اقتصاد » احصاءات

توابع اغتيال خاشقجي لا تزال تهز الشرق الأوسط

في 2019/10/03

الغارديان-

في منطقة متأقلمة إلى حد بعيد مع الممارسات الوحشية، فإن مقتل "جمال خاشقجي" قبل عام، ترك أثرا استثنائيا، فقلما شهد التاريخ الحديث فيها توابع مماثلة نتيجة وفاة رجل واحد.

عندما دخل المنشق السعودي والكاتب إلى قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت السعودية تستمتع بلحظات تواجدها داخل دائرة الأضواء العالمية، وقد بدأ زعميها الطموح برنامج إصلاح واسع النطاق وبدأ في الانتصار على المتشككين.

وبدأ زعماء العالم، بمن فيهم "دونالد ترامب" و"إيمانويل ماكرون"،  يحدثون صخبا ليظهروا إلى جانب "محمد بن سلمان"، الأمير البالغ من العمر 30 عاما، والذي جاء بوعد تغيير العالم.

هذا كله تغير في دقائق بعد دخول "جمال خاشقجي" إلى البعثة الدبلوماسية السعودية، حيث نصب فريق من القتلة التابعين للحكومة السعودية فخا لكاتب العمود والناقد للنظام السعودي، وذبحوه، وتم تسجيل تفاصيل الجريمة عبر أجهزة تسجيل زرعها جواسيس أتراك.

تم توثيق مجمل هذه الجريمة الوحشية، التي تم التخطيط لها على يد فرقة قتل مدعومة من الدولة، وواجهت العائلة المالكة تداعياته، وظلت هناك وصمة عار على جبينها حتى بعد مرور 12 شهرا، ورغم نفي ولي العهد المتكرر أن يكون قد أصدر أمرا شخصيا بقتل "خاشقجي".

توابع تلك الجريمة لا يزال تأثيرها يجتاح العواصم العربية وساحات المعارك في المنطقة، كما تركت المتاعب التي واجهتها السعودية تأثيرا عميقا على الصديق والعدو على حد سواء، فبعد عام على مقتل "جمال خاشقجي"، ظل "محمد بن سلمان" معزولا لدرجة كبيرة.

وتراجع الترحيب الذي حظي به وهو يقدم إصلاحاته ليحل محله الغضب والتجريم، فالمكانة الرفيعة التي حظيت بها المملكة بعد زيارة "ترامب" لها عام 2017، والتي أعادت واشنطن التي أدارها "أوباما" تجاه إيران إلى دعمها الافتراضي للسعودي، دفع تكلفتها الرئيس الأمريكي.

ورغم ذلك توقف حديث "ترامب" القوي مبكرا، فيما يتعلق بالدفاع عن السعودية، حتى عندما تعرضت منشآتها النفطية لهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ الشهر الماضي، واتهمت كلتا الدولتان إيران بالوقوف وراء الهجوم.

هذا الهجوم، الذي تصر السعودية وأمريكا أن القوات النظامية الإيرانية هي التي نفذته وليس الجماعات الحوثية الوكيلة عنها في اليمن، أدى إلى وقف نصف إنتاج النفط السعودي، وتراجع إمدادات النفط اليومية بنسبة 5%.

وتم وصف الهجوم بأنه عمل حرب وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يثير رد فعل أمريكي، لكن لم يحدث جزيئا بسبب تردد "ترامب" في إلزام القوات الأمريكية بصراع إقليمي آخر، وأيضا بسبب حسابات إعادة الانتخابات، ويعتقد أن من بين العوامل أيضا هي التداعيات المحتملة من خطوة الدفاع عن صديقه المشبوه.

في عيون خصوم السعودية، أخرج مقتل "خاشقجي" الأمير "محمد بن سلمان" عن مساره، وتناقضت مع مزاعم عائلته أنها الحامي لأكثر المناطق قداسة في الإسلام، والتي من خلالها يستمد آل سعود الكثير من شرعيته، فيما تدعي إيران وتركيا أيضا التحدث باسم الإسلام ولكل منهما أيد إقليمية أقوى.

