دول » قطر

أمريكا تستقبل المحاصَر وتتجاهل المُحاصِر.. هذا ما حققته دبلوماسية قطر

في 2019/07/10

متابعات-

بعد مرور أكثر من عامين على بداية الحصار المفروض على دولة قطر، تبدلت المواقف بشكل لافت وباتت الدول المحاصِرة هي المحاصَرة فعلياً، في الوقت الذي استطاعت الدوحة المضي قدماً وتحقيق مكاسب عالمية مهمة، كان أبرزها الزيارتان الأخيرتان لأمير قطر إلى الولايات المتحدة.

وحاولت السعودية والإمارات ومصر والبحرين عزل الدوحة عن محيطها الإقليمي والدولي عبر الحصار الذي فرضته في يونيو 2017، لكن العزلة انقلبت عليها بفضل سياسة قطرية لاقت استحسان دول العالم واحترامها.

ولم يثن قطر ما فرض عليها من حصار عن توسيع علاقاتها ونشاطها الدولي، والذي توجته مؤخراً بثاني زيارة لأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن، بعد زيارته الأولى في أبريل 2018 بدعوة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حين لم يتمكن زعماء الدول المحاصرة لها من الحصول على فرصة خلال العامين الأخيرين لزيارة واشنطن، وسط انتقادات واستياء دولي يلاحقهم.

زيارتان وثناء أمريكي على أمير قطر

منذ اندلاع الأزمة الخليجية سافر أمير دولة قطر إلى دول عديدة، بهدف توثيق علاقات قطر الخارجية وإقامة شراكات استراتيجية، ونجح في قلب الطاولة على محاولات دول الحصار تشويه سمعة الدوحة ووصمها بالإرهاب.

ومن بين تلك الزيارات، قام الشيخ تميم بزيارتين إلى واشنطن، التقى خلالهما بترامب، وبحث معه العلاقات بين البلدين والتطورات الأخيرة في المنطقة.

والتقى أمير دولة قطر بترامب في نيويورك، في سبتمبر من العام الماضي، على هامش الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان اللقاء الثالث خلال أقل من عامين.

وكانت الزيارة الرسمية الأولى منذ اندلاع الأزمة الخليجية في أبريل من العام الماضي، أما الزيارة الثانية ففي 9 يوليو الجاري، والتي جاءت في وقتٍ تشهد منطقة الشرق الأوسط توتراً شديداً، من جراء التصعيد الأمريكي الإيراني الذي دخل منحنى خطيراً بعد إعلان طهران زيادة سقف اليورانيوم المخصب لديها بما يخالف الاتفاق النووي المبرم في 2015.

ووسط الانتقادات اللاذعة التي تلاحق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وحليفه في الرياض محمد بن سلمان، أكد ترامب مكانة أمير قطر في المنطقة ونجاح سياسته.

وقال الرئيس الأمريكي إن الشيخ تميم قائد يحظى بالاحترام في منطقة مهمة من العالم، مضيفاً: إنه "شرف عظيم لي العمل مع صديق".

وفي رسالة عن قوة العلاقة الاستراتيجية بين الدوحة وواشنطن، كان الملف العسكري والدفاعي حاضراً في مباحثات الزعيمين، حيث دعا الشيخ تميم الرئيسَ الأمريكي لزيارة قطر وقاعدة العديد العسكرية فيها، وعلق ترامب بالقول إن قاعدة العديد "مميزة ومن أهم القواعد العسكرية".

ومن بين الاتفاقيات التي وقعها الطرفان، التزام وزارة الدفاع القطرية بشراء منظومتي "Raytheoun NASAM" و"باتريوت"، وهو ما يعزز قدراتها الدفاعية بعد تأكيدات أمريكية كويتية سابقة بوجود نيات من قبل دول حصار قطر لغزوها.

وبعد إفشال الرياض وأبوظبي لعقد قمة أمريكية خليجية تضع حداً للأزمة، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، أن من ضمن نقاشات ترامب مع أمير قطر "الحاجة لمجلس تعاون خليجي موحد".

ويقول الكاتب والإعلامي القطري جابر الحرمي: إن "أمير قطر قدم خلال الأزمة الخليجية الأخيرة نموذجاً عالياً في القيادة وإدارة الأزمات والتعاطي مع أخطر ما مر بالمنطقة وعلى منظومة مجلس التعاون الخليجي".

وأشار  في حديث لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الشيخ تميم "تعامل بحكمة بعيداً عن التصعيد، ودعا إلى حوار لإيجاد حلول، ولم يزجّ بالشعوب في هذه الأزمة، بحيث دعا إلى أن تكون سياسية".

