دول » دول مجلس التعاون

الانتقال الديمقراطي في دول الخليج: الفرص والتحديات

في 2019/08/29

سيف دويدار- البيت الخليجي-

كانت ولا تزال حاجة دول الخليج إلى الديموقراطية أمراً حيوياً وماساً، إلا أن الفرص قد تكون ضئيلة إلى حد ما مقارنة بالتحديات التي تواجه تلك المجتمعات. وللأسف الشديد فإن المهمومين بالتحول الديموقراطي هناك غالباً ما يستخدمون مُدخلات محدودة، لإتخاذ ما يُلزم من أدوات لدفع عجلة التحول، تمتاز هذه المدخلات بالسمة الأحادية؛ نجد طرفاً يلتزم بالقراءة الإقتصادية، وآخر بالإجتماعية، وآخر بالسياسية وتفاعل المؤسسات، وهي كلها جيدة، إلا أن الموقف الخليجي المركب يدفعنا لقراءة مركبة لمشهد التحول، وقراءته في عدة مستويات.

كيف تطرح الديموقراطية؟

عند ظهور رغبة الأغنياء والإقطاعيين في منافسة الملكية الأوروبية[i]، صاحب تلك اللحظة حراكٌ اجتماعيٌ أفضى لظهور فكرة استجابة الدولة لأشخاص خارج مؤسساتها، وهو ما أفضت إلى الديموقراطية وآلياتها في التفاعل بين الحركات والدولة، أفضت تلك الحالة الصراعية (نظرية الصراع الاجتماعي) إلى الرغبة في إيجاد آلية لإدارة التوازنات بين أولئك الأطراف المتكافئين في القوة، كذلك جاءت هذه الإستجابة في إطار “صلب” كان قادراً على حل تلك المعضلات التي واجهتها.

وعليه، يمكن اعتبار أن الديموقراطية ما هي إلا نتيجة أتت لحل معضلة/ أزمة صراع من جهة، ولتُجيب على أسئلة يفرضها عليها المجتمع الذي نشأت فيه من جهة أخرى. لا يبدو ممكناً تصدير الديموقراطية الأوروبية على هيئتها “الصلبة” إلى العالم العربي، لأنها كانت بالأساس تجيب على أسئلة بيئتها، مُنفصلة عن المجتمع العربي ثقافياً، ما يعني أن لكل أمة ديموقراطيتها، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

هل من فرص لإجراء تحول ديموقراطي؟

بلا شك أن المجتمعات الخليجية تتمتع بسمات قد تؤهلها أن تشرع في تكوين بيئات ديموقراطية. ثمة توجهات مصاحبة للتحولات الديموقراطية، ومن أهم تلك التوجهات والأسس الثقافية[ii] المرتبطة بالديموقراطية:

مبدأ الشك الذكي في القيادة والسلطة.
التوازن بين الفردية والجماعية.
التوجه العام نحو السلطة الذي يقوم على أساس: رفض الخضوع المطلق، أو المعارضة والنقد العدائي.
التشاركية المجتمعية.
مبدأ الثقة في النظام الديموقراطي لإدارة الصراعية.
التسامح مع الاختلاف والغموض.
الانفتاح وقبول الآخر.

نلاحظ في هذا السياق أن لا تعارض بين تلك المبادئ مع المكون الأساسي في منطقة الخليج، وهو الدين الإسلامي، ما خلا بعض أنماط التدين السلفي. بجانب وجود لرغبة شعبية في الدول الخليجية تصل إلى 75% في التحول لنظم ديموقراطية.

على المستوى الإقتصادي، ومع تراجع دور الدولة الخليجية في تقديم الخدمات العامة لأكبر فئة ممكنة في دولة الرعاية؛ وذلك بسبب تراجع أسعار النفط[iii]، ما جعلها تتجه لإقتصادات ما بعد النفط وانكشافها لإختبار البطالة، تكونت شريحة من المجتمع تشق طريقها في الترقي الإجتماعي دون منظومة توزيع الريع بنظام الوظائف العامة، ما سيُمكن من إنشاء طبقة (ما) تتشكل عبر علاقات الإنتاج.

فيما يتعلق بالترابط الإجتماعي والتشاركي، يبدو المجتمع الأهلي السبب في إعاقة مفهوم المواطنة في حالات الطائفية، لكنه يُمَكِّن من ظهور التوازنات الإجتماعية، خصوصاً مع اختلال القوى بينهم، وهو ما يعطي المجتمع دافعاً (عكس ما ينظر له) بأنه يعيق التحول الديموقراطي، ومن ذلك ظاهرة الدواوين في الكويت بعد حل البرلمان والتي نشأت من واقع المجتمع الأهلي.

كذلك هو الصراع مع إيران الذي هو بالضرورة يفضي إلى استنفاذ قدرات الأنظمة المتكلسة، ما يعمل على ايجاد شقوق في بنية الأنظمة قد تسمح بتسرب الديموقراطية إلى داخلها.

ما هي التحديات التي تواجه الديموقراطية؟

تبدو التحديات في الخليج أكثر من تلك التي تواجهها بقية المنطقة العربية؛ ذلك أن أحد ركائز التحول هو التغيير في الثقافة السياسية، وهي أكبر عقبات التحول الديموقراطي في أي مجتمع، وهي تعتمد على[iv] توجهات النخب ودرجة اهتمامها بدرجة التغيير الثقافي أولًا، مدى رسوخ قيم معينة متأصلة في المجتمع يصعب تغييرها “نمط التدين” ثانيًا، وسرعة/ تدرج عملية التغيير والتحول ثالثًا.

