من الإسلام مقارنة بالممارسات التقليدية في باكستان.

وقد أدى حدثان تاريخيان في عام 1979، هما الثورة الإسلامية في إيران، والغزو السوفيتي لأفغانستان، لزيادة النفوذ السعودي في باكستان.

وعززت الثورة الإيرانية الحوافز السعودية للسيطرة على السنة في باكستان، وأعطت الحرب السوفيتية الأفغانية السعوديين آلية للقيام بذلك، من خلال تمويل المدارس الدينية.

ولكن في حين أن العلاقة السعودية الباكستانية دائمة "ظلت راسخة"، فهي لم تكن غير مشروطة.

وفي خطوة مفاجئة، في أبريل/نيسان 2015، وبعد وقت قصير من تلقي قرض سعودي بقيمة 1.5 مليار دولار، صوت البرلمان الباكستاني بأغلبية ساحقة على البقاء محايدًا في التدخل السعودي في اليمن ضد الحوثيين.

وكانت إيران قضية مركزية في تدخل السعودية في اليمن، حيث ترى الرياض أن الحوثيين مدعومون من طهران.

وكان رد باكستان على التدخل انعكاسا واضح لكيفية موازنة علاقتها مع السعودية وإيران بدقة، مع التأكيد على صداقتها ودعمها للرياض.

وفي الأشهر الأخيرة، شكل ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" ورئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" ما يعرف باسم "صداقة انتهازية"، عززتها بطريقة ما، أزمة الديون الباكستانية الأخيرة، ورغبة "خان" في الابتعاد عن المساعدات الغربية، وكذلك أزمات "بن سلمان" مع الغرب بعد حادثة مقتل "جمال خاشقجي".

وتوطدت العلاقة مع زيارة ولي العهد السعودي لباكستان في فبراير/شباط 2019، حيث وقع خلالها على مذكرات تفاهم لصفقات بقيمة 20 مليار دولار، في المقابل فإنه تلقى استقبالا حافلا على السجادة الحمراء، من جانب كل من "خان" ورئيس أركان الجيش الفريق أول "قمر جاويد باجوا".

صناعة النفوذ

يمكننا أن نقول إذن، إن السعودية نجحت في تغيير طابع تدين باكستان، في محاولة لتوسيع نفوذها في العالم الإسلامي، وفي جهودها لمواجهة إيران.

ومع ذلك، فإن للنفوذ السعودي حدوده، حيث أن باكستان بارعة في موازنة علاقاتها بين إيران والسعودية، دون الاضطرار إلى الانحياز لأحد الجانبين بشكل علني.

ويعد أكبر مسجد في باكستان هو مسجد الملك "فيصل"، الذي بني بمنحة قدرها 120 مليون دولار من المملكة.

ولبضع سنوات بعد اكتماله في عام 1986، كان أكبر مسجد في العالم، وسرعان ما أصبح واحدا من أكثر المباني شهرة في باكستان، متجاوزا العديد من المباني التي تعود إلى قرون والتي لها أهمية تاريخية ليصبح علامة على النفوذ السعودي المتزايد في البلاد.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، تميزت العلاقة بين باكستان والسعودية بتدفقات أموال رسمية كبيرة - تقدر بمليارات الدولارات - من الرياض إلى إسلام آباد، بما في ذلك المساعدات والإغاثة.

وفي أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على باكستان بعد تجربتها النووية عام 1998 على سبيل المثال، زودت المملكة البلاد بالنفط المجاني لمدة ثلاث سنوات.

ومن العلامات المهمة الأخرى للعلاقة هو التمويل السعودي الأمريكي المشترك للجهاد الأفغاني السوفيتي في الثمانينيات، وهو المال الذي استخدمته باكستان لتسليح وتدريب المجاهدين الذين خاضوا الحرب.

واستمرت العلاقة الوثيقة بين البلدين، خلال حكم الزعماء الديمقراطيين والعسكريين في باكستان، من رئاسة رئيس الوزراء "ذو ​​الفقار علي بوتو" للمؤتمر الإسلامي في لاهور عام 1974 (بمباركة العاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز) إلى الجهاد الأفغاني خلال عهد الرئيس "محمد ضياء".

كما وفرت المملكة ملاذا للزعماء السياسيين الباكستانيين المنفيين، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق "نواز شريف"، الذي فر إلى هناك عندما أطاح به الجيش في عام 1999.

