خاص الموقع

ناشطو الجيش الالكتروني سلاح ذو حدين.. هل تأمن السعودية من سيوفهم؟

في 2019/10/29

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

لم تعد الحروب مجرد حروب كلاسيكية تعتمد على الخطط العسكرية وإعداد الجنود وتأمين العتاد والتجهيزات اللازمة من مركبات وطائرات وأسلحة وذخائر وتموين وغيرها من مقوّمات خوض المعارك في الميدان، ودخلت الحرب النفسية على خط هذه الحرب عبر استخدام الأدوات وأساليب الخطاب التي تؤثر في زعزعة الخصوم داخل ساحاتهم وفي نفوسهم، من خلال بث روح الانهزام وتوهين الثقة بالنفس. ويشكّل الفضاء الافتراضي ساحة مهمة وأساسية في خوض هذا النوع من المعارك، إلا أنه مع تقدّم وسائل التواصل الاجتماعي انتقلت الحرب في بعدها الأوسع إلى المقلب الآخر للخصوم، بدون أي حاجة إلى استنفار أدوات المعارك الخشنة، لتتحوّل إلى حرب أدمغة تجسّد عملية التلاعب بالعقول، وتتصارع فيها أدوات المكر والخداع وأساليب التشويش والإقناع، وصولاً إلى تحويل الخصوم إلى جنود يصارع بعضهم بعضاً.

وقد حققت المملكة السعودية خطوات متقدّمة جداً على هذا المسار، بحيث يبرع أفراد الجيوش الالكترونية التي أنشأها جهاز الاستخبارات العامة في أداء مهامهم التي يكلفون بها، لا سيما في استهداف الساحتين العراقية واللبنانية اللتين تشهدان في هذه الفترة حراكاً شعبياً عارماً يطالب بإسقاط النظام والحكومة تحت عنوان محاربة الفساد وإقالة الفاسدين ومحاكمتهم، ولا نكشف سرّاً في أن للجيش الالكتروني السعودي دوراً محورياً في تأجيج هذه التحركات على الأرض ودفعها باتجاه تدهور الأوضاع، وتنقسم المجموعات في وظيفتين رئيسيتين، الأولى: تبنّي المطالب الشعبية في العراق ولبنان، والثانية: بث الشائعات والأخبار التي من شأنها خلق البلبلة وإثارة النعرات الطائفية والخلافات السياسية بين الأطياف المختلفة. ولعل من أهم العناصر التي تساعدنا على تحقيق ذلك تجنيد عشرات الناشطين من الحلفاء في البلدين الذين يدينون بالولاء للسعودية، والذين بنوا مستقبلهم المالي والسياسي على الدعم السعودي.

لقد نجح جهاز الاستخبارات العامة السعودية في إنشاء نحو مائة جيش الكتروني يضم العشرات من المدونين والناشطين الافتراضيين والمغرّدين داخل المملكة، كما في لبنان والعراق ومصر وتونس، ويعملون بالتوازي مع العمل السياسي الذي يتولى القيام بها شخصيات حليفة وأخرى تم توظيفها لخدمة أهداف المملكة، هذا فضلاً عن الناشطين والإعلاميين وأصحاب الأقلام الذين يناهضون النفوذ الإيراني ويمتازون بالفكر العلماني ويؤيدون سياسة الانفتاح التي تعتمدها المملكة في طورها الجديد.

لا شك في أن هذه الجهود أعطت ثمارها وأتت أكلها في الشارعين اللبناني والعراقي على وجه الخصوص، وبدأت الجماهير تردّد عبارات المغردين السعوديين، لا بل وصل البعض منهم إلى المطالبة باستنساخ الخطوة التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان، باعتقال واحتجاز كبار المسؤولين والتجّار والأمراء ومصادرة أموالهم، وفرض شروط على حركة أعمالهم لصالح خزينة الدولة، ولا شك في أن التوجيهات التي أصدرها جهاز الاستخبارات لهؤلاء الناشطين قد تركت تأثيراً مباشراً على الجمهور في البلدين، وهو جمهور يضم مستويات متفاوتة على الصعد الاجتماعية والثقافية والعلمية، وهذا يعني أن حملة التجييش نجحت في إقناع مختلف الشرائح الإنسانية، وهي شرائح تتكوّن منها كل المجتمعات في العالم، كما أن اللغة العربية ساهمت كعنصر ثقافي هوياتي في تلقّف ما تتضمنه التغريدات والتعليقات والرسائل الالكترونية والمشاركات المختلفة في المدوّنات ومواقع التواصل الاجتماعي.

