السلطة » خلافات سياسية

هكذا كشف "العصفور الأزرق" الخلافات الإماراتية الداخلية

في 2019/09/02

الخليج أونلاين-

منذ سنوات تتحدث تقارير صحفية غربية عن خلافات إماراتية داخلية خاصة بين حكام العاصمة السياسية أبوظبي وقادة الإمارة الاقتصادية دبي وغيرها من الإمارات، حتى وإن حاول الطرفان إظهار عكس ذلك في الفعاليات الوطنية والمناسبات العامة والمؤتمرات الخارجية.

وكثيراً ما تحدثت وسائل الإعلام عن هيمنة أبوظبي، وخاصة ولي عهدها محمد بن زايد، على القرار السياسي بعيداً عن الإمارات الست، وسط امتعاض شديد من حاكم دبي ورفاقه من "المغامرات غير المحسوبة" لـ"حاكم الإمارات الفعلي".

تلك الخلافات والأزمات الداخلية طفت على السطح في الآونة الأخيرة، ولم يعد بالإمكان إخفاؤها أكثر، خاصة مع انكشاف الأهداف الحقيقية من تدخل الإمارات في الحرب اليمنية، منذ أكثر من 4 أعوام ونصف العام، وغيرها من الملفات الشائكة في المنطقة.

"العصفور الأزرق"

محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يشغل جملة من المناصب السياسية، من بينها نائب رئيس الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم دبي، شن هجوماً ضارياً على المغردين الإماراتيين "مثيري الجدل"، والمحسوبين في الوقت ذاته على بن زايد، وفق ما تُظهر تغريداتهم.

وقال "بن راشد" في رسالة بمناسبة العام الهجري الجديد: "العبث والفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي تأكل من منجزات تعبت آلاف فرق العمل من أجل بنائها".

وأكد حاكم دبي، في رسالته التي نشرها على حسابه الرسمي بموقع التغريدات القصيرة"تويتر"، أن "سمعة دولة الإمارات ليست مشاعاً لكل من يريد زيادة عدد المتابعين".

وفي إشارة منه إلى "العبث الحالي في منصات التواصل الاجتماعي" أكد حاكم دبي أن "لدينا وزارة للخارجية معنية بإدارة ملفاتنا الخارجية، والتحدث باسمنا، والتعبير عن مواقفنا في السياسة الخارجية للدولة، وإحدى مهامها الأساسية أيضاً الحفاظ على 48 عاماً من رصيد المصداقية والسمعة الطيبة".

وشدد على أنه "لن نسمح أن يعبث مجموعة من المغردين بإرث زايد الذي بناه لنا من المصداقية وحب واحترام الشعوب"، مشيراً إلى أن "صورة الإمارات والإماراتي لا بد أن تبقى ناصعة كما بناها وأرادها زايد".

رسائل بن راشد

ولم يكتفِ "بن راشد" برسالته هذه؛ بل أعلن عقب اجتماع مجلس الوزراء بقصر الرئاسة (الأول من سبتمبر 2019)، توجيه المجلس الوطني للإعلام بـ "ضبط وسائل التواصل الاجتماعي ووضع معايير عالية لمن يدافع عن الوطن، تخاطب العقول وتكسب العقول، وتعزز من رصيد دولة الإمارات عربياً ودولياً".

رسائل "ثاني أرفع مسؤول في الإمارات" اعتبرها مراقبون موجهة إلى المغردين المقربين من ولي عهد أبوظبي، على غرار حمد المزروعي ورجل الأعمال خلف الحبتور، فضلاً عن المسؤول الأمني البارز ضاحي خلفان، حيث ينشط هؤلاء على الشبكات الاجتماعية لتلميع صورة "بن زايد" ومهاجمة من ينتقده من دول وأحزاب وحركات ونشطاء.

هجوم معاكس

رسائل "بن راشد" لم تمر مرور الكرام لدى الطرف الآخر؛ إذ سرعان ما غرد أصحابه عبر "العصفور الأزرق" بلهجة ساخرة وتهكمية على مطالب حاكم دبي، ما أظهر بوضوح حجم الخلافات الداخلية بين حكام الإمارات وعدم القدرة على السيطرة عليها واحتوائها، خاصة في ظل التطورات المتلاحقة في الدول العربية، التي تعرف تدخلاً إماراتياً واضحاً على غرار مصر وليبيا واليمن وغيرها.

وزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد، قال عبر حسابه في "تويتر": إن "التغريد من أجل الوطن يزيده و لا ينقصه"، واصفاً إياه بـ"المهمة النبيلة"، قبل أن يختتم تغريدته بـ"شكراً محمد بن راشد".

