علاقات » امم متحدة

تقرير كالامارد.. شبح خاشقجي يضيق الخناق على بن سلمان بقوة

في 2019/06/21

الخليج الجديد-

"هل وصل خروف العيد؟"..

جاء هذا السؤال ضمن توثيقات أوردها تقرير المقررة الأممية "أغنيس كالامارد" بشأن قضية اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" داخل قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول، كاشفا عن اطلاع مفوضية حقوق الإنسان بالمنظمة الدولية على تسجيلات المخابرات التركية الخاصة بالجريمة.

وبحسب التقرير، فإن "ماهر المطرب"، الضابط بالمخابرات السعودية، المستشار السابق لولي عهد المملكة "محمد بن سلمان" هو من وجه السؤال إلى الطبيب الشرعي بوزارة الداخلية "صلاح الطبيقي" داخل القنصلية السعودية قبل قدوم "خاشقجي" حسب الموعد المتفق عليه لإنهاء إجراءات توثيق زواجه في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما قدم دليلا، تداولته وسائل الإعلام العالمية للمرة الأولى، حول "سبق الإصرار والترصد" في الجريمة.

وينسف هكذا توثيق الرواية السعودية الرسمية حول تلقائية واقعة الاغتيال التي ارتكبها "عملاء مارقون" جملة وتفصيلا، إذ يشير سؤال "المطرب" إلى "خروف" يستعد المجرمون لـ "التضحية" به، وهو ما دعمته توثيقات أخرى أوردها تقرير "أغنيس" لحوار "المطرب" و"الطبيقي".

سأل ضابط المخابرات السعودي الطبيب الشرعي قائلا: "هل من الممكن وضع الجذع في حقيبة؟ ليأتيه الرد: "لا. إنه ثقيل جدا"، مضيفا: "سيتم بتر الأطراف. هذه ليست مشكلة. الجثة ثقيلة. هذه أول مرة أقوم بالتقطيع على الأرض. إذا أخذنا أكياسا بلاستيكية وقطعناها (الجثة) إلى أجزاء سينتهي الأمر. سنقوم بلف كل جزء منها".

وبعد دقيقتين فقط من هذا الحوار دخل الصحفي السعودي المغدور إلى القنصلية، بحسب التقرير، الذي وثق حوارا آخر بين "المطرب" و"الطبيقي" أثناء ارتكاب جريمة الاغتيال.

إصرار وترصد

 

لذا جاءت نتائج تقرير "أغنيس"، الذي صدر في 101 صفحة، واضحة في القطع بأن اغتيال "خاشقجي" كان متعمدا ومخططا له مسبقا، ما يعني أن المملكة العربية السعودية هي المسؤولة رسميا - كدولة - عن الجريمة.

ولما كان النظام السعودي نموذجا نادرا من بقايا الملكيات المطلقة في العالم، فإنه لا يمكن تصور مسؤولية الدولة السعودية عن الجريمة (سابقة التخطيط) دون إقرار ولي عهد المملكة "محمد بن سلمان".

ودفع هذا الاستنتاج المنطقي "أغنيس" إلى التوصية بفرض "عقوبات مستهدفة" على ولي العهد السعودي، وأصوله الشخصية في الخارج "إلى حين تقديم أدلة تظهر وتؤيد أن لا علاقة له بالجريمة"، واستشهدت بوقائع سابقة لفرض عقوبات مماثلة على مسؤوليين دوليين.

من هنا، وصف مراقبون تقرير "أغنيس" بأنه يحمل "إضافة نوعية" بمسار التحقيق في اغتيال "خاشقجي"، ليعود شبح الجريمة الشنعاء ضاغطا وبقوة على حاكم السعودية الفعلي بعد أن ظن كثير من متابعي القضية أنها انزوت إلى غير رجعة.

وإزاء هذا التطور، بدا تركيز الرد السعودي الرسمي على استبعاد أي علاقة لولي العهد – أو القيادة السعودية – بالجريمة والتشديد على عدم قبول إسنادها لأي جهة قضائية دولية متهافتا، إذ صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية "عادل الجبير" برفض "أي محاولة للمساس بقيادة المملكة أو إخراج القضية عن مسار العدالة في المملكة أو التأثير عليه بأي شكل كان"، وفقا لما أورده في سلسلة تغريدات نشرها عبر حسابه الموثق على تويتر.

