علاقات » اسرائيلي

التطبيع مع العدو.. آن لهذا التخبط أن يتوقف

في 2019/05/30

علي محمد فخرو- الشروق المصرية-

في خضم هذا التخبط العشوائي الحالي، الفكري والسياسي والموقفي، الذي يكتنف موضوع فلسطين، نحتاج إلى الرجوع إلى الأصول والجذور التي حكمته عبر العشرات من السنين.

فمنذ لحظة نجاح المؤامرة البريطانية - الصهيونية في إدخال فلسطين وشعبها العربي في عصر النكبة البشرية والعمرانية، تعاملت الأمة العربية مع تلك النكبة لا كنكبة فلسطينية وإنما كنكبة عربية بامتياز!

لقد قرر العديد من الجيوش العربية وتطوع الألوف من شباب الأمة للتصدي لذلك المشروع الاستعماري الاستيطاني، والاشتراك مع الفلسطينيين في حربهم ضد العصابات الصهيونية.

من هنا، من تلك اللحظة، رفع شعار الصراع العربي ـ الصهيوني ليحل محل شعار النكبة الفلسطينية، وأصبح موضوع فلسطين موضوعا قوميا عروبيا، يخص كل العرب.

ونظرا لأن الأمة العربية كانت مكونة من دول عديدة بسلطات متباينة، فلذا كان طبيعيا أن تصبح كل القرارات العربية المتعلقة بالموضوع الفلسطيني وبالصراع العربي - الصهيوني موكولة إلى المؤسستين الممثلتين لكل الأمة: الجامعة العربية ومؤسسة قمة الرؤساء العرب.

لقد ترسخ آنذاك مبدأ عرفي أساسي، حكم في الماضي ويجب أن يحكم في الحاضر والمستقبل، وهو أن التعامل مع الموضوع الفلسطيني وكل ما يتعلق بالصراع العربي - الصهيوني يجب أن يمر من خلال إحدى المؤسستين القوميتين.

وأنه بالتالي لا يجوز لأي جهة كانت أن تنفرد باتخاذ أي قرار يتعلق بالموضوعين، من دون الرجوع إما إلى الجامعة العربية، أو القمة العربية، لأخذ الموافقة على السير في ذلك القرار المنفرد.

وكان ذلك العرف يشمل ضمنا، حتى القيادة الفلسطينية، ذلك أن الموضوع برمته أصبح شأنا عربيا قوميا، لا يجوز التصرف بأي جانب من جوانبه إلا من قبل الأمة كلها.

فإذا كان يطلب من الأمة كلها أن تضع كل إمكانياتها المادية والمعنوية لمواجهة الهجمة الاستعمارية الصهيونية، فإن المنطق يقضي بأن تكون قرارات المواجهة بيد المؤسسات التي تمثل إرادتها المشتركة.

منطقيا، إذن ، يمكن القول بموضوعية وصدق بأن كل معاهدة أو اتفاق، أو تطبيع، أو تعاون أو تنسيق تم، أو يتم في الحاضر مع العدو الصهيوني، جميعها تمثل خروجا على ذلك العرف العربي القومي، وكسرا لشعار «الصراع العربي ـ الصهيوني»، واحتقارا للمؤسستين الممثلتين لإرادة الأمة، وتسهيلا للكيان الصهيوني.

لكي يجزئ النضال العربي الكبير الموحد ضده، ويجعله نضالات صغيرة عاجزة عن الوقوف في وجهه ووجه حماته ومؤيديه، وبالذات الولايات الأمريكية المتحدة، الداعم الأول والأكبر لذلك المشروع الصهيوني.

مناسبة التذكير بذلك العرف المبدأي الأساسي، الذي كان من المفروض أن يحكم الموضوع الفلسطيني، هو التخبط الذي تمارسه بعض الجهات العربية، الرسمية وغير الرسمية، في تعاملها مع هذا الموضوع.

هذه الجهات تحصر الموضوع في خلاف بين الشعب الفلسطيني ومن تسميهم «الإسرائيليين» حول الأرض والحدود والمنافع الاقتصادية.

وهي تنسى الشعار الصهيوني «من النيل إلى الفرات» كحق جغرافي لإقامة كيانه، والإصرار الصهيوني على تحقيق أسطورة «الهبة الربانية لأرض فلسطين الكبرى إلى شعب الله المختار».

وكذلك ألوف الخطابات والكتابات التي تقول بحق الصهاينة في أن يهيمنوا على كل مفاصل الحياة في الشرق الأوسط برمته، ما يضع الصهيونية في مواجهة مع أمة العرب كلها وليس مع الشعب الفلسطيني وحده.

ولا تتلاعب تلك الجهات العربية بذلك المبدأ العرفي الأساسي فقط، وإنما تخرج أيضا حتى على المبادرة السعودية بشأن الموضوع الفلسطيني، التي لدينا الكثير من التحفظات حول ما تطرحه، والتي تبنتها قمة عربية منذ عشرات السنين واحتقرها واستهزأ بها العدو الصهيوني حتى يومنا هذا.

على ضوء تلك الخلفية التاريخية فإنه من الضروري اعتبار:

- زيارة الكيان الصهيوني من قبل أي جماعة أو أي فرد.

- التنسيق الأمني الاستخباراتي التابع لأي دولة عربية.

- الاجتماع بمسؤولين صهاينة من قبل أي شخصية رسمية أو غير رسمية عربية.

- الموافقة على أي مقترحات أمريكية، الصهيونية حتى النخاع، بشأن موضوع فلسطين أو تسهيلها.

وذلك من دون موافقة من الجامعة العربية أو قمة للرؤساء العرب، وعلى الأخص، من دون تنسيق وقبول من ممثلي الشعب الفلسطيني، اعتبار ذلك كله خروجا على إرادة الأمة العربية المشتركة، واندماجا في تسهيل نجاح المخطط الصهيوني، ورضوخا لتوجيهات الإدارة الأمريكية المنحازة للكيان الصهيوني.

على الجامعة العربية ومؤسسة القمم العربية أن تتوقفا عن الغمغمة بشأن الانتهاكات التي تمارسها بعض الجهات العربية، وأن تضعا قاعدة مفادها أن كل تصرف من أي جهة عربية يتعلق بالموضوع الفلسطيني، وبالصراع العربي ـ الصهيوني، من دون موافقة من إحدى المؤسستين القوميتين، لا يلزم الأمة العربية، بل سيعتبر انتهاكا للعمل العربي القومي المشترك.

آن الأوان أن تحكم هذا الموضوع الوجودي أصوله وجذوره ، وليس فروعه ومتاهاته وبلادات هذه الجهة أو تلك.