لقد أصبح السعوديون ملمّين بالتطوّر التكنولوجي على صعيد الإعلام وأدواته، وهم بلا شك يطّلعون على ما يجري في الجوار من تحركات شعبية، ويطالعون التغريدات والتعليقات السعودية التي تشكّك بمشروعية المسؤولين في الحكومة وتطالب المحتجين بإعلان العصيان المدني ومهاجمة المؤسسات الرسمية، ويفهم أبناء السعودية تماماً أن الهدف من هذا التجييش ضرب الاستقرار في لبنان والعراق، وإسقاط النظامين فيهما وإلغاء نظام البرلمان واستبداله بنظام رئاسي، واعتماد الديمقراطية واحترام حرية الرأي ورفض الاعتقال التعسفي وكمّ أفواه الثوار الذين يطالبون بتأمين حياة أفضل، ولكن ما يجدر الالتفات إليه هو أن المجتمع السعودي لا يختلف عن المجتمعات العربية بشيء إلا في بعض التفاصيل المتعلقة بالعادات والتقاليد، وهو يعاني - شئنا الاعتراف بذلك أم أبينا – من الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تثقل كاهل المواطنين في المملكة.

إن أكثر ما يدفع إلى الخشية في ظل هذا الواقع هو أن تؤثر هذه التغريدات في أفراد مجتمعنا، وهو الآن قد دخل في بعد انفتاحي جديد، بحيث تم إلغاء الكثير من القيود والشروط التي كانت مفروضة في سياق البناء المجتمعي، وباتت المرأة تتمتع بقدر أكبر من الحرية بعيداً عن القيد الأسري وسلطة الرجل، فضلاً عن فتح المجال أمام الشباب لإجراء محاكاة مع النموذج الغربي في مختلف الأنماط الثقافية والسلوكية، وبالتالي تصبح الجيوش الالكترونية بتغريداتها وتعليقاتها وتجييشها وأفكارها المنتشرة سلاحاً ذا حدّين، فما الذي يمنع في المستقبل القريب – في ظل موجة الثورات الشعبية - أن تعمد المجموعات الشبابية إلى الانتفاض، في حركة ربيع سعودي، للمطالبة بالمزيد من الحقوق والحرية، وتشكّل حالة ضاغطة على الحكم تقود حكماً إلى زعزعة النظام في المملكة؟! إنه ليس مجرد احتمال فالأمريكي الذي تخلّى عن المملكة في أحلك ظروفها ووقف بجانب الحياد حين تعرضت للاعتداء المباشر لن يكون بعيداً عن استخدام الشباب في حركة التغيير، بعد أن تكون الجيوش الالكترونية قد مهّدت الأرضية اللازمة للثورة والانقلاب، وتصبح السعودية كالأفعى التي تأكل ذيلها.

-------------------------------------------------------------

(*) الجيوش الإلكترونية هي مجموعات من الأشخاص، تعمل غالباً لصالح الأجهزة الاستخبارية والأمنية، وتتلقّى تدريبات خاصة وفق برامج منهجية محدّدة، وتعمل وفق أجندة مدروسة تهدف إلى الترويج لوجهة نظر معينّة عبر مختلف المنصات والمواقع على شبكة الإنترنت، وإسكات المناوئين وتشويه سمعتهم، وترويج الشائعات والأكاذيب وخلق البلبلة التي تربك رؤية الناس وتوجههم باتجاه معين، وتتعزّز حالة البلبلة التي تخلقها تدخلات الجيوش الإلكترونية بمشاركة أطراف كثيرة موالية للإتجاه السياسي نفسه، من خلال تبني الشائعات وإعادة نشرها في مواقع مختلفة، ويطلق على هؤلاء "الذباب الإلكتروني".

وتركّز هذه الجيوش على المنتديات ومواقع الدردشة والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإلكترونية وتنشر وجهات نظر الجهات التي تعمل لديها، وتحرص على متابعة كل ما ينشر على شبكة الإنترنت بما يتعلق بهذه الجهات، وتسعى إلى اختراق المواقع الإلكترونية الخاصة بالشخصيات والمؤسسات والدول المصنّفة في خانة الخصوم.

وتأكيداً على أهمية دور هذا النوع من الجيوش، أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين بتاريخ 6 أبريل/ نيسان 2017 عن تكوين جيش إلكتروني كوحدة مستقلة داخل الجيش الألماني إلى جانب القوات البرية والبحرية والجوية، حيث يمارس مهام دفاعية وهجومية على شبكة الإنترنت، مشيرة إلى أن عمل هذا الجيش لن يقتصر على صد هجمات القرصنة، بل سيردّ عليها أيضاً في ساحة المعركة، وهي الإنترنت.