المدارس.. من القاعدة إلى القمة

لكن تدفق الأموال إلى المدارس الدينية التي دربت المجاهدين في الثمانينيات من القرن الماضي، كان قد سبق الجهاد الأفغاني.

غير أنه لا يمكن تتبع تلك الأموال بسهولة فالمدارس الباكستانية تتلقى تبرعات خاصة، وتنكر بشكل قاطع مصادر التمويل السعودية، لكن الباحثين والمحللين يفيدون بأن الأموال الخاصة من المملكة هي التي تمول المدارس الإسلامية الباكستانية.

وتعتبر مفاهيم مدارس أهل الحديث عن الإسلام، "أكثر تشددا" من الإسلام الصوفي التقليدي الذي يمارس في جنوب آسيا؛ وهي أقرب الإسلام السلفي أو الوهابي الذي تمارسه المملكة.

وقد ربط "فالي نصر"، الأكاديمي الأمريكي الإيراني، بوضوح بين المدارس الباكستانية، وتزايد الطائفية والتشدد السني في البلاد، وبين التمويل السعودي.

ويذكر على سبيل المثال، أن الزيادة المبلغ عنها في عدد المدارس بين عامي 1975 و1979 في باكستان كانت مدعومة بأموال من ممالك الخليج، وهي مرحلة سبقت الجهاد الأفغاني.

كما يلاحظ أن 1700 مما يقرب من 2500 مدرسة مسجلة في باكستان في عام 1996 كانت تتلقى الدعم من مصادر غير باكستانية.

ويجادل "نصر"، بأن التمويل السعودي للمدارس الباكستانية كان جزءًا من "سياستها الإقليمية المناهضة لإيران"، وجدول أعمالها لتعزيز "روايتها للسنة من خلال التعليم الإسلامي" والسيطرة على "الحياة الفكرية والثقافية" للعالم الإسلامي.

ويجادل "نصر" أيضا، أن المملكة لم تكن وحدها في هذه الطموحات، وأن العراق كان يحمل دوافع مماثلة، قائلاً إن كلا البلدين كان "له مصلحة راسخة في الحفاظ على الطابع السني لأسلمة باكستان".

وفي الوقت الذي كانت فيه المدارس السعودية تتوسع وتنتشر، جرى التضييق المدارس الدينية الشيعية في باكستان والتي كانت تحصل على تمويل من إيران.

وفقًا لأحد التقديرات، تضاعف عدد المدارس في باكستان ثلاثة أضعاف بين منتصف سبعينيات القرن الماضي ومنتصف التسعينات.

وهناك خلاف حول الأعداد الدقيقة لهذه المدارس الدينية، لأن العديد من المدارس في باكستان لا تزال غير مسجلة، لكن عددها بالآلاف.

وبصرف النظر عن عددها، فإن معظم هذه المدارس هي مداري أيديولوجية تقوم بتدريس وجهة نظر متحيزة للعالم، ويظهر طلابها درجة منخفضة من التسامح تجاه الأقليات.

وتتجاوز أهمية المدارس الدينية أعدادها حيث يواصل خريجو المدارس تأثيرهم ليصبحوا خطباء في المساجد ويقومون بتدريس الإسلام في المدارس العامة. 

واستمر عدد المدارس في باكستان في الارتفاع إلى ما بعد منتصف الألفية الثانية.

ووفقًا لبرقية القنصلية الأمريكية الموجهة إلى وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2008، بشأن تجنيد المتشددين في جنوب البنجاب، فإن الأموال الموجهة إلى باكستان بعد زلزال كشمير عام 2005، ذهب معظمها في البنجاب الجنوبية والغربية لتوسيع وجود هذه الطوائف في منطقة تجنيد معادية تقليدية.

وقد أدى النجاح المبدئي لإنشاء المدارس والمساجد في هذه المناطق إلى زيادة التبرعات السنوية لرجال الدين أنفسهم، والتي جاء أغلبها من السعودية والإمارات.

وقد غيرت هذه الجهود تدريجيا، شكل الإسلام الذي يمارس ويدرس في باكستان، التي كانت تقليديًا أكثر ميلًا إلى الصوفية حيث عارضت الحركات الإسلامية المدعومة من السعودية، مثل حركة "ديوباندي"، "الإسلام الصوفي" (الشعبي)، ومفهومه الرئيسي المتمثل في الشفاعة من قبل الأولياء.

