دول » دول مجلس التعاون

مُتخيّلات الهوية لدى “الهوله” في الخليج

في 2019/09/04

عباس المرشد- البيت الخليجي-

يشيع بين سكان مجتمعات الخليج لفظ” الهوله” إشارة إلى السكان المنحدرين من أصول فارسية. يؤكد بعض الهوله أن أصولهم العليا عربية، بل إن إطلاق تسمية الهوله يعود إلى تحولهم وارتحال أسلافهم العرب إلى الساحل الإيراني ثم عودتهم إلى مواطنهم الأولى في دول الخليج العربي.

شهدت السنوات الأخيرة ظهور عدة مؤلفات تهتم بملف “الهوله” في دول الخليج العربي، وسعت تلك المؤلفات إلى إعادة الاعتبار “للهوية الهولية” -إن صح التعبير-.
تجادل تلك المؤلفات في أصول اشتقاق التسمية وتبحث في بطون التاريخ عن الظهور للأول لتسمية الهوله الذي يعود إلى نهاية القرن الثامن عشر تقريبا. نصوص أبحاث الهوله في الخليج تحاول وتجتهد في تأسيس مُتخيل هوية عربية لتلك الجماعات التي وجدت على الساحل الإيراني ثم ارتحلت إلى ضفاف الدول العربية.
بعيداً عن شرعية البحث عن متخيل الهوية، ومدى اتساع مجاله وحدوده، تُثيرُ العملية نفسها التساؤل حول مدى الحاجة إلى هويات فرعية في ظل وجود هويات وطنية يُفترض أن تكون قادرة على تلبية حاجات أولئك المُنطوين تحت نفوذها. هل إن الهويات الوطنية التي تأسست مع ظهور بيروقراطية الدولة الحديثة في منطقة الخليج العربي في عشرينات القرن الماضي وصلت لذروة فشلها في احتواء الحاجات المختلفة للأفراد، وبالتالي، يُشكل البحث عن متخيلات أخرى بحثًا مشروعًا عن طمأنينة – لأفراد وجماعات – عجزت الدولة عن توفيره لهم؟ أم إن الإشكالية تقع تحت بنود وعناوين أخرى، من بينها تصاعد صراع الهويات في مجتمعات الخليج العربي، في ظل سيطرة هوية بدوية قبلية احتكارية أفقدت الهوية الوطنية بريقها بل حولت الهوية الوطنية إلى بيرق وراية حرب ضد الهويات الأخرى؟

لا ينبغي الاتكاء على تفسير واحد خوف الوقوع في فخ شمولية مخلة، بيد أن أحد أهم الأسباب المحتملة لا يجد فرصة للظهور والتداول، وكثيرا من يتم حجبه، الأمر الذي يثير علامات استفهام وازنة حول أسباب ذلك. مثير للاهتمام ذلك التزامن بين تشكيل هذه المتخيلات وتصاعد التوتر الطائفي في الخليج، وبالأخص مسألة العداء والبراءة من إيران والأصول الفارسية لشرائح معتبرة من مواطنيها. وهذه واحدة من أخطر تداعيات سقوط بغداد في 2003م حيث برز خطاب “قومي” أعاد “الشعوبية” من رفاتها، وأصبح من السائد وصم الجماعات الشيعية بأنها امتداد للصفوية وطابور خامس إيراني، فضلا عن إعادة الصراع الفارسي “المجوسي” العربي إلى الواجهة.

هذا التزامن يثير علامة ريبة وشك ليس في إمكانية تشكيل متخيل هوية الهوله الجديدة فقط، بل إمكانية التوظيف السياسي للعرقية الفارسية والتنكر للأصول بحثًا عن أصول جديدة.
أشهر تعريف لفئة الهوله ذكره لوريمر في كتابه دليل الخليج حيث ذكر في تعريف الهوله “مفردها هولي، وهم طبقة من العرب السنيين الذين يقيمون في البحرين والحسا وقطر وساحل عمان وجزيرة صري، وكانوا يقيمون لسنوات وربما لأجيال عديدة على الساحل الإيراني من الخليج ثم عادوا أفرادا وجماعات الى الساحل العربي، ولم يكتسبوا اسم “الهوله” لدى إقامتهم في ايران، بل هو لقب أطلقه عليهم العرب عندما عادوا للعيش بينهم مرة أخرى”. الملفت في بعض المؤلفات الحديثة حول الهولة هو الإدعاء بأن ثمة هولة “أصليين” ينحدرون من 9 قبائل (أماكن ومواطن استقرارهم معروفة) قبالة هوله “مستجدين” ينسبون أنفسهم للهوله، في حين أنهم إيرانيون سُنة هاجروا من ايران إلى الساحل العربي.

هذا التفريق في الانتساب للهوية الهولية يحمل دلالات اجتماعية مهمة يؤكدها ما ذهب إليه سلوت في كتابه عرب الخليج من أن اسم هوله كان يستخدم خلال القرن الثامن عشر بمفهوم مختلف تماماً عما هو عليه الآن. فالهوله في القرن الثامن عشر كانوا عرباً سنة، يرتبطون بعاداتهم ومبدأ حريتهم ارتباطاً وثيقاً. وهم الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية إلى ساحل بلاد فارس في منطقة الخليج. أما في الوقت الحاضر، فإن اسم هولة يستخدم في دول الخليج لكل جماعات المهاجرين من ساحل إيران الجنوبي والذين لا يمتون إلا بصلة ضئيلة بالهوله “الأصليين”.

لا يمكن التأكيد على عروبة كل الهوله في دول الخليج العربي لعدة أسباب من بينها أن هجرة الهوله من إيران إلى الدول العربية لم تكن هجرة جماعية كاملة، بل هجرة أفراد وعائلات، وهو ما أفقدهم عصبيتهم القبلية التي كانوا يتمتعون بها وقت حكمهم، فنزحوا لدول الخليج كأفراد تحت ذرائع عديدة من بينها ذرائع اقتصادية.
في الفترة التي تلت كتابة لوريمر دليل الخليج تزايدت الهجرة الإيرانية الى دول الخليج العربي، إما هربًا من الحكم البهلوي القاسي، أو استكمالًا للهجرات الواسعة التي شهدتها إيران نهاية القرن التاسع عشر بعد موجات الجفاف والترهل الاقتصادي حيث التحقت العائلات الإيرانية بأبنائها المهاجرين قبل ذلك. من جانب أخر ساهم التشبيك المذهبي في تسهيل اندماج هؤلاء الهوله مع المجتمعات السنية “الشافعية” وإقصاء الإيرانيين الشيعة “العجم” من الاندماج.