أما ضاحي خلفان، المثير للجدل دائماً، فبدا وكأنه يعارض علناً حاكم الإمارة التي يعمل فيها نائباً لرئيس الشرطة والأمن العام، ولم يكتفِ بذلك؛ بل نشر تغريدة تهكمية حملت هجوماً مبطناً وأنهاها بالقول: "نحن في أمر حكومتنا".

وقال "خلفان" في التغريدة، التي رصدها "الخليج أونلاين"، قبل حذفها لاحقاً: "لو كان هذا المطلوب.. أنا شخصياً أعتذر لتنظيم الإخوان ولعزمي بشارة وفيصل القاسم وجمال ريان وللحمدين.. ولكل التنظيمات الإرهابية التي شنت حملات تشويه مسمومة ضد الإمارات.. أعتذر للحوثيين ولكل من أساء إلى الإمارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

ضاحي خلفان

أما "المزروعي" فقد رفض بشكل عملي توجيهات حاكم دبي، عندما شتم الرئيس اليمني في تغريدة بعد ساعات فقط، بأبذأ الألفاظ، ما أثار استغراب متابعين حول سبب عدم امتثال هؤلاء الموظفين لتعليمات نائب رئيس الدولة، والتمرد عليها بشكل سافر.

كما تُطرح تساؤلات حول من يقف خلف هذه الشخصيات التي تجرأت وتحدت علناً رئيس الوزراء الإماراتي، فضلاً عمن هو صاحب المصلحة في إظهار عدم الاستجابة لـ "ثاني أرفع مسؤول إماراتي"، وسط اتهامات موجهة لـ"بن زايد".

لغة إماراتية هابطة

ويستخدم نشطاء الإمارات الفاعلون في منصات التواصل لغة هابطة بعيداً عن الدبلوماسية والحوار الهادف والنقاش البناء؛ إذ غالباً ما يعتمدون على سياسة "الأرض المحروقة"، وتلفيق الاتهامات والشتائم والسباب للهجوم على معارضي سياسات "بن زايد" خاصة، على الصعيدين الإقليمي والعربي.

ويتضح ذلك بشكل كبير في أسلوب المغرد الإماراتي حمد المزروعي، الذي يقود حملات منظّمة في وسائل التواصل الاجتماعي ضد الثورات العربية، ويدعم التطبيع مع "إسرائيل"، ويهاجم قطر وتركيا والكويت وسلطنة عُمان ودولاً أخرى، ولا يهدأ حسابه من الإساءة إلى الدين الإسلامي والعلماء.

ويقول صحفيون وكُتاب ومسؤولون، لا سيما في دول الخليج، إن "بن زايد" يستخدم حساب المزروعي للتغريد على "تويتر" في كثير من الأحيان لإيصال رأيه وموقف أبوظبي في الكثير من الأحداث والأزمات التي تعصف بالمنطقة.

أزمات وخلافات حادة

وتسببت الحروب والتدخلات الإماراتية بالشرق الأوسط في وقوع الإمارات، وهي البلد الاتحادي، بأزمة اقتصادية واجتماعية داخل الدولة الواحدة، خاصة أن معظم حكامها "لا يتفقون مع سياسات ولي عهد أبوظبي".

وانتهج بن زايد سياسة التدخل في شؤون الدول العربية، وسعى من خلال أموال بلاده إلى فرض واقع سياسي معين، كلف تلك البلدان كثيراً من الدماء، وتسبب في أزمات سياسية خانقة، وتدهور الوضع الاقتصادي على نحو غير مسبوق، وهو ما انعكس سلباً على بلاده أيضاً.

وخلافاً لما عُرفت به الإمارات بالحياد والاكتفاء بالدور الإنساني منذ تأسيسها في 2 ديسمبر 1971، تخلت عن ذلك بعد تدهور الحالة الصحية لرئيس البلاد، خليفة بن زايد، في الأعوام الثمانية الأخيرة، وسلكت نهجاً مختلفاً يرتكز على التدخل في شؤون الدول العربية، حتى وصل الأمر إلى تهديد وحدة البيت الخليجي، من خلال افتعال الأزمة الخليجية، وما تبعها من حصار قطر في 5 يونيو 2017.

وتقضي المادة (45) من دستور الإمارات بأن محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، هو نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء؛ أي إنه الحاكم الفعلي في حال عدم قدرة رئيس الدولة على ممارسة الحكم، لكن ولي عهد أبوظبي هو من يظهر للعالم استحواذه فعلياً على القرار السياسي الإماراتي.

وتؤكد تقارير غربية أن حكام معظم الإمارات السبع يرون أن سياسات بن زايد تدمر بلادهم، لكنهم يخشون من التحدث ومواجهة تلك الحقائق؛ خشية أن يستخدم ولي عهد أبوظبي سلطاته للإطاحة بهم.