 ومن ذلك يمكن رصد التحديات التي تواجه تلك المجتمعات في عدة مستويات:

أولا: نمط التدين: لا تتعارض الثقافة السياسية للدولة الديموقراطية مع الدين الإسلامي، لكنها تتعارض بشكل مباشر مع أنماط التدين والتيارات الدينية التي تستفيد من بقاء النظم القائمة، وتسعى إلى تجريم الديموقراطية.

ثانياً: بنية النظم السياسية: تستمد النظم في الخليج شرعيتها من التقاليد الوراثية، وسلطة الأب التي قد تكون عائقاً للتحول، ويعتمد النظام على الشرعية الدولية التي تحميه من التهديدات، حيث تعيق الأسر الحاكمة عمليات التحول الديموقراطي؛ لأن ذلك يضمن لها حصر الامتيازات المالية والنفوذ في يدها.

ثالثاً: تكوين المجتمعات الخليجية: وتتعلق بتركيبة المجتمعات ذاته، فمجتمعات دول مثل قطر والإمارات تبدو مجتمعات هجينة، يتضاءل فيها المكون الشعبي قبالة تعداد العمالة الأجنبية. كما أن هذه المجتمعات بُنِيَت ثرواتها على منطق ريعي وغير صناعي، منطق لا يتعلق بعلاقات الإنتاج التي تفضي إلى وجود حركات عمالية، تمتاز بإستهداف الدولة ومحاولة الدولة الإستجابة لها. أيضً، تدخل الدولة في هذه التجارب صياغة المجتمع نفسه، مثلاً إعلاء المسألة الطائفية في البحرين.

رابعاً: غياب الخيال السياسي: مشكلة تتعلق بالمجتمع المدني والسياسي، فيغيب عنه تصور كيف تحقق الديموقراطية في الخليج؟ وما الأدوات التي تحقق ذلك؟ ومع غياب الخيال تغيب معه القدرة على تحديد الصديق والعدو[v].

خامساً: مشكلة النخب: وفي هذا السياق نحن نتحدث عن نخبتين اثنتين: النخب الحاكمة، وهي نخب مستفيدة من بقاء النظام وتسعى لحمايته، وهي بحسب (دوغلاس نورث)[vi] يعتمد عليها في التحول إلى النظام المنفتح، من خلال خضوعهم لسيادة القانون. ونخب المجتمع السياسي والمدني، وهي في غالبيتها ذات تعليم عال، ويلاحظ عليها ثلاثة أمور: صعوبة توظيف المشهد الإجتماعي في الصراع السياسي، ضعفها في مواجهة الدولة المتضخمة، وأخيراً تمسكها بالصورة الصلبة من الديموقراطية، والمرتبطة باليبرالية كما صكت في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، في حين يمكن فصلها عن المنهج الليبرالي بما يتوائم مع الواقع والثقافة المُعاشة.

سادساً: اشكالية التنظيم: تأتي بسبب غياب الطبقة الوسطى العاملة، وبالتالي تتراجع ظاهرة الحركات، التي تنشأ بسبب حاجة ملحة يجب حلها، من خلال علاقات الإنتاج.

سابعاً: نقمة النفط: أتاح النفط للنظام القدرة على إعادة تشكيل المجتمع، وتقسيم الموارد مع مستفيدين بما يعيق أي تحول.

ثامناً: عدم القدرة على الردع: ويأتي ذلك بسبب غياب الحالة الصراعية، التي تجبر الدولة على الاستجابة لبعض مطالب الإصلاح، وليس المقصد هنا العنف وإنما إمتلاك القدرة عليه.

في الختام، لم تكن الديمقراطية كمطلب مجرد مطلب تأمين للرفاهية في العالم العربي، ودول الخليج ليست استثناءاً. لو كان مطلب الديمقراطية يقتصر على مفهوم “الرفاهية” لكان بالإمكان صناعة حلول تدريجية لقضايا الفساد والمشكلات المجتمعية، والتاريخ يؤكد أن الألية الوحيدة لعلاجها تأتي بسياسات المكاشفة والمراقبة، وهي آليات ديموقراطية دون شك.

 التحول الديموقراطي متعثر في الدول العربية عموماً، ونجد أن غالبية التحديات التي تواجه المجتمع الخليجي في مسألة التحول الديموقراطي مشتركة مع بقية العالم العربي، مع فارق القدرات المالية في دول الخليج، ليس أكثر.

[i] جونستون, ه. (2018). الدول والحركات الإجتماعية. المركز القومي للترجمة.

[ii] Larry Diamond, Developing Democracy: Toward Consolidation, The John Hopkins University Press, Baltimore and London,1999.p167.

[iii] خالد الخاطر، تحديات انهيار أسعار النفط والتنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون  لدول الخليج العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات2015.

[iv] احمد تهامي، السياسة المقارنة، الوادي للثقافة والإعلام 2017،ص73.

[v] عمار حسن، الخيال السياسي، عالم المعرفة 2017.ص33.

[vi] دوغلاس نورث وآخرون، في ظل العنف، عالم المعرفة 2016.ص31.