اقتصاد » مياه وطاقة

صناعة النفط السعودية تواجه مخاطر وشكوك غير مسبوقة

في 2019/10/23

كريستيان أولريخسن - وورلد بوليتيكس ريفيو-

ربما لم يشهد قطاع النفط في السعودية أي تطورات سيئة مثل تلك التي حدثت منذ أواخر أغسطس/آب. فبعد تغيير لم يسبق له مثيل على مستوى القيادة في وزارة الطاقة تمثل في تنصيب أحد أفراد العائلة المالكة وزيرا للطاقة لأول مرة، وقعت هجمات دقيقة بشكل مذهل على منشآت النفط في شرق المملكة في الساعات الأولى من يوم 14 سبتمبر/أيلول. ويتم الآن طرح أسئلة حول مدى التزام الولايات المتحدة بأمن المملكة، الذي شكل العمود الفقري للسياسة السعودية لعقود من الزمن، وكيف سيكون رد فعل المملكة على مثل هذه التغيرات.

وتعني إقالة "خالد الفالح" من منصبه كوزير للطاقة، ومن رئاسة شركة النفط الحكومية العملاقة "أرامكو"، أن اثنين من المواقع البارزة التي كان يشغلها التكنوقراط تم تغييرها في الوقت الذي يعمل فيه ولي العهد "محمد بن سلمان" على قيادة برنامج التنمية الاقتصادية "رؤية 2030" بهدف تحويل الاقتصاد السعودي بعيدا عن النفط. وكان "عادل الفقيه"، وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، الذي كان مقربا من ولي العهد، تم احتجازه في حملة "ريتز كارلتون" سيئة السمعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وما زال محتجزا حتى الآن.

وبدأت الاضطرابات في 30 أغسطس/آب عندما أعادت سلسلة من المراسيم الملكية إعادة هيكلة قطاع الطاقة. وتم استحداث وزارة جديدة مستقلة للموارد المعدنية وفصلها عن وزارة الطاقة التي يقودها "الفالح". وبعد أكثر من أسبوع بقليل، تم عزل "الفالح" من منصبه كوزير للطاقة، واستبداله بأحد أبناء الملك "سلمان"، وهو "عبد العزيز بن سلمان". وأصبح "عبد العزيز بن سلمان" البالغ من العمر 59 عاما، وهو ابن الملك من زوجته الأولى والأخ الأكبر غير الشقيق لولي العهد القوي، أول فرد من العائلة المالكة يتحمل المسؤولية الوزارية عن سياسة الطاقة السعودية. كما تم إقالة "الفالح" من منصبه كرئيس لمجلس إدارة "أرامكو" السعودية، وحل محله رئيس صندوق الاستثمار العام في المملكة "ياسر الرميان".

وعلى عكس الترقي السريع لولي العهد، عكس تعيين "عبد العزيز" مسيرته المهنية التي استمرت 32 عاما في وزارة الطاقة، أولا كمستشار ووكيل وزارة، ثم نائب وزير بعد عام 2004، وأخيرا وزير دولة في عام 2017. وخلال حياته المهنية الطويلة، طور "عبد العزيز" سمعته بين محللي الطاقة والمطلعين في الصناعة كخبير تقني يحظى باحترام كبير، مع اعتماده على التوافق في الآراء، في تناقض ملحوظ مع "محمد بن سلمان"، الذي يصغره بـ 25 عاما.

لعبة النفوذ

ويُعتقد أن "الفالح" فقد دعم ولي العهد بسبب مزيج من الحماس غير الكافي لعملية الاكتتاب الأولية لشركة "أرامكو" التي طال انتظارها، ومعارضته لقيام الأخيرة بشراء حصة أغلبية في مجموعة البتروكيماويات الرئيسية في المملكة "سابك" بقيمة تقارب 69 مليار دولار. وتشير حقيقة أنه تم الاعتماد على "الرميان" كرئيس جديد لـ"أرامكو" أن سياسات الشركة في المدى المنظور ستحمل بصمة ولي العهد ودائرته الداخلية، بدلا من أن تعكس بالضرورة المتطلبات التشغيلية لشركة الطاقة الأكثر ربحية في العالم. وفي الأشهر الأخيرة، شارك "الرميان" بشكل مكثف في تحديد التفاصيل النهائية لعملية البيع المقررة لأسهم "أرامكو"، التي لا يزال من المقرر أن تحدث في عام 2019، على الرغم من تقييم المخاطر المرتفع في أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول على المنشآت النفطية.

