علاقات » اوروبي

الرياض تبحث بقبرص عن مخرج لأزمة خاشقجي.. هكذا ردت أنقرة

في 2019/09/13

الخليج أونلاين-

تصاعدت في الأيام الأخيرة حدة الخطاب الإعلامي بين تركيا والسعودية، وإن كانت تبدو "استفزازية" و"انفعالية" من جانب الرياض، خاصة مع اقتراب الذكرى الأولى للجريمة البشعة التي وقعت في إسطنبول وراح ضحيتها الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وهزت أركان المجتمع الدولي، ولاقت استنكاراً وتنديداً واسعَين.

وكان خاشقجي قد تعرض لعملية قتل مروعة بقنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية (2 أكتوبر 2018)، نفذها فريق اغتيال من المخابرات السعودية، أتى من الرياض خصوصاً من أجل تلك المهمة، ونجحت الاستخبارات التركية في كشف المخطط، وهو ما شكَّل ضربة قوية للسعودية، وولي عهدها محمد بن سلمان، الذي يُعد حاكمها الفعلي.

ومنذ تلك اللحظة، وجدت الرياض نفسها في موقف الضعيف العاجز عن القيام بأي رد فعل، في ظل انكشاف المخطط الذي وضعته السعودية، وافتضاح أمر القائمين عليه، حتى طالت الاتهامات بن سلمان، بحسب المقررة الأممية المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام الفوري والتعسفي، الفرنسية أغنيس كالامار.

كما خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، في نوفمبر 2018، إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو نفسه مَن أمر بقتل خاشقجي، رغم نفي السلطات الرسمية.

خطوات متسارعة

قرأ مراقبون اهتمام وسائل الإعلام التركية، خاصةً المقربة من السلطات الحاكمة، بملف خاشقجي، وعودة الحديث عن عملية القتل وفريق الاغتيال، وكشف معلومات جديدة، بأنه محاولة جدية من أنقرة لفتح الملف مجدداً على الساحة الدولية، بعدما وُضع داخل الأدراج بتواطؤ من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وعلى مدار الأيام الماضية، كشفت صحيفة "صباح" التركية عن تسجيلات جديدة لمحادثات أعضاء فريق اغتيال خاشقجي، قبل ارتكاب الجريمة وفي أثنائها، كما كشفت اعترافات "كتيبة الإعدام".

محمد بن سلمان وفريق الاغتيال

وفي التفاصيل؛ دار حديث بين ماهر المطرب والطبيب الشرعي صلاح الطبيقي لتقطيع جثة خاشقجي، قبل وصوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، وتحدثا عن كيفية توزيع أجراء الجسد على أكياس بلاستيكية.

كما كشفت الصحيفة التركية عن اسم الفريق "منصور أبو حسين"، وهو المسؤول عن إدارة ثلاثة فرق ضمن "كتيبة الإعدام"؛ وهي: فريق التخابر، وفريق الإقناع والتفاوض، وفريق الدعم اللوجيستي، وقد أسسها أحمد العسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودية، الذي أُقيل لاحقاً.

وأوضحت أن العسيري تنصَّل من مسؤولية القتل، زاعماً أنه أمر فقط بإحضار خاشقجي بالإقناع؛ وهو ما يتناقض كلياً مع إفادة "أبو حسين"، الذي قال إن الأول طلب منه إحضار الصحفي المغدور حتى باللجوء إلى القوة.

ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة، إلى محاسبة كل الضالعين في قتل خاشقجي من "أعلى الهرم إلى أسفله"، وإلى ضرورة عدم تغييب القضية عن الأجندة الدولية.

وكشف مطلع يوليو 2019، أن بعض الأشخاص يدفعون أمولاً طائلة لدفن قضية خاشقجي، دون أن يحدد هوية هؤلاء، داعياً ولي العهد السعودي إلى الكشف عن قتلة الصحفي، الذي قُتل بطريقة مروعة وقُطعت جثته، ثم تم التخلص منها حرقاً، كما كشف وثائقي بثته قناة "الجزيرة" القطرية.

تحرُّك موازٍ

إعادة فتح الملف، الذي بات يُطارد بن سلمان في لقاءاته كافة إقليمياً ودولياً، أزعجت الرياض بشدة، خاصة أن محاولات سعودية تجري على قدم وساق لإغلاق القضية، وإسدال الستار على هذا "الكابوس"، الذي يؤرق الملك المنتظر للسعودية.

بدوره أجرى وزير الخارجية السعودي، إبراهيم العساف، زيارة لقبرص (11 سبتمبر 2019)، وأعلن صراحةً دعم بلاده لما سماه "مشروعية قبرص وسيادتها"، وهو ما بدا انحيازاً تاماً إلى قبرص اليونانية في نزاعها مع تركيا بشأن مستقبل الجزيرة المقسَّمة، فضلاً عن التنقيب عن الغاز في شرقي البحر المتوسط.

وهذه الزيارة هي الأولى لوزير خارجية سعودي منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وتأتي بعد أسبوع من تعيين أول سفير للمملكة في جنوبي قبرص، حيث قدَّم خالد بن محمد الشريف أوراق اعتماده إلى رئيس إدارة قبرص، نيكوس أناستاسياديس.

