اقتصاد » مياه وطاقة

بعد انقطاعها بالجنوب.. تدهور غير مسبوق للكهرباء في السعودية

في 2019/06/03

الخليج أونلاين-

لا تزال الكهرباء تشكل هاجساً كبيراً بالنسبة للسعوديين الذين يعانون من انقطاعها، حيث كان آخرها ما شهدته بعض مناطق المملكة جنوباً من حالة انقطاع في التيار الكهربائي بشكل مفاجئ استمر ساعات.

ودفع انقطاع الكهرباء الذي استمر أكثر من 10 ساعات في مناطق جازان وعسير ونجران، جنوب المملكة، يوم السبت (1 مايو)، إلى استياء بين السعوديين، الذين طالبوا بمحاسبة وإقالة المتسببين.

وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان فشل السلطات في السعودية بإصلاح المشاكل المتكررة للكهرباء، ودراستها مؤخراً بيع جميع محطات توليد الكهرباء التابعة لشركة كهرباء السعودية للشركات العالمية.

وتعد "كهرباء السعودية" ثاني أكبر شركة حكومية في البلاد، بعد أرامكو، وهي مملوكة بنسبة 74.3% من قبل الحكومة مباشرة، وبنسبة 6.9% لشركة أرامكو، أي إنها مملوكة للدولة بنسبة 81.2%.

حادثة الجنوب

لاقت حادثة الانطفاء التي شهدتها المناطق الجنوبية للبلاد، واعتذار الشركة السعودية للكهرباء عن انقطاع الخدمة، غضباً عارماً بين السعوديين الذين اعتبروا أن تأخر الشركة في إصلاح الأعطال يشير بوضوح إلى عدم اكتراثها بمصالحهم، مقارنة بحرصها على تحصيل مستحقاتها.

ورفض مواطنون من مختلف محافظات جنوب المملكة اعتذار الشركة، معتبرين أنَّ العذر الذي أوردته سبباً لانقطاع الخدمة "أقبح من ذنب"، فيما طالب آخرون بتعويضات عن الأضرار التي لحقتهم، والتي كان أبرزها ما تحدثت به أنباء عن وفاة أحد المرضى في مستشفى بمدينة جنوبية.

وكانت الشركة السعودية للكهرباء اعتذرت لمشتركيها، من خلال حسابها في "تويتر"، عن انقطاع الخدمة عن مناطق نجران، وعسير، وجازان، أمس السبت، محمّلة الأحوال الجوية المسؤولية، مشيرة إلى أن فرقها الميدانية تعمل لإعادة الخدمة تدريجياً.

وكتب أحد الناشطين على تويتر معلقاً على الاعتذار: "معقول هالشي حاصل عندنا بالسعودية لا وفي 2019، المنطقة الجنوبية بأكملها لا بدَّ من المساءلة والمحاسبة".

ورأى المغرد بدر عون أن هناك "ضعفاً وخللاً كبيراً في إدارة الطوارئ والأزمات"، مضيفاً في معرض تعليقه: "مضت ٨ ساعات تقريباً ونحن في عزلة عن العالم، كل شيء متوقف بسبب انعدام التيار الكهربائي.. أتمنى محاسبتكم على هذه الكارثة واعتذاركم غير مقبول".

فاتورة الكهرباء

معاناة السعوديين مع كهرباء بلادهم لم تقتصر على الانطفاءات التي تشهدها بين الحين والآخر عدة مدن بالمملكة، بل وصلت إلى فاتورة الكهرباء الإلكترونية منذ يونيو الماضي، التي تضمنت التعريفة والأسعار الجديدة للكهرباء.

وعلى رأس كل شهر تقريباً يشعل السعوديون موقع "تويتر" بسبب ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، في ظل الزيادة الكبيرة بنسبة البطالة، رغم الخطط الإصلاحية المعلنة منذ نحو 4 سنوات، حيث بات المواطن السعودي يرى أن رؤية 2030 هي فقط للاستهلاك الإعلامي، وأن بلادهم تنفق المليارات خارجياً في حين أن الفقر والجوع والبطالة تنخر في المجتمع.

وتقول شركة الكهرباء السعودية إن ارتفاع فواتير الكهرباء يأتي بسبب تغيير أنماط الاستهلاك في فصل الصيف، بارتفاع استخدام أجهزة التكييف، بالإضافة لتصحيح أسعار التعريفة الكهربائية الذي تم العام الماضي.

وتحاول السعودية استغلال ارتفاع أسعار الكهرباء، ضمن إجراءات اقتصادية واسعة اتخذتها، لتعويض انخفاض في أسعار النفط العالمية.

ويربط سعوديون رفع أسعار الكهرباء بـ"تبذير أموال الشعب السعودي في الداخل والخارج من دون وجه حق"، متهمين الحكومة بأنها تريد تعويض المبالغ التي دفعت لأمريكا من أجل شراء الأسلحة، وتبذير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من خلال رفع أسعار الفواتير على المواطنين.

الاستهلاك السكني!

