خاص الموقع

السعودية في زمن الحرب.. أزمة الصواريخ والملاجئ

في 2019/06/15

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

لا أحد فينا يمكنه أن ينسى، أنه حين غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت استبقها بإمطار مدن ومرافق حيوية ونفطية كويتية وسعودية بالصواريخ، فأخذ الناس بالتوغّل بطريقهم لمئات الكيلومترات في الصحراء حيث اطمأنوا أن ليس هناك أهدافاً قد تحرّك شهيته للقصف، فأصبح العراء ملجأً مناسباً للهروب من خطر الموت الأعمى.. آنذاك كان صدّام قد خرج من حرب استمرت ثماني سنوات مع إيران، أنهكته واستنزفت معظم قدراته العسكرية، وعلى الرغم من ذلك استطاع أن يضع الشعب السعودي في أوقات عصيبة افتقد فيها استقراره النفسي وشعوره بالأمن والأمان دفعت الكثير منّا للهجرة حيث أمكن..

في حروب إسرائيل على لبنان بدءاً من الاجتياح عام 1982، كانت الأزمة اللبنانية تتمثّل بعدم وجود ملاجئ في القرى والمدن تتحمّل قوة الصواريخ المدمّرة التي كانت تلقيها الطائرات الحربية الإسرائيلية، ففي عدوان تموز / يوليو 2006 تحوّلت المباني الشاهقة إلى ركام بفعل الصواريخ الفراغية التي تخترق طبقات الأرض فلا تبقي حجراً على حجر، ليصبح المدنيون عرضة للموت دون أي حماية أو وقاية أو سبيل للنجاة.. وإذا عكسنا المعادلة نجد أن الإسرائيلين أنفسهم اضطروا لحشر أنفسهم في الملاجئ خوفاً من سقوط صواريخ الكاتيوشا المتخلّفة التي أطلقها حزب الله اللبناني في حرب نيسان عام 1996، ومنذ ذلك الوقت تحوّلت الملاجئ إلى عنوان قضية عملت الحكومة الإسرائيلية، ولا تزال تعمل على معالجتها، خصوصاً بعد حرب العام 2006 حيث حملت التطوّرات الميدانية والصواريخ البعيدة المدى تهديداً عسكرياً وأمنياً مباشراً للمناطق والمرافق الحيوية الاقتصادية والكيماوية والنووية في عمق الأراضي المحتلة من عكا ويافا وتل أبيب وصولاً إلى بئر السبع حتى خليج العقبة.

وليست صواريخ حزب الله هي الوحيدة التي تهدّد الأمن الإسرائيلي، فها هي حركتا حماس والجهاد بدأتا بالسعي لفرض معادلة جديدة في حرب الصواريخ، وتهدّد بأن تطال المدن الإسرائيلية في الشمال والجنوب انطلاقاً من قطاع غزة المحاصر، ولم تستطع القبة الحديدية ومنظومة الباتريوت الأمريكية أن تؤدي وظيفتها كما يجب في اعتراض الصواريخ، ما أعاد مليوني ونصف مليون إسرائيلي إلى دوّامة التفتيش عن الأمن من جديد عبر توفير الملاجئ الكافية والمناسبة، وهذا ما كشف عنه قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلية "تامير يدعي" الشهر الماضي في شهادته أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، حيث أفاد "أن 27% من الملاجئ العامة في إسرائيل ليست صالحة، وأن 40 من بين 50 من شبكات البنى التحتية القومية لم يتم تحصينها"، فكيف الآن وقد دخلت معادلة إطلاق الصواريخ من الأراضي السورية باتجاه المستوطنات في الجولان المحتل؟!

