علاقات » اميركي

السعودية ضاعفت حصتها في السندات الأمريكية منذ انتخاب ترامب

في 2019/07/02

وكالات-

يوما بعد يوم، تتأكد العلاقة الحميمية بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" و"محمد بن سلمان" ولي عهد المملكة العربية السعودية، بما يشمل مظاهر ذلك من تبادل الضحكات والتقاط الصور المتقنة، ومليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة، وبالطبع تمسك "ترامب" برفض الأدلة التي تورط ولي العهد في اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي".

لكن ما حدث دون أن يلاحظه أحد إلى حد كبير هو مدى تحمس المملكة لسداد ديون الولايات المتحدة.

وبعد تراجعها الكبير في شراء ديون الحكومة الأمريكية في معظم عام 2016، زادت السعودية من وتيرة الشراء منذ انتخاب "ترامب" في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام.

وبناءً على أحدث الأرقام التي تم الإبلاغ عنها، ضاعفت المملكة من ملكيتها للسندات لتصل إلى 177 مليار دولار، ولم يقم أي دائن أجنبي رئيسي بزيادة حصته من ديون الولايات المتحدة بشكل أسرع.

الشراهة السعودية

يمكن الخروج بأي عدد من التفسيرات المعقولة لتوقيت زيادة شراهة السعودية للديون الأمريكية، لكن مهما كان التفسير، فهناك أمر واضح؛ ففي حين يواصل "ترامب" الدفاع عن "محمد بن سلمان" في مواجهة الانتقادات المتزايدة بشأن مجموعة كاملة من القضايا، من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن إلى دوره المزعوم في القتل الشنيع لـ"خاشقجي"، فإن لدى المملكة الدوافع للمسارعة إلى تقديم الدعم المالي إلى حليفتها الأكثر أهمية، حتى لو لم يكن الأمر مقصودا.

ويعد هذا صحيحا بشكل خاص بعد أن ظهر حديث في مايو/أيار أن الصين، أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة، ربما تفكر في التخلي عن سنداتها لمعاقبة "ترامب" على حربه التجارية على الرغم أن البلدين أعلنا عن هدنة مؤخرا بعد اجتماع سريع في قمة مجموعة العشرين في "أوساكا".

وقال "مارتن إنديك"، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، ومبعوث خاص سابق للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط أثناء إدارة "كلينتون": "إنها علاقة من المنفعة المتبادلة، ويأتي شراء سندات الخزانة في هذا السياق".

وسارع "إنديك" إلى ذكر أنه ليس لديه أي معرفة داخلية خاصة بالوضع، وأن سوق الخزانة يعد وجهة طبيعية للبترودولار السعودي على أي حال.

لكنه أشار إلى أنه مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، من المنطقي أيضا أن يرغب "ترامب" في أن يعزز السعوديون الإنتاج للحفاظ على أسعار النفط تحت السيطرة.

ويعني المزيد من الإنتاج المزيد من البترودولارات، التي يمكن بعد ذلك إعادة تدويرها بشراء سندات الخزانة.

وهنا تأتي أهمية الأرقام، ومنذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016، الشهر السابق لانتخاب "ترامب"، حتى أبريل/نيسان من هذا العام، زادت المملكة ملكيتها من السندات الأمريكية من 97 مليار دولار إلى 177 مليار دولار بزيادة بلغت نسبتها 83%، وهي الزيادة الأكبر بين الدائنين الأجانب والثاني عشر من حيث النسبة المئوية، في حين حصلت بريطانيا على أكبر حصة مطلقة حيث ارتفعت مقتنياتها من 207 مليارات دولار إلى 301 مليار دولار.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التراكم جدير بالملاحظة أيضا، بسبب انخفاض حجم حصة المملكة بشكل كبير في الأشهر التي سبقت الانتخابات، وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2016، خفضت المملكة ملكيتها من سندات الخزانة بنحو 30%، في تراجع هو الأكثر عدوانية خلال عقد من الزمن.

وكان جزء كبير من الانسحاب يتعلق بالأزمة المالية في السعودية في ذلك الوقت، عندما أحرقت السلطة النقدية عشرات المليارات من الدولارات لسد أكبر عجز في الميزانية في ربع قرن في المملكة، ومع ذلك، كان هناك الكثير من التكهنات حول الدوافع السياسية وراء ذلك أيضا.

