مجتمع » حريات وحقوق الانسان

محتجزون في دبي.. الوجه المظلم للانفتاح الاقتصادي الإماراتي (2-2)

في 2019/06/24

إنسايد أرابيا- ترجمة شادي خليفة -

في ضحكة مكتومة، قال "تشاكلز كولن": "من السهل أن ينخدع المرء بالإغراءات وسحر المكان. لكن في النهاية، تبقى الإمارات مكانا ذو قواعد صارمة للغاية. وتبقى بحاجة إلى فهم تلك القواعد والعمل من خلالها". وفي حين أن حس الدعابة كان حاضرا لديه بشكل ملحوظ، فلم تكن محنته مثيرة للضحك على الإطلاق.

وقبل 7 أعوام، أثناء عمله في الإمارات العربية المتحدة، تم اعتقال "كولن"، الذي غيرنا اسمه للإبقاء على سرية هويته، لدى عودته إلى البلاد بعد قضاء عطلة. وقد تم الاستيلاء على جواز سفره، وتركه عالقا، غير قادر على مغادرة البلاد. وكانت جريمته هي مدفوعات متأخرة لتسديد بطاقة ائتمان، يبلغ مجموعها نحو 70 ألف درهم إماراتي، أي أقل بقليل من 20 ألف دولار أمريكي. وقد قيل له إن عليه أن يدفع وإما يواجه المحاكمة.

وبعد مرور 7 أعوام - تم خلاها منع "كولن" فيه من العمل وبالتالي لم يتمكن من سداد قروضه المصرفية - زادت الرسوم (الفوائد) بأكثر من 1000%، وبلغ دينه الآن مليون درهم، أي نحو 272 ألف دولار. ويتكون معظم هذا المبلغ الذي لا يمكنه سداده من رسوم الفائدة والغرامات. ولم يتصل به أي شخص في أي وقت لإبلاغه بأنه قد تم رفع قضية ضده في المحاكم الإماراتية.

وبالنسبة للكثيرين، تمتلك دول الخليج، مثل الإمارات، جاذبية للثروة، وصورة مروج لها عمدا من أجل جذب العمالة الوافدة بحثا عن الرواتب العالية وأسلوب الحياة المتطور. وتقول "رادا ستيرلينج": "لقد خلقت الإمارات صورة لنفسها كأرض جديدة من الفرص الثمينة". "ورادا" هي مدير "محتجزون في دبي"، وهي منظمة تساعد الأشخاص الذين وقعوا ضحايا لنظام العدالة الفاسد في الصحراء القاحلة، كما أشرنا في الجزء الأول.

وفي الواقع، لا يساعد النظام القانوني في الإمارات سوى في مراكمة الصعاب والعقبات على نطاق واسع لتكون النتيجة في صالح الإماراتيين في النهاية. كما أن معايير الأدلة المطلوب للمحاكمة القانونية غالبا ما يكون أقل بكثير من المعايير الدولية. وفي حين أن الإماراتيين يشكلون نسبة صغيرة إلى حد ما من سكان دولة الإمارات، إلا أنهم يتمتعون بقدر هائل من القوة. وتقول "ستيرلنج": "يأخذ النائب العام والمحاكم بشهادة السكان المحليين دون تشكيك، ولا يحتاجون إلى أدلة إثبات تذكر. وإذا صادف أن المواطن المحلي كان من عائلة مرموقة، لا يحظى الأجانب تقريبا بأي حقوق قانونية".

وتضيف: "لقد رأينا انتهاكات صارخة في إجراءات المحاكمات. ولا يتم السماح للمتهم في كثير من الأحيان بالإدلاء بشهادته، ولا يمكنه استدعاء الشهود، ولا يمكنه تقديم أدلة للدفاع عن نفسه. وفي كثير من الأحيان يكون إما لا يملك ممثلا قانونيا عنه، أو لا يتم السماح له مطلقا بمقابلة محاميه".

ومع الإدراك المتأخر، يرى "كولن" الآن أن سذاجته قد لعبت دورا في خلق مأزقه الحالي. فلدى وصوله إلى دبي، وجد أن الإيجار كان يجب دفعه إما بشكل ربع سنوي أو سنوي. وكان غير قادر على شراء سيارة، وهو ما دفعه لاستئجار المركبات التي قادها. وكان من المستحيل إدارة مثل هذه النفقات براتبه ككاتب مستقل، لذلك أصدر عددا من بطاقات الائتمان المختلفة. ويقول "كولن" إن هذا كان "كل ما فعله". كما حصل على قرض من بنك الإمارات دبي الوطني.

ويأسف "كولن" قائلا: "إنه مجتمع قائم على الائتمان السهل للأشخاص السذج مثلي. وغالبا ما يُطلب من الموظفين المغتربين الجدد في الخليج تسلم رواتبهم من خلال بنك معين. ثم يُعرض عليهم حساب مصرفي في هذا البنك، وتأتي معه بطاقة الائتمان".

وإذا تخلف الفرد عن تسديد ثلاث دفعات، يتم تسليم قضيته إلى وكالة تحصيل الديون. وتكون هذه الوكالة منفصلة عن البنك اسكيا، لكن في الممارسة العملية، تخضع لإشراف الإدارة العليا للبنك. ومن المعروف أن محصلي الديون يستخدمون المباني المصرفية لأنشطتهم. ويقول "كولن": "إنهم غير منظمين، وغير مقيدين، ولا يتبعون قانونا محددا، إلى حد لم أره في أي مكان آخر في العالم".

وعندما تم استدعاء "كولن" إلى وكالة تحصيل الديون، ذكر أنه تم نقله إلى غرفة بلا نوافذ، حيث قام رجل يبلغ طوله 6 أقدام و 6 بوصات بوضع كرسي تحت مقبض الباب لغلقه تماما. ووفقا لـ "كولن"، قيل له: "هناك طريقتان للخروج من هذه الغرفة. أعطنا المال، أو اركب سيارة الشرطة". ولأن هذا التخويف المزعوم وقع في مبنى مملوك للبنك، فلا يمكن للمرء إلا أن يفترض أن إدارة البنك كانت على دراية بأسلوب عمل جامعي الديون. وقد اتصل جامعو الديون أيضا بزوجة "كولن" وأقارب آخرين لإبلاغهم بأزمته. لقد وقع فيما يشبه لعبة "كاتش 22" الكلاسيكية، حيث يُطلب منه سداد ديونه، لكن يُحظر عليه القيام بما يسمح له بسدادها.

وبعد 7 أعوام، يبقى "كولن" متفائلا بشكل ملحوظ. ويوضح أنه ليس لديه ازدراء لدولة الإمارات، الدولة التي منحته العديد من الذكريات الرائعة. حتى أنه يتحدث بإعجاب عن أعلى مستويات القيادة في البلاد، حيث وصف "محمد بن زايد" بأنه "ذكي للغاية". وقد تخلى عن الأمل في أن تساعده الحكومة البريطانية من خلال قنصليتها، التي يتهمها بتجاهل احتياجات المواطنين البريطانيين لصالح مصالح الشركات الكبرى. ويقول إنه يتمسك بعفو من القيادة في الإمارات، التي من المعروف عنها أنها تمنح العفو، خاصة خلال شهر رمضان. ويقول "كولن": "الشعور بالاستياء لا يحل الأمور. أنا أبحث عن حلول".

وعندما تم سؤاله عن نصيحته للآخرين الذين يقعون في مشكلة في الخليج أخذ يضحك قائلا: "أخرج من هنا طالما كان جواز سفرك لا يزال ساريا".