وشكّل الاستهلاك السكني السعودي للكهرباء والطاقة تخوفات عديدة لدى المسؤولين والخبراء، حيث تشير تقارير رسمية إلى تجاوز الاستهلاك السكني 50% من إجمالي إنتاج السعودية للكهرباء.

وعزز تخوف الخبراء ما ذكرته تقارير دولية من أن السعودية أكثر الدول استهلاكاً للكهرباء والذي أكده عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بالسعودية، وأن استهلاك المواطن السعودي يعادل ضعف استهلاك الفرد عالمياً، كما أن استهلاكه يعادل 9 أضعاف المواطن في أكبر 4 دول عربية مجتمعة.

وبحسب التقرير السنوي لعام 2018 الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وفـي نشـاط الكهربـاء، اسـتحوذ الاسـتهلاك السـكني علـى 49.6% (143.1) مليـون ميغـاوات/ سـاعة  مـن إجمالـي اسـتهلاك الكهربـاء بالمملكة.

أزمة واقتراض

وسبق أن لجأت الشركة السعودية للكهرباء إلى الاقتراض من البنوك العالمية، بهدف تغطية نفقاتها الرأسمالية، والصرف على أعمالها  العامة.

وقال المزود الوحيد لخدمة الكهرباء في المملكة، في بيان له أواخر نوفمبر الماضي: "تم توقيع اتفاقية تمويل دولي مشترك، بقيمة 8.06 مليارات ريال (2.15 مليار دولار)".

وبحسب البيان فإن بنوكاً عالمية قدمت القرض؛ وهي "بنك أبوظبي الأول، وبنك ميزوهو، وإم يو إف جي، وستاندرد تشارترد، ومؤسسة ميتسوي سوميتومو، وبنك إتش إس بي سي - الشرق الأوسط، وهونغ كونغ وشنغهاي المصرفي، وجيه بي مورغان تشيس، وبنك ناتيكسيس".

وأوضحت الشركة أن "الشريحة الأولى من التمويل تبلغ 1.577 مليار دولار، ومدتها ثلاث سنوات، أما الشريحة الثانية فتبلغ 572.5 مليون دولار ومدتها خمس سنوات".

 وأعلنت الشركة السعودية للكهرباء، في 18 يناير 2018، توقيع اتفاقية تمويل دولي مشترك مدته سنة واحدة، بقيمة 2.6 مليار دولار، يسدد دفعة واحدة.

وفي أغسطس 2017، أعلنت الشركة حصولها على قرض مدته خمس سنوات، بقيمة 1.75 مليار دولار، يسدد دفعة واحدة.

خسائر خيالية

تستهلك "الشركة السعودية للكهرباء" نحو 2.52 مليون برميل مكافئ من النفط (بترول–غاز) يومياً، بحسب الرئيس التنفيذي للشركة زياد الشيحة.

وبّين الشيحة أن رفع كفاءة قطاع الطاقة الكهربائية إلى 40% يخفض الاستهلاك بما يقارب 600 ألف برميل نفط مكافئ يومياً.

وأشار الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن إضافة العزل الحراري للمنازل يسهم في خفض استهلاك الطاقة في المنازل، بما يزيد على 600 ألف برميل نفط مكافئ.

وحذرت منتديات ومؤسسات اقتصادية سعودية من خطورة استمرار معدلات استهلاك النفط الحالي لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، البالغ وفق الإحصاءات المتخصصة نحو 4.2 ملايين برميل نفط مكافئ يومياً.

ويتوقع أن تتضاعف تقريباً بحلول عام 2030، وأن تزيد بنحو 9.5 مليون برميل نفط مكافئ يومياً بحلول 2035، وهو ما يفرض على المملكة التوجه بقوة نحو الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، وهو ما تحاول مؤخراً القيام به من خلال التعاقد مع شركات لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية.

حلول لوقف الخسائر

وتقول السعودية إنها تتوقع انخفاض الاستهلاك المحلي للطاقة بما يتراوح بين 1.5 مليون ومليوني برميل يومياً من المكافئ النفطي بحلول 2030 نتيجة تحركات العام الماضي لزيادة أسعار البنزين والكهرباء.

وذكر خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، في يناير الماضي، أن المملكة تخطط لطرح مناقصات لما لا يقل عن 12 مشروعاً للطاقة المتجددة هذا العام، في إطار مسعى لأكبر مُصدر في العالم للنفط لتنويع مزيج الطاقة لديه.

ورفعت المملكة سعر البنزين والكهرباء لمواطنيها في مسعى للحد من الاستهلاك المحلي للنفط حتى يتسنى لها تصدير المزيد من الخام.  

لكن الوزير السعودي أكد أن الانتقال يجب أن يكون تدريجياً بهدف تجنب "الفوضى"، مستدركاً بقوله: إن تحقيق "التوازن في انبعاثات الغازات الدفيئة سيستغرق عقوداً"، موضحاً أن الأمر "لن يحدث في ليلة وضحاها. وفي هذه الأثناء سيكون هناك حاجة إلى توفير مصادر طاقة كافية وموثوقة مثل النفط والغاز".