فيما كان أهل الحديث رافدا لجماعات أكثر تطرفا مثل جماعة "عسكر طيبة"، التي تركز على كشمير، وجماعة "عسكر جنجفي" المعادية للشيعة في البلاد.

وفقًا لبعض التقديرات، فإن 80% من المدارس في باكستان هي الآن تابعة لحركة "ديوباندي".

وهناك حزبان إسلاميان رئيسيان في باكستان يتبعون فكر "ديوباندي" الذي جاء من المدرسة الدينية في باكستان.

وتأسست حركة "ديوباندي" في ولاية أوتار براديش في الهند الاستعمارية عام 1886، ولكنها اضمحلت لاحقا.

ويجادل الكاتب "فالي نصر"، بأن السعودية مسؤولة، من الناحيتين الفكرية والمالية، عن عودة "ديوباندي" عبر العالم الإسلامي.

وبشكل عام، فإن "النفوذ السعودي" في باكستان والطبيعة المتغيرة للتدين في البلاد يمكن عزوهما إلى التأثير "من أسفل إلى أعلى"، الذي وفرته المدارس الدينية قبل أن يتم استكمال ذلك بالتأثير "من أعلى إلى أسفل "خلال فترة حكم "ضياء الحق" الذي تحالف مع السعوديين، وقام بأسلمة قوانين ومناهج البلاد خلال حقبة الثمانينات.

علاقة ممتدة.. مع العسكريين والمدنيين

ورغم ذلك، فإن التأثير على السلطة في باكستان، لم يبدأ في عهد "ضياء الحق"، الرئيس وهو الرئيس السادس لباكستان (1978- 1988).

وكان رئيس الوزراء الباكستاني "ذو ​​الفقار علي بوتو" قد تم تعيينه رئيسا لمنظمة المؤتمر الإسلامي بمباركة السعودية منتصف السبعينيات في ظل توتر علاقات باكستان مع شاه إيران.

وأراد "بوتو" استرضاء السعوديين، لأهداف ليس أقلها تعزيز أوراق اعتماده الإسلامية في الداخل، حيث كان يتعرض لضغوط سياسية مستمرة من الإسلاميين في البلاد خلال فترة ولايته.

لكن حدثان تاريخيان وقعا في عام 1979 زادا من النفوذ السعودي في السلطة في باكستان بعد ذلك هما الثورة الإسلامية في إيران، والغزو السوفيتي لأفغانستان.

وأدت الثورة في إيران إلى زيادة الحوافز السعودية لزيادة نفوذها في باكستان، كما أن الجهاد الأفغاني، وتدريب المجاهدين منحا السعوديين وسيلة للقيام بذلك، من خلال تمويل مدارس "ديوباندي"، وأهل الحديث في باكستان. 

وكان هذا النفوذ الثقافي السعودي مكملا لدورها السياسي في دعم مشروع الأسلمة الموازي الذي قام به "ضياء"، في باكستان، والذي كانت فيه الجماعة الإسلامية شريكًا له في أسلمة مناهج المدارس العامة.

وقام "ضياء"، أيضًا بتعديل قانون العقوبات الباكستاني، حيث فرض عقوبة الإعدام على الردة، وفرض الحدود الإسلامية، على الطريقة السعودية، مثل الرجم حتى الموت بتهمة الزنا، وقطع الأيدي لحد السرقة.

وعلى مر العقود، تعاونت باكستان والسعودية في الدفاع بداية من عهد "ضياء الحق"، واستمر التعاون بعد ذلك، وكانت هناك تكهنات بشراكة نووية بين البلدين على الرغم من أن كليهما ينكران ذلك.

وتم تعزيز هذه العلاقات السياسية والعسكرية بعلاقات اقتصادية قوية.

ويتاجر البلدان مع بعضها البعض بكميات كبيرة، في حين سافر أكثر من مليوني باكستاني إلى المملكة للعمل وتساعد تحويلاتهم المالية الاقتصاد الباكستاني.

كما ساعدت السعودية في إنقاذ الاقتصاد الباكستاني في أكثر من مرحلها أبرزها عام 1998، بعد التجارب النووية الباكستانية والعقوبات الاقتصادية الناتجة عن ذلك.