أما في السعودية فقد بات الاستهداف العسكري الحوثي شبه يومي لمدن ومرافئ نفطية ومرافق حيوية من قبل صواريخ بالستية من نوع بركان وطائرات مسيّرة مفخّخة، وصلت إلى مصافي تكرير النفط التابعة لشركة أرامكو في محافظة ينبع، التي تبعد عن اليمن 1,373 كلم في أقرب نقطة حدودية و1631 كلم في أبعد نقطة. ويبدو أن مستوى الخطر آخذ بالارتفاع فمطار "أبها" السعودي الذي استهدفه الحوثيون بصاروخ "كروز" تعرّض مرتين خلال 48 ساعة للاستهداف، والمرة الثانية جاءت بواسطة طائرات مسيّرة ضربت مركز الرادار في المطار لتتعطّل حركة الملاحة الجوية فيه، وإن كانت مدينتا جدّة والطائف ضمن مرمى الصواريخ، فلا يبعد أن تكون مدينة الرياض أيضاً هدفاً للقصف، وهي المدينة التي تضم 8 ملايين نسمة أكثر من نصفهم من السعوديين، ولا ملاجئ فيها ولا أماكن محصّنة للمدنيين؛ وهذا يعني بأنه لم يعد هناك مكان آمن ليس فقط في الأراضي السعودية بل أيضاً في الإمارات العربية المتحدة، فالصاروخ الذي وصل إلى ينبع القريبة من المدينة المنوّرة في العمق السعودي، قادر على أن يصل بمداه إلى أبو ظبي ومدن أخرى ومواقع حيوية وعسكرية إماراتية تقع ضمن مداه التفجيري.

غالباً ما يخفّف المسؤولون السعوديون من أهمية الصواريخ الحوثية وتأثيرها الميداني، وكأني بهم يصفون طائرات "قاصف" بمجموعة من حشرات البعوض التي تلسع وتزعج، ولكنها لا تترك أثراً كبيراً على الجسم، إلا أن محور المسألة لا يتعلق بقوة هذه الصواريخ وقدرتها التدميرية وتسبّبها بالخسائر المباشرة، بل بما يمكن أن تؤدي من تدحرج انحداري لتداعيات عمليات القصف والأهداف التي تصيبها، فماذا لو كان هناك صواريخ بقدرة تدمير أكبر؟ وماذا لو استهدف البعوض الحربي المسيّر أماكن حسّاسة في الجسم السعودي بحيث تؤدي لسعاته إلى التهاب شديد، واشتعال حرائق كبيرة؟ أين يهرب ملايين السكان - في الرياض وجدة والطائف وحدها - إذا ما شعر كل واحد منهم أنه سيتعرّض لسقوط صاروخ سيودي بحياته وحياة عائلته؟ وهو الصاروخ الذي من شأنه أيضاً أن يقضي على مستقبله المهني واستقراره الاجتماعي، في ظل فوضى عارمة ستطال مختلف القطاعات المالية والتجارية والاقتصادية في السعودية.

إن أكثر ما يُخشى منه هو الرهان على التوقّعات الفارغة غير المستندة إلى وقائع حقيقية، وأخطر ما يمكن أن يُركن إليه هو الشعور الفائض بالقوة، بما يجعلنا نتوهّم عظم قدراتنا من خلال النظر إلى ظلالنا الكبيرة، فالمملكة لم تدخل حتى اليوم في حرب فعلية مع أطراف أقوياء، وهي التي طالما اشترت حمايتها من الولايات المتحدة الأمريكية بالمال وصفقات التسليح والاستثمارات التجارية والصناعية؛ والسعودية التي لم تتخلّص بعد من مستنقع الاستننزاف في اليمن تواجه تهديداً متزايداً بخطر الفوضى وعدم الاستقرار في حال وقوع أي حرب عسكرية في المنطقة، فتوازن المعادلة السياسية الراهنة واقتصار التصعيد على البازار الكلامي قد لا يصمد طويلاً ليتحوّل إلى حريق ضخم، وستكون السعودية الطرف الأكثر تضرّراً منه، وحتى لو لم تشارك في هذه الحرب إلا أنها ستكون في قلب المعركة وساحة التراشق الصاروخي المدمّر.

اذا كان أي واحد منا لا يستطيع أن يمحو من ذاكرته خطر صواريخ صدام حسين وقد مضى عليها نحو ربع قرن، فكيف هي الحال اليوم والمملكة السعودية تواجه بشكل مستمر نُذُر حرب إقليمية - عالمية قد تندلع في لحظة اشتعال غير محسوبة؟! وإذا كان البعوض الحوثي وصواريخه المراهقة تؤرق الرياض ودول الخليج، فكيف لو فتحت جهنّم أبوابها بحرب طاحنة كانت الأطراف فيها إسرائيل وأمريكا، وإيران في عزّ قوتها في ذروة تسليحه، ودخلت السعودية طرفاً مباشراً فيها؟ حينها لن يكون هناك مجرّد بعوض.. وعلينا وعلى المملكة السلام.. ان بقي لنا سلام.