ملفات » قضية جمال خاشقجي

تحدي روايات وسائل الإعلام الغربية حول خاشقجي

في 2019/10/08

جورج كافييرو - لوب لوج-

تسبب القتل الوحشي لـ"جمال خاشقجي"، قبل عام من هذه الأيام، في أضرار جسيمة، وربما لا رجعة فيها، لسمعة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في الولايات المتحدة. ولم يعد ولي العهد يقوم برحلات إلى واشنطن، أو "وول ستريت"، أو وادي السليكون، وهي الأماكن التي كان، حتى العام الماضي، يلقى فيها الترحيب باعتباره المصلح الجديد والمخلص للحداثة في السعودية. كما أنه لم يعد قادرا على المجيء إلى أمريكا ومواصلة مقابلة المشاهير والمليارديرات، مثل "أوبرا وينفري" و"بيل جيتس" و"جيف بيزوس".

ببساطة، بسبب الدور المزعوم لـ"بن سلمان" في مقتل "خاشقجي" (وهو الدور الذي ينكره ولي العهد)، فقد أصبح الارتباط به ساما في واشنطن. وفي الشهر الماضي، ذكرت رئيسة مجلس النواب، "نانسي بيلوسي" أن قضية القتل هي أساس معارضتها لقيام الولايات المتحدة بأي عملية عسكرية ضد إيران ردا على هجمات 14 سبتمبر/أيلول على منشآت النفط السعودية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، رد السيناتور الجمهوري "ليندسي جراهام" على مقتل "خاشقجي" بالتأكيد على أن "بن سلمان" يجب أن "يذهب"، ووصف ولي العهد السعودي بـ"المجنون".

وخلال العام الماضي، تم نشر العديد من المقالات حول "خاشقجي" وحياته المهنية. ومن المهم أن نقيِّم ما مثله "خاشقجي"، ولماذا تم قتل هذا المواطن السعودي في قنصلية بلاده في إسطنبول. ووفقا للكثير من التقارير والتحليلات في الصحافة الغربية، كان "خاشقجي" من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية في العالم العربي.

وبعد 6 أيام من مقتله، كتب "ديفيد هيرست"، في صحيفة "الغارديان" أن "خاشقجي كان قلقا بشأن الأمور المطلقة، مثل الحقيقة والديمقراطية والحرية". وصرح "ديفيد إغناطيوس" بأن "خاشقجي" كان لديه "اعتقاد ناضج بأن الديمقراطية والحرية هي أفضل أمل للعرب لتطهيرهم من الفساد وسوء الحكم. ورأى أن "الحركة المؤيدة للديمقراطية"، المعروفة باسم "الربيع العربي"، عام 2011، هي "الحلم الذي أصبح حقيقة". وأشادت "كارين عطية"، محررة الرأي العام العالمي في "واشنطن بوست"، بزميلها السابق، قائلة إنه كان يتمتع "بالالتزام والعاطفة تجاه الحرية في العالم العربي". وفي يناير/كانون الثاني، ادعى "لورانس رايت"، في مقال لصحيفة "ذا نيويوركر"، أن الصحفي السعودي القتيل "كان يحلم بأن يكون العالم العربي خاليا من الطغيان والقمع".

ومع ذلك، يجب أن تبدو هذه التعليقات غريبة بالنسبة للمتحدثين باللغة العربية، الذين كانوا على دراية بعمل "خاشقجي" قبل اختياره الذهاب إلى "المنفى" ليقيم في "واشنطن العاصمة" في يونيو/حزيران 2017. وكما قال "أسعد أبو خليل"، الذي بدأ متابعة أعمال "خاشقجي" قبل عقود: "طوال معظم حياته المهنية، كان خاشقجي مناصرا متحمسا للاستبداد السعودي والإسلام السلفي". وفي الواقع، وفقا لـ "أبو خليل"، فإن المقالات التي كتبها "خاشقجي" باللغة الإنجليزية لصحيفة "واشنطن بوست" لم تكن تعكس حياته المهنية في الصحافة حتى عامه الأخير.

وتجدر الإشارة إلى أن "خاشقجي" عمل في كثير من النواحي كمتحدث رسمي بحكم الواقع للعائلة المالكة السعودية، قبل الانتقال إلى الولايات المتحدة عام 2017، لذلك لا يمكننا أن نكون متأكدين تماما من ماهية سياساته الحقيقية في وقت مبكر من حياته المهنية، أو كيف قد تكون قد تطورت مع مرور الوقت. ولا يمكننا أن نكون متأكدين من معتقدات "خاشقجي" الحقيقية، لكن استنادا إلى كتاباته وتعليقاته العامة، سيكون من المعقول أن نستنتج أنه لو كان يؤمن حقا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية للعرب، فقد عبر عن هذه الآراء بشكل علني فقط بعد مغادرته المملكة العربية السعودية.