وتركزت جهود الدعاية التركية على الحط من سمعة الأمير "محمد" لدرجة أنه لم يعد ينظر إليه على أنه وريث لعرش والده.

ومن خلال القيام بذلك، يعتقد الرئيس "رجب طيب أردوغان" أنه أضعف محورا معاديا له، الذي يتكون من الأمير "محمد"، وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، والرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي".

فيما يصطف على الجانب الآخر مع محور الرئيس التركي، أمير قطر وبقايا جماعة "الإخوان المسلمون"، التي يعيش عدد من قادتها الكبار في هذين البلدين.

ويظل "الإخوان المسلمون" يمثلون بعبعا لخصوم "أردوغان"، لكن هدفهم في إضعاف الإسلام السياسي بصفته قوة في المنطقة توقف بسبب خسارة السعودية لنفوذها الإقليمي.

وأصبح "خاشقجي"، الذي أعرب عن دعمه للاسلام السياسي، بما في ذلك مقالاته الأخيرة التي كتبها في صحيفة "واشنطن بوست"، محل اهتمام لمحور "أردوغان"، ولمن يرون أن إصلاحات ولي العهد السعودي ما هي إلا ستارا للاستحواذ على السلطة.

وبعد أن توارى عن الأنظار لفترة طويلة من السنة، وافق ولي العهد على إجراء مقابلتين قبل الذكرى السنوية لوفاة "خاشقجي".

وقال لـ"فرونت لاين"، الذي يعرض على قناة "بي بي إس" الأمريكية، إن القتل الذي حدث في ظل إدارته يجعله مسؤولا بالكامل عنه.

غير أن الادعاء بالمسؤولية الجماعية وليس الشخصية لم تسفر إلا عم نتائج ضئيلة لإرضاء أولئك الذين يطالبون أن يواجه الحاكم الفعلي للمملكة العدالة بسبب عملية القتل التي تم تحميل مسؤوليتها لـ15 رجلا من الرياض لقتل "خاشقجي".

واحد من أكثر مستشاري الأمير المخلصين "سعود القحطاني" وجهت له الولايات المتحدة أصابع الاتهام بأنه بالعقل المدبر للعملية وراء عملية قتل "خاشقجي"، ويواجه 5 من فرقة الاغتيالات المزعومة عقوبة الإعدام في الرياض.

 في السعودية تهيمن الأجندة المحلية على المناقشات، حيث نادرا ما تتم مناقشة قضية "خاشقجي"، بالمثل أيضا مصير المعارضين الآخرين الذي تحدوا الدولة وقبعوا في السجون مثل "لجين الهذلول" الناشطة في مجال حقوق المرأة التي تم سجنها خلال العامين الماضين، واتهمت بتقويض أمن الدولة.

يظل الكثير من السعوديين مترددين في التحدث علنا داخل البلاد، بل يخشون القيام بذلك في رحلاتهم للخارج.

وقالت سيدة سعودية في بيروت: "لقد تعلمنا من التجربة السورية.. سنحصل على الحريات التي تمنحنا إياها الدولة كلها، لايزال هذا أفضل من لا شيء".

وقبل 3 أشهر أعلنت الحكومة عن إلغاء قانون الوصاية على المرأة، والذي كان يحظر على المرأة اتخاذ العديد من القرارات الحياتية مثل الطلاق والسفر.. وغيرها.

إن جهود "محمد بن سلمان" لإعادة تغيير شكل المملكة بالطريقة ذاتها التي شكلت فيها الإمارات، وتأكيد الطابع الوطني لا الديني مستمرة، لكن استعادة صورته بصفته رجل دولة فشلت، وربما لن تتعافى صورته أبدا.

ويبدو أن جريمة قتل "خاشقجي" تظل يقينا رمزا يحدد مصير الوريث الشرعي للعرش السعودي، وستظل تهديدا للمصير الذي يراه لنفسه بعد وفاة والده البالغ من العمر 83 عاما.

وفي حين أنه ربما يتمكن من الفوز بالعرش، لكن محاولته للفوز بالمنطقة أصبحت غير مؤكدة إلى حد بعيد.