مجتمع » ظواهر اجتماعية

بين استسقاء ومصارعة نساء.. أين تسير المملكة في ظل الترفيه؟

في 2019/11/01

الخليج أونلاين-

يبدو أن المملكة العربية السعودية سائرة في طريق الانفتاح على كل ما كان محرماً وممنوعاً في الماضي بشكل أسرع من المتوقع، خصوصاً أنها الدولة التي تعتبر نفسها الممثل الرسمي للإسلام في العالم، باعتبار أنها تضم الحرمين الشريفين ومهد الرسالة الأولى.

وبين الحين والآخر تطلق الهيئة السعودية للترفيه، بقيادة تركي آل الشيخ، موسماً ترفيهياً في منطقة ما من المملكة؛ بهدف تحصيل أكبر قدر ممكن من أموال المواطنين السعوديين ولا سيما فئة الشباب، في إطار بحثها عن موارد مالية بعيدة عن النفط.

مصارعة نسائية

الجديد الذي ستطلقه السلطات السعودية بقيادة صاحب رