خاص الموقع

التحول السعودي نحو البؤس

في 2019/09/05

فؤاد السحيباني- راصد الخليج-

ثلاث شهور تفصلنا عن العام الجديد، 2020، وهو تاريخ حُدد مسبقًا لتطبيق المرحلة الأولى من خطة شاملة لإصلاح وإعادة هيكلة اقتصاد المملكة، تحت لافتة براقة هي "التحول الوطني 2020".. ومنذ إعلانها بجوار "رؤية 2030" تجتهد كل قطاعات الدولة لتطبيقها، ونسب منجزاتها لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وللتذكير فقد كان رئيسًا لمجلس الشؤون الاقتصادية وقت إعلان الرؤية والخطة.

والفترة الباقية قصيرة للغاية لحصول تغيير كبير، أو حتى غير متوقع، وبالتالي فإنه من المفترض –والمنطقي أيضًا- أن تكون خطة التحول قد تحققت على أرض الواقع، وظهرت للعيان، وبدأت تؤتي ثمارها، التي تحدث عنها الأمير ومعاونوه، مقابل ما عانته الغالبية الساحقة من السكان، في سبيل إعادة توجيه موارد المالية العامة، وتوجيهها بشكل أفضل، لتحقيق الفكرة الرئيسة للعبور إلى عالم ما بعد النفط، وما يرتبط به من تغيرات، وتقليل اعتماد الموازنة العامة على البترول ومشتقاته، الناضبة حتمًا.

التقرير السنوي لشبكة "بلومبوج"، المختص بترتيب دول العام وفقًا لمؤشر البؤس الاقتصادي، شهد دخول المملكة ضمن العشر دول الأولى، الأكثر بؤسًا، في سابقة مروّعة، إذ تفوقت السعودية على أفقر الدول العربية، وسبقت مصر والأردن ولبنان والمغرب، الدول التي تعاني من خطط إصلاح اقتصادي مفروضة فرضًا من المقرضين الدوليين، وتزيد ديون بعضها عن ناتجها المحلي الإجمالي!

ومؤشر البؤس هو أحد أهم القياسات الاقتصادية السنوية، التي تقدمها "بلومبرج"، وبنيت فكرته الرئيسة على قياس نسبتي البطالة والتضخم، كأكثر المؤشرات الاقتصادية تماسًا مع المواطن العادي، وعصفًا بأيامه، والمملكة شهد نسبة تضخم –خلال 2018- لامست الـ 13%، وهي نسبة مخيفة، لم تصلح معها مسكنات الوزارة نهائيًا، رغم الإعلان عن توفير وظائف حكومية بشكل مباشر، لمحاولة امتصاص قوة العمل المتعطلة، ما أدى إلى تراجعها بشكل طفيف، مطلع العام الحالي إلى 12.5%.

ويضيف عجز القطاع الخاص عن توفير فرص عمل، المزيد من الزيت على توقعات نسب البطالة في المستقبل، إذ انخفض عدد المواطنين العاملين فى القطاع الخاص بنسبة 2% خلال العام الماضي، كتأثير للركود الاقتصادي غير المسبوق، مع تعثر مبادرة "السعودة"، حيث يترك الوافدون الشركات، دون إحلال عمالة وطنية، وتزيد شكوك النمو مع الأوضاع السياسية، التي تلقي بظلالها على قدرة عدد كبير من الشركات على الاستمرار في السوق العربية الأكثر استهلاكًا.

أما عن السبب الثاني لإدراج المملكة في مؤشر البؤس، التضخم، الهاجس الأول لأغلب المواطنين، ممن باتوا يعانون القرارات الاقتصادية غير المفهومة، وغير المبررة، والتي تضرب كصاعقة، وتترك الناس بعدها سكارى وما هم بسكارى، لم يفهم ولي العهد الدرس الأول للحكم، أن تحكم لا يعني أن تتسبب في معاناة الغالبية الواضحة من مواطنيك، لقاء مشروعات إنشائية، لن تضيف لأي منهم على المستوى الشخصي، ولم يخبره أحد من دائرته الضيقة -ضيقة الإمكانات والفكر- أن الاقتصاد ليس علم زيادة الالتزامات وتقييد موازنة الدولة بمباني عملاقة، بل هو علم إدارة الموارد المحدودة للوصول إلى المنفعة، وهو ما تتجاهله التقارير والخطط كافة.

الغريب أن برنامج "التحول الوطني 2020"، والتي تركز على إعطاء القطاع الخاص الدور الأكبر في قيادة الاقتصاد ظهر واضحًا فشلها مع تراجع نمو القطاع غير النفطي بأكمله، إذ سجل نمو القطاع غير النفطي نسبة 0.6%، بينما نما نشاط القطاع الخاص بمعدل سنوي قدره 0.4% فقط، وهي نسب كارثية لبلد يقول إنه ينتقل لعصر تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد الكامل على النفط.

وتظهر الأرقام السابقة، أيضًا، نقطة محورية في قصة الإصلاح التي يقودها ولي العهد، وهي أن تراجع نمو القطاع غير النفطي مرتبط بشكل وثيق بتراجع أسعار النفط، أي أن الإنفاق الحكومي وارتفاع الطلب نتيجة زيادة الدخل النفطي هي الدافع الأول والأهم والوحيد لنمو القطاع غير النفطي!.

باختصار فإن تحقيق الرفاهية للمواطن والبلد، غير منتظر بالشروط الحالية للقيادة، ففي أبسط تعريفات عالم الاجتماع الإنجليزي الأشهر "توماس مارشال" لدولة الرفاهية، في نظريته المعنونة بـ "المواطنة والطبقة الاجتماعية"، يقول إنها خليط محدد من الديمقراطية، الرفاهية، الرأسمالية، وتتبع الدولة فيها عملية تحويل موارد مالية من الموازنة إلى إمداد المواطنين بالخدمات الصحية، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، وكذلك خدمة المواطنين على نحو مباشر، بما يضمن كفاءة الوصول بالخدمات إلى أضخم عدد ممكن وبأفضل صورة.

فهل تتمتع القيادة بالحس السليم، ونجد مطلع العام المقبل وقفة للمحاسبة، ومراجعة الطريق الذي بتنا نسير فيه، بلا هدى ولا وعي، أم نستمر في استنزاف صبر المجتمع وقدرته على تحمل المشاق، في سبيل رضا الغرب.