علاقات » اوروبي

صنع في باريس.. السعودية والإمارات تقتلان المدنيين في اليمن بأسلحة فرنسية

في 2019/07/01

هلال الجمرة ويوسف إغروان - إنسايد أرابيا-

نشرت مجلة التحقيقات المستقلة الفرنسية، "ديسكلوز"، تقريرا في 15 أبريل/نيسان يكشف مسؤولية فرنسا عن جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف السعودي في اليمن.

واستنادا إلى تسريبات من تقرير سري للمخابرات العسكرية الفرنسية يعود إلى سبتمبر/أيلول 2018، أكدت "ديسكلوز" استخدام الأسلحة الفرنسية من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في المذبحة التي طالت الرجال والنساء والأطفال اليمنيين الأبرياء منذ بدء تدخلهم العسكري منذ 4 أعوام.

وتناقض المواد المسربة مزاعم الحكومة الفرنسية بأن الأسلحة الفرنسية التي يستخدمها التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن كانت تستخدم فقط في الأعمال العسكرية ضد المتمردين الحوثيين.

وكانت السعودية قد تدخلت في اليمن ظاهريا لإعادة الرئيس المعترف به دوليا "عبدربه منصور هادي" إلى السلطة بعد أن أطاح به الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران واستولوا على العاصمة صنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014.

ومنذ ذلك الحين، اندلعت الحرب في اليمن ونتج عنها تدمير واسع النطاق للبنية التحتية، ومجاعة لم يشهدها العالم منذ 100 عام وفقا للأمم المتحدة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص معظمهم من المدنيين وتشريد ملايين آخرين.

ولسوء الحظ، لم يتم تسليط الكثير من الضوء على الحرب في وسائل الإعلام الفرنسية السائدة، ولا يعلم غالبية المواطنين الفرنسيين بمدى تورط حكومتهم في واحدة من أكثر الحروب الأهلية دموية في التاريخ الحديث.

ومع ذلك، أصبح من الصعب على فرنسا بشكل متزايد تجاهل دورها في ارتفاع عدد القتلى في اليمن.

وبعد أسابيع قليلة من نشر التقرير، تجمع نحو 100 من ناشطي حقوق الإنسان في ميناء "لوهافر" شمال فرنسا لمنع شحنة جديدة من الأسلحة من تحميلها على سفينة سعودية.

وعلى الرغم من الضغط المتزايد من النقاد، واصل الرئيس "إيمانويل ماكرون" الدفاع عن دور فرنسا في الحرب وقال للصحفيين في 9 مايو/أيار، إن "المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حليفان لفرنسا، وحليفان في الحرب ضد الإرهاب، ونحن نقبل المسؤولية عن ذلك".

وعلى الرغم من الدمار الذي لحق باليمن، وإثبات تورط فرنسا في الحرب، رفضت السلطات الفرنسية الأدلة المطروحة باستمرار، مؤكدة أنه "لا يوجد دليل على أن هذه الأسلحة يتم استخدامها ضد السكان المدنيين"، وواصلت الحكومة الفرنسية التوقيع على صفقات الأسلحة فضلا عن الدعم غير المباشر للعمليات العسكرية السعودية الإماراتية.

ووفقا لـ"مرصد التسليح"، وهو مركز للتوثيق والبحث في فرنسا حول السلام والصراع، فإن باريس لا توفر فقط للرياض وأبوظبي أحدث المعدات ولكنها توفر أيضا تدريبا للقوات الخاصة السعودية.

صنع في فرنسا

وحدد التقرير المؤلف من 15 صفحة وعنوانه "اليمن.. الوضع الأمني"، المقدم إلى الرئيس الفرنسي ووزير الدفاع، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، قائمة مفصلة بالأسلحة المستخدمة في الحرب، مؤكدا أنها تم استخدامها في استهداف المناطق اليمنية المدنية المأهولة بالسكان.

واستنادا إلى بيانات من المعهد الدولي لبحوث السلام، أفادت "ديسكلوز" أن فرنسا سلمت 132 من مدافع "سيزر"، وهي عبارة عن مدافع هاوتزر ذاتية الدفع، إلى السعودية حتى الآن.

وبالإضافة إلى مدافع "سيزر"، شملت المعدات العسكرية الفرنسية الأخرى التي تم تسليمها بالفعل إلى المملكة دبابات "ليسلر"، وقذائف "أروز" وطائرات "ميراج"، ورادارات "كوبرا"، والمركبات المدرعة من طراز "أرافيز" وطائرات الهليكوبتر "كوغار" و"داوفن".

