تواصل » صحف ومجلات

من أعدم "الحياة" السعودية؟.. تحقيق لـ"الخليج أونلاين" يكشف المستور

في 2019/09/20

الخليج أونلاين-

"لن أترك حق أولادي"، بهذه الجملة بدأ أسعد التلحمي، مراسل صحيفة "الحياة" اللندنية في مدينة الناصرة المحتلة حديثه عن بداية معركته القضائية مع إدارة الصحيفة، بعد تنكرها لحقوقه المالية، وعدم صرفها لراتبه منذ 12 شهراً.

"الخليج أونلاين" يكشف في هذا التحقيق الأسباب الحقيقية وراء توقف صحيفة الحياة عن الطباعة والعمل على الموقع الإلكتروني أيضاً، وتحايلها على القانون البريطاني قبل اتخاذها هذه الخطوة، هرباً من ملاحقتها في القضاء بالعاصمة البريطانية، ودور أمراء الأسرة الحاكمة بالسعودية في القصة؟

توصل معد التحقيق إلى أن الأمير السعودي خالد بن سلطان، الذي يمتلك الصحيفة، قد نقل ملكيتها إلى الأمير فهد بن سلطان في عام 2013، حيث كان في حينها نائبه، وفق شهادات موثقة.

وتوقف الموقع الإلكتروني للصحيفة عن العمل والنشر منذ الرابع من سبتمبر الجاري، دون صدور أي موقف من إدارتها حول الأسباب التي دفعتها للتوقف عن الإصدار والنشر إلكترونياً.

وكانت أولى إرهاصات الأزمة قد ظهرت حين أعلنت الصحيفة توقفها عن الطباعة في يونيو 2018، ومجلة "لها" التابعة  للمؤسسة، دون الكشف عن وجود أزمة مالية، حيث أكدت أنها تحولت إلى "الإعلام الرقمي"، وستكتفي بموقعها الإلكتروني دون الصحيفة المطبوعة.

إعلان الإفلاس

يؤكد تلحمي أنه بدأ العمل مع صحيفة الحياة اللندنية عام 2001 ولديه وثيقة تثبت علاقة العمل الرسمية مع المؤسسة الصحفية، حيث كان يتلقى راتبه شهرياً بشكل رسمي من مكتبها في لندن.

ويقول تلحمي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "بدأت الأزمة تظهر في أواخر 2017، حين أعلنت الشركة المسجلة باسمها الصحيفة إفلاسها في لندن وبيع المكاتب والمقار، ودفع جزء من أموالها لعدد من الموظفين كمستحقات ورواتب".

السعودية

ويضيف: "اتضح فيما بعد أن إعلان الإفلاس هو خطوة للتحايل على القانون البريطاني من قبل إدارة الصحيفة بحيث لا يستطيع الموظفون العاملون في مكتب لندن التوجه للقضاء والمطالبة بحقوقهم بعد إنهاء عملهم".

ويوضح أن الصحيفة بعد إغلاق مكاتبها في لندن انتقلت إلى دبي في الإمارات، ومن هنا بدأت الأزمة المالية تظهر، حيث لم يتلقَّ أي موظف إداري أو صحفي أو مراسل يعمل مع "الحياة" أي راتب 12 شهراً متواصلة.

يبين مراسل الصحيفة السعودية في الناصرة أنه خلال ذلك العام كان يتلقى وعوداً من قبل زملائه الصحفيين فقط، ولم تصله أي رسالة واضحة من الإدارة العليا حول سبب تأخير راتبه، أو تضعه في أسباب الأزمة.

بعد عام كامل من فقدان تلحمي للأمل بتحويل راتبه له، قرر ترك العمل والتوقف عن إرسال أي مواد صحافية للصحيفة، والاتجاه إلى أحد المحامين لمقاضاتها قانونياً من أجل حصوله على مستحقاته المالية وراتب العام المتأخر.

يقول تلحمي لـ"الخليج أونلاين": "تكلفة رفع قضية قانونية في الإمارات ضد الصحيفة عالٍ، ونحن الآن 3 صحفيين عاملين معها في الأراضي الفلسطينية بدأنا بالتواصل مع محامين من أجل معرفة وضعنا القانوني، وكيف يمكننا أن نحصل حقوقنا المالية".

"سعودة" الحياة

والحياة اللندنية صحيفة لبنانية المنشأ، أسسها كامل مروة في بيروت عام 1946، قبل اغتياله داخل مكتبه في عام 1966، وعاودت الصدور ورقياً في لندن عام 1988، واشتراها الأمير خالد بن سلطان عام 1996، وبدأ تداولها في السعودية، وفي عام 2002، أطلقت الصحيفة موقعها على الإنترنت، وكانت توقفت الطبعة الورقية العام الماضي.

وخالد بن سلطان هو الابن الأكبر للأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وشغل منصب نائب وزير الدفاع إلى حين أعفي في 20 أبريل 2013، وهو أحد خريجي أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية، وهو الرئيس الفخري لنادي الشباب السعودي.