وفي عام 2014، حين قدمت السعودية لباكستان قرضًا بقيمة 1.5 مليار دولار لدعم اقتصادها.

لكن العلاقة، رغم كونها دائمة بالتأكيد، لم تكن غير مشروطة.

وفي خطوة مفاجئة، في أبريل/نيسان 2015 صوت البرلمان الباكستاني بأغلبية ساحقة على البقاء محايدًا في التدخل السعودي في اليمن ضد الحوثيين.

ويبدو أن هذا أخذ المملكة على حين غرة، لكنه كان انعكاسا واضحا لكيفية موازنة باكستان علاقتها مع السعودية وإيران بدقة، مع التأكيد على صداقتها ودعمها للرياض.

وفي الوقت نفسه، لم يكن مفاجئا أن الأحزاب الإسلامية الموالية للسعودية نظمت احتجاجات كبيرة في الشوارع الباكستانية ضد قرار البرلمان بالتخلي عن السعودية.

"عمران" و"بن سلمان"

وقد شكل ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" ورئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" صداقة انتهازية في الأشهر الأخيرة، عززتها بطريقة ما أزمة الديون الباكستانية الأخيرة ورغبة "خان" في الابتعاد عن قروض صندوق النقد الدولي، فضلاً عن مشاكل "بن سلمان" مع الغرب بعد مقتل "خاشقجي".

وقد حضر "خان" مؤتمر الاستثمار السعودي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والذي انسحبت منه دول كثيرة بعد مقتل "خاشقجي"، وحصل مقابل ذلك على 6 مليارات دولار من الأموال السعودية، نصفها في شكل ديون مباشرة والنصف الآخر في صورة مدفوعات نفط مؤجلة.

ونمت العلاقة أكثر مع زيارة ولي العهد في فبراير/شباط 2019 لباكستان، والتي نال خلالها ترحيبا غير عادي، حيث حظي باستقبال عسكري وامتطى عربة تجرها الخيول حتى مقر الرئاسة.

هذا بخلاف عبارات الثناء التي أغدقها "خان" على الأمير السعودي قائلا إنه "سيفوز بأصوات أكثر من خان نفسه إذا ترشح في انتخابات باكستان".

وكانت عواصف "تويتر"، التي أثارها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" رفضا للمساعدات الأمريكية لباكستان هي التي دفعت "خان" إلى أحضان السعوديين؛ خاص أنها توافقت مع وعود "خان" الشعوبية بتقليل الاعتماد على الغرب.

لكن حلقة "خاشقجي" لعبت دورًا مهمًا أيضًا، وكان استعداد "خان" للتغاضي عن الجريمة هو ما أكسبه صداقة "بن سلمان" ودعمه المالي. 

ورغم ذلك، فليس هناك ما يضمن أن هذا المستوى من الصداقة سوف يستمر، وهو يعتمد على العديد من المتغيرات.

وقد كسب "خان" خلال زيارة الأمير السعودي بعض النقاط محليا عن طريق المطالبة بالإفراج عن السجناء الباكستانيين في السعودية والوعود بالاستثمارات والمساعدات.

لكن المملكة استمرت فعليا في تطبيق عقوبات صارمة على الأجانب، حيث نفذت حكم الإعدام بحق باكستانيين اثنين بتهمة تهريب المخدرات في الشهر التالي لزيارة "بن سلمان".

خاتمة

من الواضح أن أموال السعودية تشتري ولاء باكستان خاصة في القطاعات الدينية والثقافية.

وأصبح تعريب الثقافة مرئيًا على بعض لوحات ترخيص السيارات في المدن الرئيسية في باكستان، حيث كتبت كلمة باكستان باللغة العربية.

وتعد العلاقة الحالية بين باكستان والسعودية "زواجا غير نمطي"، بين التدين وعجز الموازنة.

وقد نجحت السعودية في تغيير طابع التدين في باكستان، في محاولة لتوسيع نفوذها في العالم الإسلامي، وفي مهمتها لمواجهة إيران.

ومع ذلك، فإن للنفوذ السعودي حدود، حيث أن باكستان بارعة في موازنة علاقاتها بين طهران والرياض.

وفي حين أن علاقتها مع الرياض تزداد قوة، إلا أنها لا تزال قادرة على مواصلة التوازن بدلا من الاضطرار إلى اختيار الجانبين بشكل علني في الخلاف السعودي الإيراني.