وفي أبريل/نيسان من ذلك العام، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المسؤولين السعوديين حذروا إدارة "أوباما" وأعضاء الكونغرس من أن المملكة ستبيع ما قيمته 750 مليار دولار من سندات الخزانة وغيرها من الأصول الأمريكية، إذا أقر المشرعون مشروع قانون يسمح بمساءلة المملكة أمام المحاكم الأمريكية بسبب هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

 وقد مر هذا القانون في النهاية بعد أن ألغى الكونغرس حق النقض "الفيتو" من الرئيس "باراك أوباما"، وجاء ذلك بعد أن اتخذت أمريكا خطوات مبدئية نحو التقارب مع إيران تم تتويجها بالاتفاق النووي التاريخي في عهد "أوباما"، الذي انسحب منه "ترامب" العام الماضي.

لذلك، مع "ترامب"، أصبح لدى المملكة كل الحوافز لعكس قراراتها.

علاقة متنامية

وإلى جانب كسر التقاليد بزيارة المملكة العربية السعودية في أول رحلة خارجية له، أقام "ترامب" و"جاريد كوشنر"، صهر الرئيس ومستشاره الأول، علاقات شخصية وثيقة مع ولي العهد السعودي.

وفي مجموعة العشرين، التقى "ترامب" مع زعيم الأمر الواقع في المملكة على وجبة الإفطار يوم السبت، واصفا إياه بأنه "صديق"، وأشاد بـ"علاقتهما العظيمة".

ومن الأهمية بمكان أن "ترامب" قد قلل مرارا وتكرارا من دور "بن سلمان" في مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، على الرغم من دفع الاستخبارات الأمريكية للمشرعين إلى إلقاء اللوم عليه بالإجماع.

وفي مايو/أيار، تخطى "ترامب" الكونغرس للموافقة على بيع أسلحة بقيمة 2 مليار دولار للسعودية بعد اعتراضات من الحزبين، وبينما قام مجلس الشيوخ بمنع هذه الخطوة، من المرجح أن يستخدم "ترامب" حق النقض "الفيتو" لفرض الصفقة.

ويقول النقاد إن "ترامب"، من خلال الوقوف مرارا وتكرار إلى جانب المملكة، قد وفر غطاء لـ"بن سلمان" لقمع المعارضة في الداخل، وشن حرب وحشية في اليمن، أدت إلى أكثر من 200 ألف حالة وفاة، وفقا للأمم المتحدة.

وبالطبع، هناك أسباب للاعتقاد بأن استثمارات السعودية في سندات الخزانة لا علاقة لها بالسياسة، فمن نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016، إلى أبريل/نيسان من هذا العام، ارتفع سعر نفط خام برنت أكثر من 50%، ويعود هذا بعائد كبير على خزائن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.

وربما أرادت المملكة التحول بعيدا عن السندات الأوروبية ذات العائد المنخفض، وفقا لـ "مارك تشاندلر"، كبير استراتيجيي السوق في "بانوكبرن غلوبال فوركس"، فبعد كل شيء، تنتج سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 أعوام حاليا عوائد بنحو 2% من قيمتها، مقابل السندات الألمانية معدومة العوائد.

وباعتبارها ملاذا آمنا في العالم، فليس من الصعب انتقال المملكة إلى ديون الحكومة الأمريكية كتحوط في مواجهة ضعف النمو العالمي.

وقال "تشاندلر": "أظن أن هذا جزء من مسألة إدارة الديون، وليس بسبب أي دافع سياسي. لاسيما وأن هناك زيادة في الاحتياطيات الأجنبية السعودية".

لكن في بعض النواحي، كانت ملكية السعودية لديون الحكومة الأمريكية تتأثر دائما بالاعتبارات السياسية، وعلى مدار أكثر من 4 عقود، ظل حجم ملكية المملكة من السندات في الواقع سرا عن الجمهور، كجزء من اتفاقية استراتيجية تم التوصل إليها خلال إدارة "نيكسون".

وربط هذا الترتيب الفريد بين دولتين تشتركان في عدد قليل من القيم المشتركة، وفي شهر مايو/أيار 2016 فقط، بدأت الولايات المتحدة بالإفصاح المفصل عن مقتنيات السعودية من السندات الأمريكية، استجابة لطلب مقدم من "بلومبرغ نيوز" وفق قانون حرية المعلومات.

ويعبر "براد سيتسر"، وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة، عن وجهة نظر دقيقة.

ومثل حفنة من الدول الأخرى، احتفظت المملكة تقليديا بالسندات لديها في عدد من المراكز المالية العالمية، ويشير الارتفاع الأخير، وفقا لـ"سيتسر"، إلى أن البلاد لديها الآن أسباب أقل لإخفاء استثماراتها مما كانت عليه في الماضي.

وقال "سيتسر": "سواء كانوا يشعرون بالارتياح لصداقة ترامب أو بشكل عام، فإن السعوديين صاروا أكثر ارتياحا تجاه الإفصاح عن مقتنياتهم الأجنبية".