وأوضح أن حصار دولة قطر كان محل بحث ونقاش مع الإدارة الأمريكية الحليفة لجميع الأطراف.

ولفت إلى أن لقطر رؤية دعت إليها منذ سنوات لإيجاد حلول جذرية للإرهاب، بحيث لا تعتمد على الحل الأمني؛ من خلال إيجاد حلول حقيقية، لكونه نتاج قمع وبيئات استبداد.

كما أضفت الملفات الساخنة في المنطقة، لا سيما التصعيد بين واشنطن وطهران، أهمية متزايدة على الزيارة، حيث بحثا أيضاً أزمات كل من ليبيا، والسودان، وأفغانستان.

مناقشة تلك الملفات أشارت بوضوح إلى تمتع قطر بدبلوماسية أهلتها للقيام بدور الوساطة في تهدئة الأوضاع بدول عدة، آخرها مباحثات السلام الأفغانية، ومباحثات أمريكا و"طالبان" اللتين تستضيفهما الدوحة.

خاشقجي يمنع بن سلمان

وفي ظل التقارب الدائم بين الدوحة وواشنطن بدت عواصم حصار قطر وعلى رأسها الرياض وأبوظبي، أكثر بعداً عن السياسة الأمريكية، فالانتقادات تلاحق زعيميهما داخل أروقة الكونغرس، في حين لم يتوقف الإعلام الأمريكي عن انتقاد أي تقارب معهما.

التباعد عن واشنطن قابله إظهار الرياض وأبوظبي علاقة استراتيجية معها، عبر ترويج صداقة مزعومة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات.

ويشهد بن سلمان عزلة دولية كبيرة، على خلفية الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر من العام الماضي.

ولم يستطع بن سلمان خلال العامين الأخيرين زيارة واشنطن وعواصم أوروبية أخرى، بسبب الضغوطات التي يتعرض لها ترامب، لمنع زيارة ولي العهد السعودي المتهم بقتل خاشقجي، إضافة إلى خشيته من تعرضه للملاحقة القانونية في حال وطئت قدمه أمريكا.

وسبق أن تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي في ديسمبر من العام الماضي، قراراً بالإجماع يعتبر بن سلمان المسؤول الأول عن مقتل خاشقجي، في حين أكد التحقيق الأممي ضرورة خضوعه للتحقيق.

ولم تكن واشنطن هي الوحيدة التي يخشاها بن سلمان، فهو لم يقم بزيارة خلال العام الأخير إلى أوروبا، خشية من تعرضه للملاحقة القانونية أيضاً، واكتفى بالسفر إلى دول آسيوية والأرجنتين.

وكانت الحرب التي أشعلها في اليمن منذ العام 2015، والتقارير التي تؤكد قصف مدنيين، أبرز القضايا الأخرى التي واجهت بن سلمان في واشنطن ودول أوروبا.

وخلَّفت هذه الحرب آلاف الضحايا من المدنيين، وأدت إلى نزوح الملايين، وتفشِّي الأمراض والمجاعة، وسط انتقادات ومطالبات دولية بوقف الحرب هناك، واتهامات لأطراف الحرب بانتهاك حقوق المدنيين.

بن زايد يخاف من التحقيق

ولم يكن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بعيداً عن ذلك الموقف، فمؤخراً تأثرت العلاقات بين واشنطن وبلاده، بسبب عدة قضايا.

ومن بين تلك القضايا المرتبط بها بن زايد، تحقيقات مولر الخاصة بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، حيث تقول التحقيقات إنه موله عبر مستشاره جورج نادر، كما تتحدث تقارير عن صلة الإمارات بجريمة مقتل خاشقجي.

وتحدثت صحف أمريكية عن أن خمسة ممَّن عملوا لدى ولي عهد أبوظبي هم قيد التحقيق الجنائي نتيجة تحقيقات مولر.

وكان بن زايد يزور الولايات المتحدة بانتظام، لكنه لم يدخلها لمدة عامين، بسبب تخوفه من احتمال سعي محققي مولر لمساءلته هو أو مساعديه، وفق شخصين مقربين منه.

كما أن القبض على جورج نادر، المستشار المقرب من بن زايد، بعد العثور على مواد إباحية خاصة بالأطفال على هاتفه، دفعه إلى الخوف مؤخراً من الذهاب إلى واشنطن.

ولم تكن هذه مخاوف بن زايد الوحيدة، فانتهاكات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، والتقارير الحقوقية التي تؤكد تورط أبوظبي في إنشاء سجون سرية تحوم حولها فضائح تعذيب وتنكيل بجثث مدنيين، فتحت ملفات أخرى ضده في واشنطن وعواصم العالم.