ويعاني مئات الآلاف من اليمنيين مباشرة من الأسلحة فرنسية الصنع، وقد أظهرت خريطة واحدة من التقرير أن 436 ألفا و370 يمنيا يُحتمل أن يكونوا في خط النار.

وكجزء من الحرب ضد الحوثيين، نشر الجيش السعودي 48 مدفعا من طراز "سيزر" صُنعت بواسطة الشركة الفرنسية "نكستر" على طول الحدود السعودية اليمنية، في 25 سبتمبر/أيلول 2018، وفي ميدان المعركة، قام التحالف بقيادة الولايات المتحدة بنشر دبابات "ليسلر" الفرنسية، التي تم بيعها إلى الإمارات في التسعينات.

وكشف تقرير "ديسكلوز" أن دبابات "ليسلر" كانت في قلب معركة "الحديدة"، التي خلفت 55 قتيلا في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

ويكشف التحقيق النقاب عن مدى نفاق باريس، وعلى الرغم من ادعاءات وزارة الدفاع بأن رفع الحصار المفروض على اليمن يمثل أولوية، فقد شاركت سفينتان فرنسيتان بشكل مباشر في الحصار البحري الذي حال دون وصول الضروريات الأساسية للسكان اليمنيين.

ووفقا للتقرير، تساهم إحدى السفن "في دعم العمليات البرية التي تنفذ على الأراضي اليمنية".

دور فرنسا في الأزمة الإنسانية

وأدانت عدد من المنظمات غير الحكومية تصدير المعدات العسكرية الفرنسية إلى الأطراف المتحاربة في النزاع اليمني، بسبب احتمال استخدامها ضد المدنيين، ويبرز التحقيق أن فرنسا كانت راضية بشكل مفرط عما يسميه خبراء الأمم المتحدة "جرائم حرب محتملة".

ولأعوام عديدة، كانت السعودية والإمارات من بين أكبر مستوردي الأسلحة الثقيلة الفرنسية، وكانت السعودية ثاني أكبر مشترٍ من فرنسا بعد الهند بين عامي 2008 و2017، في حين تبقى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا الموردين الرئيسيين الآخرين للرياض.

ومن الواضح أن فرنسا تدرك أنه إذا ما توقفت عن بيع أسلحتها، فإن القوى الأخرى سرعان ما ستملأ الفجوة، ما يؤدي إلى خسائر بالمليارات.

لذلك، لم توقف فرنسا صادراتها منذ بداية الحرب، وفي عام 2018، عندما أغلق التحالف الذي تقوده السعودية ميناء "الحديدة"، ما أدى إلى تفاقم أزمة خطيرة بالفعل، سلمت فرنسا أكثر من 1.46 مليار دولار من الأسلحة إلى المملكة في العام نفسه.

وأظهر استطلاع في عام 2018 أجرته شركة "يوجوف" للرأي العام والبيانات العالمية أن 75% من الشعب الفرنسي يريدون من الرئيس "إيمانويل ماكرون" تعليق صادرات الأسلحة إلى الدول المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.

ومع ذلك أصدرت وزيرة الدفاع الفرنسية "فلورنس بارلي" بيانا قالت فيه إنها لم تكن تعلم أن الأسلحة الفرنسية يتم استخدامها ضد المدنيين في هذا الصراع.

وبعد تسريب الوثائق، دعت 10 منظمات غير حكومية ومنظمات حقوق إنسان في فرنسا إلى الكف عن تزويد النظامين الخليجيين بالأسلحة على الفور. وذكرت المنظمات في بيانها: "لقد حان الوقت للحكومة الفرنسية للتوقف عن وضع المصالح الاقتصادية فوق حياة المدنيين".

ويتدهور الوضع الإنساني في اليمن يوما بعد يوم. وفي ضوء الأدلة والضغط السياسي المتصاعد، لم تعد فرنسا قادرة على إنكار أو تبرير تورطها في الحرب.

ولا يقع مصير السكان الجائعين في اليمن الذي مزقته الحرب فقط في أيدي الحكومة الفرنسية، ولكن أيضا في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا.

وتعد المواجهة بين الحوثيين اليمنيين المدعومين من إيران والتحالف الذي تقوده السعودية بدعم من القوى الغربية تذكيرا بمدى التعقيد الذي تشهده السياسات الدولية.

ويخشى الغرب بشدة من نشوء نظام فاسد آخر يشبه إيران في شبه الجزيرة العربية، وتحول اليمن إلى بؤرة للتشدد.

ومع ذلك، فمن المفارقات أن السعودية الوهابية هي التي تقود المعركة، وفي الوقت نفسه، يتم النظر إلى ملايين المدنيين، منهم عدد لا يحصى من الأطفال، على أنهم مجرد أضرار جانبية.