مالك جديد

فتحي صباح، مراسل صحيفة الحياة في قطاع غزة، يؤكد أنه لم يتلقَّ راتبه من شهر يناير 2018، أو "مكافأة نهاية الخدمة، أو مستحقاتنا المالية المنصوص عليها في القانون".

يقول صباح، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الصحيفة تركتنا وأسرنا من دون مجيب لطلباتنا ونداءاتنا، فيما تزداد حياتناً عُسراً وقهراً"، موضحاً أن إدارة الصحيفة عرضت عليه دفع مستحقاته المالية ولكن غير كاملة، ودون مكافأة نهاية الخدمة، وهو ما رفضه.

ولدى صباح معلومات عن أن شخصية إماراتية تريد شراء الصحيفة من الأمير السعودي فهد بن سلطان، مشيراً إلى أنه بدأ بإجراءات رفع دعوى قضائية في المحاكم الإماراتية للحصول على حقوقه المالية من إدارة الصحيفة.

حديث صباح أكده عبد الوهاب بدرخان، الكاتب السياسي الحالي في الصحيفة، وكان أحد مديري تحريرها في السابق، حيث قال: "توقف موقع الحياة في الخامس من أيلول (سبتمبر)، ولا شارة لعودته قريباً".

وبين بدرخان أن الصحيفة دخلت مرحلة انتقالية من مالك إلى آخر، وربما تعود لاحقاً برؤية مختلفة.

وكان العاملون في الصحيفة السعودية في مكتبها بالعاصمة اللبنانية بيروت دخلوا في إضراب عن العمل، حتى أُقفل مكتبها دون دفع رواتب أو مستحقات هؤلاء العاملين.

ووفق حديث بعض العاملين في الصحيفة فقد وصلت ديوانها المتراكمة، ومن ضمنها رواتب ومستحقات الموظفين، إلى قرابة الـ40 مليون دولار أمريكي.

التأكيدات والشهادات الموثقة التي سردها "الخليج أونلاين" أكدها مقدم برنامج "معالي المواطن"، علي العلياني، على قناة "إم بي سي" السعودية، مؤكداً أن "الحياة تلفظ أنفاسها الأخيرة".

وقال العلياني: "صحيفة الحياة هي غالية على قلوبنا، وهي كنز، ولكن تخيلوا 21 شهراً بدون رواتب لموظفيها، ووعود منذ 4 سنوات، والمستحقات لها نفس المدة ولم تدفع لأصحابها في مختلف المكاتب".

وبين أن بعض الموظفين في الصحيفة لجأ إلى القضاء وحكم لهم بالصرف، ولكن لم يدفع لهم ريال واحد من قبل إدارة الصحيفة، مشيراً إلى أن بعض الصحفيين منها تعرضوا للمساءلة القانونية والحبس بسبب تراكم الديون لهم.

وأشار إلى أن إدارة صحيفة الحياة وعدت موظفيها بصرف رواتبهم، وبيعها لحل الأزمة، ولكن تلك الوعود لم تتم حتى الآن.

تحايل على القانون

المستشار القانوني سلمان أبو دحروج يؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن خطوة الصحيفة المتمثلة في إعلانها عن إفلاسها من لندن، ثم مباشرتها للعمل في مكان آخر وهو الإمارات، يعد تحايلاً على القانون، وهروباً من دفع مستحقات موظفيها في لندن.

تقارير صحافية أكدت أن إدارة الصحيفة اللندنية بدأت مفاوضات منذ أشهر مع مسؤولين في الإمارات لبيعها، وأوضحت أنه "في آخر جولة تفاوض أوشك الطرفان على عقد صفقة، لكن اتصالاً جاء من الرياض أوقف كل شيء".

وذكرت بعض المصادر الإعلامية أن "وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، هاتف المسؤولين الإماراتيين المعنيين بالتفاوض، وأعلمهم برغبة المملكة بالمشاركة في الصفقة، بدون إيضاح تفاصيل المشاركة".

اتهامات لبن سلمان

وسائل إعلامية تداولت معلومات تفيد بأن الأزمة التي تعيشها صحيفة الحياة يقف وراءها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خاصة بعد الحملة التي قادها ضد الأمراء ورجال الأعمال في المملكة قبل أكثر من عامين.

وأكد بعض العاملين أن بن سلمان يريد الاستيلاء على الصحيفة والسيطرة عليها بشكل كامل، وصولاً إلى إغلاقها كما حصل مع قناة "العرب" التي كانت مملوكة للأمير الوليد بن طلال وكانت ستبث من العاصمة البحرينية المنامة.

وبين الأزمة المالية للصحيفة وصراع الأمراء في الأسرة الحاكمة في السعودية، يبقى المئات من العاملين في "الحياة" بلا حقوق مالية أو توضيح من إدارتهم حول ما يحدث.