وربما يكون "محمد بن سلمان" قام بإعادة تشكيل هيكل الطاقة بطرق تزيد من تعزيز نفوذه وسلطته على جميع جوانب صنع السياسة السعودية، لكنه خلال هذه العملية صنع أيضا نقاط ضعف جديدة محتملة. ولطالما كان هناك إيمان بين المراقبين للسعودية بأن القطاع المالي وقطاع الطاقة يعتمدان على قيادة ذات خبرة فنية؛ ما يجعلها محمية نوعا ما من التدخل الأسري الملكي، والفساد المحتمل؛ حيث ينبني عليهما كلا من الأساس الاقتصادي والأساس السياسي للمملكة.

لكن هذه التقاليد سقطت مع سقوط كل من "الفالح" و"الفقية"، وهما اثنان من أكثر التكنوقراطيين قدرةً في المملكة؛ حيث كان من المفترض أن يقوما بدور كبير في خطط المملكة الكبرى لفطام اقتصادها عن النفط. كما أزال ذلك جدار الحماية الذي فصل في السابق منتقدي سياسات الحكومة السعودية عن منتقدي العائلة المالكة نفسها. وقد يجد ولي العهد سهام الانتقادات توجه له شخصيا إذا لم تقدم التغيرات النتائج المرجوة. وسيكون من الصعب للغاية عزل "عبد العزيز بن سلمان" مثل "خالد الفالح"، خاصة أن والده، الملك "سلمان"، لا يزال يشارك بنشاط في صنع القرار.

عدم اليقين

وظهرت مصادر جديدة أخرى لعدم اليقين الاقتصادي، في الوقت الذي بدأ فيه غبار هجمات النفط الشهر الماضي في التلاشي قليلا. وفي 30 سبتمبر/أيلول، خفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني للمملكة من "A+" إلى "A"، مع نظرة "مستقرة"؛ مما يدل على المخاطر المتزايدة التي قد تؤثر بشكل كبير على عقول المستثمرين، الذين يتعرضون للضغط بالفعل بسبب الغضب العالمي ضد المملكة منذ مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول. وإذا كانت هناك هجمات على أجزاء أخرى من البنية التحتية السعودية الحيوية، مثل محطات تحلية المياه أو توليد الكهرباء، فستنمو هذه المخاطر.

وأثارت الهجمات على المنشآت النفطية أيضا شكوكا في تصريحات كان ولي العهد وجهها إلى إيران قبل أكثر من عامين، حين قال: "لن ننتظر حتى تصبح المعركة داخل السعودية، لكن سنعمل حتى تكون المعركة داخل إيران". لكن عدم وجود رد أمريكي قوي وفوري على الهجوم على المنشآت النفطية، الذي ألقت كل من المملكة والولايات المتحدة باللوم فيه على إيران، ترك القيادة في الرياض مهزوزة.

ويسعى المستثمرون، الذين يحتاجهم ولي العهد، إلى الاطمئنان للقدرة على التنبؤ على المدى الطويل. وكان عدد هؤلاء المستثمرين الواثقين في سياسات الرياض محدودا جدا منذ صعود "محمد بن سلمان" إلى الساحة عام 2015. وقد ينجح الاكتتاب العام في "أرامكو"، وقد يكون "عبد العزيز بن سلمان" يمتلك جميع السمات ليكون وزير طاقة ناجح. لكن المخاطر أكبر مما كانت عليه قبل شهر، وقد تصبح أكبر وأكبر خلال الأشهر المقبلة.