ومنذ تعيينه وزيراً للدبلوماسية السعودية، أواخر العام الماضي، لم يظهر العساف في مؤتمرات صحفية كثيرة، كما أسند مهام كثيرة إلى سلفه عادل الجبير، الذي أصبح وزير دولة للشؤون الخارجية، وهو ما يعني أن ظهوره شخصياً في قبرص يحمل دلالات كبيرة ورسائل تريد الرياض إيصالها إلى أنقرة، وفق محللين.

وأبدى المسؤول السعودي رغبة بلاده في تحسين العلاقات مع الشطر اليوناني من جزيرة قبرص، بسبب "موقعها الجغرافي"، في حين ركز نظيرُه القبرصي على أهمية التعاون الثنائي في مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة والأمن والدفاع.

ومنذ 1974، تعيش جزيرة قبرص انقساماً بين شطرين: تركي في الشمال ورومي (يوناني) بالجنوب. وفي 2004 رفض القبارصة الروم خطة قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة.

وفي أول ردّ فعل تركي، تساءل مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، ياسين أقطاي، عن مصلحة السعودية في تأسيس علاقات مع الشطر الجنوبي من قبرص، مشدداً على أن زيارة العساف تتعارض مع "أواصر الصداقة".

وقال أقطاي في تصريحات لقناة "TRT عربي": إن هذا "تحدٍّ لا يليق بالمملكة، التي ننتظر منها مواقف أكثر عقلانية"، مؤكداً في الوقت ذاته أن تركيا ليست عدوة للسعودية.

وناشد مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السعودية أن تكون "حريصة على مصالح المسلمين"، و"هو ما لا نراه في سياستها الخارجية".

وشدد على أن من حق تركيا "المطالبة بإقامة العدالة فيما يتعلق بجريمة قتل خاشقجي".

سياسة نكايات

من جانبه، رأى الباحث والمحلل السياسي علي باكير، أن خطوة الرياض ربما يكون لها علاقة من ناحية التوقيت بإعادة فتح ملف خاشقجي من جديد، وإعادة نشر إفادات المتهمين.

وبيّن، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن "السعودية تحاول تجاوز تبعات هذا الملف على المستوى الدولي ولا ترغب بإثارته مجدداً. من هذا المنطلق قد تكون الزيارة مرتبطة بالحدث مع العلم أن الزيارات من هذا النوع عادة ما تتم في الغالب بعد استعدادات مسبقة".

وتابع باكير قائلاً: "لا شك أن الجانب التركي ينظر إليها على أنها خطوة استفزازية، وحتى ولو لم يكن يفكر بهذه الطريقة فقد تعمد الإعلام السعودي إظهارها بهذا الشكل".

واعتبر في ختام حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن ما أسماها "سياسة النكايات" لا تضر إلا صاحبها فِي نهاية المطاف، "فدعم بعض المكونات الكردية في سوريا والعراق لم يسفر عن شيء، ولا دعم الصدر (رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر)، ولا دعم بعض المجموعات اليمنية، بل على العكس كان لها ارتدادات أثرت بشكل سلبي على المملكة ودورها وصورتها، وحتى على العلاقة مع جيرانها التقليديين".

احتفاء سعودي وتنديد تركي

وعلى الرغم من عدم إعلان الرياض أن الزيارة موجَّهة ضد أنقرة، فإن الأذرع الإعلامية من قنوات وصحفيين، أعلنتها صراحة حين وصفت زيارة العساف بأنها "قرصة لتركيا".

ودشن هؤلاء بمشاركة "الذباب الإلكتروني"؛ وهو جيشٌ مَهمته تلميع بن سلمان والترويج لسياساته ومهاجمة خصومه، وسماً على موقع التغريدات القصيرة حمل عنوان "السعوديون يدعمون قبرص"، ضمن سلسلة "وسوم" ظهرت في الأشهر الماضية، تُعادي تركيا وتحضُّ على عدم السفر إليها والسياحة بها، مدعومة ببيانات صادرة بين الفترة والأخرى عن السفارة السعودية في أنقرة تحمل الفكرة نفسها.

وتأتي الخطوة السعودية الجديدة في سياق سلسلة من الخطوات التي أظهرت "عداءً واضحاً لأنقرة"، على غرار دعم "قوات سوريا الديمقراطية"؛ وهي قوات كردية انفصالية تتركز شمالي سوريا، بالمال والسلاح والعتاد.

ورأى مراقبون خطوة الرياض "تحدياً للسلطات التركية"، التي تحارب تلك القوات وسبق أن هاجمتها في عملية "غصن الزيتون" (يناير 2018) وطردتها من عفرين، كما أنها تلوح بعملية أخرى شمالي سوريا لإنشاء منطقة آمنة، لعودة النازحين واللاجئين وإفساد مخطط القوات الانفصالية بتشكيل كيان مستقل مع الحدود التركية.

وفي منتصف يونيو 2019، زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، دير الزور والرقة، والتقى وجهاء في العشائر العربية والكردية بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، بهدف تقديم دعم إضافي لـ"قوات سوريا الديمقراطية".