دول » السعودية

السعوديون وأزمة "فهم الأزمة"

في 2019/07/16

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

تجتهد أنظمة الحكم، في أي فترة بالتاريخ البشري المعروف لنا، لحشد كل القوى المجتمعية في معاركها، وإقناع غالبية المحكومين بأنها تمارس السلطة من أجلهم، وتقول –ولو نفاقًا- إنها تعمل لصالح السواد الأعظم من شعبها، وفي حال كان نظام الحكم يقوم بعمليات إصلاحية واسعة، فإن مدى النجاح المتحقق يكون رهنًا فقط بالموافقة الشعبية الواضحة، الموافقة المرهونة بالمشاركة في تحمل تبعات الإصلاح والبناء.

إذًا فالبداية تقتضي حتمًا التحديد، قبل أن تقرر أي دولة، أو حتى مجموعة بشرية، أن تمضي في طريق ما، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي بدأت عمليات إصلاح اقتصادي واسع، يستهدف –كما هو معلن- الاستعداد للانتقال إلى عصر ما بعد النفط، باستثمار العوائد البترولية الحالية في تغيير نمط الاقتصاد بالكامل، من اقتصاد ريعي، يقوم بالكامل على ريع النفط، إلى اقتصاد متنوع، يقل فيه تأثير تراجع الأسعار أو نفاد مخزونات الحقول الحالية، وهي حتمًا ستنتهي في يوم.

لن نناقش الأرقام الحكومية المعلنة، والتي باتت من فرط تكرارها محفوظة، وأرقام الصادرات غير البترولية التي توسعت –في فرية محاسبية غير مسبوقة- لتشمل البتروكيماويات وبعض المشتقات النفطية، للإيهام بحدوث إنجاز يخص تنويع الصادرات، بينما تفيض الأسواق في المملكة بسلع من كل دول العالم، من السيارات إلى الملابس والأجهزة الكهربائية والإليكترونية، وغيرها، ما يفضح عدم توافر صناعة وطنية تغطي الاستهلاك، بالفعل لا بالأرقام.

لكن السؤال الأساسي هنا، هل تشمل "رؤية 2030" فعلًا ما يمكن وصفه بتعبير "إصلاح اقتصادي".

بداية، وقبل الخوض في حديث التقييم، لا بد من إعادة الاعتبار لتعريفات أساسية، يجري تجاوزها من قبل الإعلام دائمًا، فالسياسة الاقتصادية، في أي دولة، تشمل مرتكزات ثلاثة، تتفاعل وتتكامل لتعبر في النهاية عن رؤية الحكومة وتهدف أولا لتحقيق الرفاهية لأغلبية المواطنين، وهي: السياسات الاقتصادية الكلية، وتتضمن سياسات الإنتاج والتوزيع والاستثمار والادخار والتصنيع، والسياسات الزراعية والتجارة، وثانيها السياسات المالية، وتشمل سياسات الإنفاق الحكومي، وأولوياته، والسياسات الضريبية والجمركية والدعم، وإدارة الصناديق الخاصة والاستثمارية، وأخيرًا السياسة النقدية، وهي تتضمن إدارة سياسات سعر الصرف والتحكم في التضخم وأسعار الفائدة، وسواها.

والأهم من التعريفات، التأكيد على أن صندوق النقد الدولي، هو مؤسسة معنية بالإصلاح المالي، أي: سياسات الإنفاق الحكومي، وأولوياته، والسياسات الضريبية والجمركية والدعم، وإدارة الصناديق الخاصة والاستثمارية، وبالتالي فإن تقاريره تغطي فقط جزءًا من السياسة الاقتصادية للمملكة، وليس سياسة العدالة في توزيع الدخل والتنمية والتنويع الاقتصادي، وهذا هو بيت القصيد.

ويضاف إلى صندوق النقد الدولي مجموعة الشركات والمكاتب الاستشارية الأميركية، التي تعمل في المملكة، وتساهم في رسم خريطة أولويات الإنفاق الحكومي، وسياسات إلغاء الدعم والضرائب والرسوم الجمركية، وعلى رأسها شركة "ماكينزي" سيئة السمعة، والتي تهتم بضغط (تقليل) الإنفاق الموجه للمواطنين، مقابل زيادة مخصصات الحكومة وأصحاب القرار، وهذه بالتحديد تقف وراء ارتفاع سعر لتر البنزين خلال السنوات الثلاث الماضي بنحو 3 أضعاف، في أكبر دولة مصدرة للنفط بالعالم، والأقل من حيث تكلفة إنتاج برميل الخام، فالشركات الأميركية تحسب سعر النفط بأسعار السوق العالمية للمواطن السعودي، وليس بسعر التكلفة، لخلق اعتقاد كاذب بأن الحكومة تدعم المواطن، والحقيقة أن الوطن هو ما يمنح الجميع، لكن القلة المسيطرة تصر على حرمان الأغلبية من أي منحة، والاستئثار بها.

المنتظر كما يبشرنا رسل الخراب، من وزراء حكومة ولي العهد، أن يرتفع النمو للمملكة، مع نهاية تطبيق خطط خفض الدعم وترشيد المصروفات، لكن هل سيحدث هذا حقًا، إذا ما كانت الموازنة السعودية تدخل عامها الرابع من السنوات العجاف، وموازنة العام الحالي 2019 تشهد عجزًا بقيمة 35 مليار دولار، بفرض استمرار أسعار النفط فوق 80 دولارًأ للبرميل، وهو ما يوضح بجلاء فشل المخطط السعودي في قراءة سوق الطاقة جيدًا، أو أنها وضعت بغرض تخفيف صدمة العجز المحقق.

في النهاية تبقى كلمة لا تحتمل التأويل بخصوص صندوق النقد الدولي، هذا الغراب الناعق على الدول، فهذه المؤسسة لا تعترف بـ"العلم" في تقييمها لاقتصاديات البلدان، التي تشارك في تقديم النصح والدعم لها، وفي كتاب "س. دونيلي" بعنوان "أكذوبة الازدهار العالمي: كيف يُشوه النيوليبراليون البيانات بقصد إخفاء الفقر والاستغلال"، يفضح المؤلف أكاذيب مؤسسات التمويل العالمية، والخاصة بتصدير "وهم الإصلاحات"، كجزء من إسقاط الدول في فخ الديون، وإغراق ملايين المواطنين تحت خط الفقر وشدة الحاجة، وهو ما نراه اليوم واقعًا، من حفلات تتكلف مئات الملايين من الدولارات، وبنوك بدأت توزيع الطعام على فقراء البلد الأغنى في الشرق الأوسط، في مفارقة مبكية لن تجدها إلى في المملكة.