وبالعودة إلى الثمانينيات من القرن الماضي، كان "خاشقجي" نفسه مغرما بالمجاهدين العرب المدعومين من السعودية في أفغانستان. وخلال تغطيته المضمنة لهؤلاء المجاهدين، بمن فيهم "أسامة بن لادن"، انضم "خاشقجي" إلى الكثيرين، ليس فقط في الرياض بل وأيضا في واشنطن، الذين قاموا بتمجيد التزام المجاهدين بمحاربة الشيوعية. وفي عام 1988، نشرت "عرب نيوز"، أحد تقارير "خاشقجي" حول جولته في أفغانستان، والتي صورت الصحفي السعودي مسلحا بسلاح بينما كان يرتدي الزي الأفغاني. وفيما بعد، أدان "خاشقجي" زعيم القاعدة "بن لادن" و"أجندته البغيضة". لكنه بدأ يفعل ذلك فقط في الوقت الذي طردت فيه الحكومة السعودية "بن لادن" من المملكة بسبب أنشطته المناهضة للحكومة، مما يشير إلى أي مدى كان "خاشقجي" مواليا للنظام السعودي.

وحتى الناطقين بغير اللغة العربية، الذين اهتموا بالصحافة والتعليق في البرامج الإنجليزية، فلديهم سبب قوي لاستنتاج أن هذا الثناء غير الناقد لـ "خاشقجي"، كمدافع عن الديمقراطية في العالم العربي، كان مضللا في أحسن الأحوال. وفي الواقع، فيما يتعلق بإيران والبحرين واليمن وسوريا، والقضايا ذات الصلة بالطائفية، روج "خاشقجي" باستمرار للروايات الرسمية للحكومة السعودية.

وفي 16 يناير/كانون الثاني 2016، ظهر "خاشقجي" على قناة الجزيرة الإنجليزية، في استضافة "مهدي حسن"، لمناقشة "سيد حسين موسويان" الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية لمجلس الأمن القومي الإيراني، وأثناء الحلقة، عزا الحالة المعادية في العلاقات بين الرياض وطهران عقب إعدام الشيخ "نمر باقر النمر" إلى "التوسعية الإيرانية"، دون إلقاء اللوم على المملكة السعودية في شيء.

وردا على سؤال "حسن" حول الدبلوماسيين والصحفيين الغربيين الذين يزعمون أن قطع السعودية للرؤوس في المملكة لا يختلف عما يفعله تنظيم الدولة الإسلامية، أو "داعش"، قال: "لا، لا، لا، لا، لا، لا. إن الإعدام هو الإعدام. شنق الناس وتعليقهم في الرافعة، أو قطع رؤوسهم بالسيف، إنه إعدام. ويظل أمرا وحشيا. لكن ما نفعله في السعودية يتم من خلال القضاء. ونحن نستهدف فقط الإرهابيين أو المعارضين الذين يدعون إلى العنف، لكننا لا نعدم السجناء السياسيين".

ورد مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "منظمة العفو الدولية" على إعدام "الشيخ النمر" بشكل مختلف، قائلا إنه كان مثالا على استخدام الحكومة السعودية لعقوبة الإعدام "باسم مكافحة الإرهاب" لتسوية الحسابات وسحق المعارضين. وأضاف: "في العديد من قضايا عقوبة الإعدام في المملكة، يتم حرمان المتهمين من الاتصال بمحامٍ. وفي بعض الحالات تتم إدانتهم على أساس اعترافات يتم الحصول عليها تحت التعذيب أو غيره من وسائل سوء المعاملة".

كما قال "خاشقجي"، في مقابلة مع "ميدل إيست آي"، إن إعدام "النمر" له ما يبرره، لأن الشيخ "دعا علانية إلى الإطاحة بالنظام والولاء لولاية الفقيه، أي المرشد الأعلى الإيراني"، الذي زعم أنه "يعتبر بمثابة خيانة من قبل أي بلد ديمقراطي". كما أوضح "خاشقجي" أن الإعدام كان "رسالة واضحة لأي شخص يريد الإطاحة بالحكومة".