ضغوط دولية

لكن الجديد الوارد في تقرير "أغنيس" تضمن أدلة لا يمكن تجاهلها بأي حال، وإن زعم "الجبير" أنه "كرر ما سبق تداوله في وسائل الإعلام" و"يتضمن تناقضات واضحة" على حد تعبيره، وهو ما بدا واضحا في ردود الأفعال الدولية.

فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية "راينر بريول" طالب السعودية، الأربعاء، بإماطة اللثام عن تفاصيل جريمة اغتيال "خاشقجي" بطريقة "شاملة ومقنعة"، في إشارة إلى أن رواية المملكة الرسمية ظلت "ناقصة ومتهافتة" خاصة مع توالي تسريب محتوى تسجيلات المخابرات التركية للجريمة.

وتظل هذه التسجيلات دليل الإدانة الأقوى، ولذا حرصت الدولة التركية على استخدامها إعلاميا بمنهج "التنقيط" مع بداية الكشف عن الجريمة، وصولا إلى تصعيد إطلاع ممثلي أطراف دولية عليها، بمن فيهم "أغنيس"، ولذا لا يستبعد مراقبون امتلاك تركيا لمزيد من "الإضافات النوعية" التي تحمل إدانة صريحة لـ "بن سلمان".

كما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية، الأربعاء، أن إدارة الرئيس "دونالد ترامب" تدرس "إجراءات لاحقة بحق السعودية" على خلفية مقتل "خاشقجي"، وطالبت خطيبة الصحفي السعودي المغدور "خديجة جنكيز" مجلس الأمن بـ "التحرك" بناء على نتائج تقرير "أغنيس".

أكباش فداء

وإزاء مثل هذه الردود الدولية، يرجح مراقبون أن تمضي السلطات السعودية قدما في تسريع محاكمة ومعاقبة فريق تنفيذ جريمة الاغتيال، ووقف التعاطي مع القضية بمنهجية "كسب الوقت"، وذلك باعتبار أن الموقوفين بالمملكة "أكباش فداء" للآمر بالتنفيذ.

صحيح أن تقرير "أغنيس" غير ملزم حتى الآن، لكن المؤشرات تتصاعد بشأن استعداد أمريكي لإعادة ممارسة الضغوط على الرياض، من بينها تصويت مجلس الشيوخ، ذي الأغلبية الجمهورية، الخميس، بتأييد رفض إتمام صفقات تسليح.

لكن هل سيعفي ذلك "بن سلمان" من عقوبات محتملة ويؤمنه من الإدانة؟ يتوقف ذلك على المدى الذي وصل إليه تسجيلات الأتراك، خاصة أن تقرير "أغنيس" أثبت أن جعبتهم لا تزال حاوية للجديد بشأن أدلة الإدانة الموثقة.

يظل توثيق محتوى التسجيلات الكامل لدليل إدانة "صريح" ضد "بن سلمان" غير مؤكد حتى الآن، لكن المؤكد أن خيارات "أكباش الفداء" ليست مفضلة لولي العهد السعودي، الذي بدا حريصا على ولاءات أتباعه حتى آخر مدى ممكن، رغم ضغوط أمريكية وغربية في هذا الشأن.

ويؤشر ذلك إلى أن العلاقات السعودية التركية باتت مرشحة لمزيد من الفتور، وربما للتأزم، وهو ما عبر عنه "بن سلمان" نفسه في حواره الأخير مع صحيفة الشرق الأوسط، زاعما أن الرئيس "رجب طيب أردوغان" والمسؤولين الأتراك يستهدفون إدانة الرياض في قضية "خاشقجي" على خلفية "أسباب داخلية خاصة بهم، لا تخفى على أحد"، على حد قوله.

وجاء هذا التصريح بمثابة رد ضمني على تأكيد وزير الخارجية التركي "مواود جاويش أوغلو" على أن بلاده "تضع جريمة اغتيال (خاشقجي) بمعزل عن علاقاتها الثنائية مع السعودية"، متهما السعوديين بأنهم لا يفعلون ذلك بالقدر ذاته.