وفيما يتعلق بقوات الأمن السعودية التي دخلت البحرين عام 2011 لمساعدة السلطات المحلية على سحق الحركة المؤيدة للديمقراطية، دافع "خاشقجي" عن هذا العمل أيضا. وفي أثناء ذلك، استخدم الحجج التي كانت متوافقة مع الرواية الرسمية للرياض حول تلبية السلطات السعودية لطلب الحكومة في المنامة. وفيما يتعلق بسوريا واليمن، ادعى أن تدخل المملكة في هذين البلدين كان حول "دعم السلام والحرية وقتال الديكتاتورية".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ظهر "خاشقجي" على قناة "روسيا اليوم" الروسية لمناقشة احتجاز السعودية لرئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" كرهينة في المملكة. وفي الحلقة، التي أثارت غضب الكثيرين في لبنان والغرب، قال "خاشقجي": "ربما كانت الطريقة التي تم بها طرح هذه القضية متسرعة للغاية أو متهورة، لكنها نجحت في طرح قضية حزب الله على الطاولة". وبشأن العمليات العسكرية السعودية في اليمن، قال: "نعم، أوافق على أن الحرب في اليمن تسبب المعاناة، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي السماح للحوثيين بحكم اليمن".

وعندما تم سؤاله من قبل "مارتن سميث"، من برنامج "بي بي إس"، لماذا كانت المملكة العربية السعودية في عجلة من أمرها لدخول اليمن في مارس/آذار 2015، أجاب "خاشقجي": "إذا انتظرت المملكة أوباما للموافقة على التدخل في اليمن، كنا خسرنا اليمن منذ وقت طويل. كان الآن ليكون تحت سيطرة الإيرانيين والحوثيين". وردا على سؤال حول انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة من جانب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، أجاب "خاشقجي" بأن المملكة تواجه "لحظة تشبه ما واجهته إيران مع ألمانيا النازية عام 1939".

إذن، ما الذي دفع "بن سلمان" إلى رؤية "خاشقجي"، الذي لم يكن معارضا، بهذا القدر من التهديد؟ لماذا كان لدى ولي العهد الشاب الحافز لكي يأمر بقتله، وهو ما تعتقده وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والعديد من الحكومات الغربية؟ يتعلق الجواب بحقيقة أن مشاكل "خاشقجي" لم تكن مع الدولة السعودية، أو نظامها السياسي غير الديمقراطي، أو سياسة الرياض الخارجية المناهضة للثورة. لقد كانت مشاكل "خاشقجي" مع "بن سلمان" نفسه، وإلى أي مدى بدأ الأمير يحتكر السلطة داخل الدولة السعودية.

وكان "خاشقجي" قريبا من الأمير "تركي الفيصل"، الذي كان ناطقا باسمه ومساعدا إعلاميا له حين كان سفيرا للرياض في لندن وواشنطن، وكذلك الأمير "خالد الفيصل" والأمير "الوليد بن طلال". ويبدو أنهم جميعا ينظر إليهم "محمد بن سلمان" بعين الشك والشعور بالتهديد. ونتيجة لذلك، ملأت الشكوك "بن سلمان" أيضا بشأن "خاشقجي". ورأى "بن سلمان" في "خاشقجي" تهديدا، ورفض قبوله كمستشار. ومما لا شك فيه أن تصوره لـ "خاشقجي" كتهديد لم ينمو إلا عندما انتقل الصحفي إلى الولايات المتحدة وبدأ ينتقد الأمير في أعمدته في "الواشنطن بوست".

وواجه "خاشقجي" مسألة تركيز "بن سلمان" للسلطة في يديه، وسلوكه بالقبض على شخصيات دينية رأت أنه تعدى الحدود المقبولة في إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية المزمعة في المملكة المحافظة. كما عارض أجندة "بن سلمان" المعادية للإسلام، التي وافق فيها ولي العهد نظيره في أبوظبي "محمد بن زايد"، الذي ألب القيادة السعودية الجديدة ضد قطر والآخرين في العائلة المالكة، الذين رأوا المجموعات المرتبطة بالإخوان المسلمين، وكذلك قطر وتركيا، كشركاء طبيعيين للرياض لتبني النضال السني الأعظم ضد إيران الشيعية. ولا يعني شيء من هذا أن "خاشقجي" قد دافع عن التغيير الديمقراطي في المملكة العربية السعودية. لكن ما كان يمثله هو أسلوب "الحكم بالإجماع" الذي شكل السياسة السعودية لأجيال قبل صعود "بن سلمان".

ولا يمكن لشيء أن يبرر مقتل "خاشقجي". ولا يمكن أن يكون تبنيه لآراء غير ليبرالية في السابق أساسا لانتقاد أولئك الذين يشعرون بالغضب لقتله، خاصةً بهذه الطريقة البشعة. ومع ذلك، ليس من المفيد للصحفيين والنقاد أن يحرفوا شخصية "خاشقجي" وما مثله طوال حياته المهنية. وكما قالت "شيناز كرمالي": "في النهاية، كان أصدقاء خاشقجي هم الذين أسكتوه". وفي الواقع، فإن خلافاته الدقيقة والمهذبة مع "بن سلمان"، وليس مناصرته للديمقراطية في المملكة العربية السعودية أو العالم العربي الأكبر، هي التي قادته إلى موته الوحشي.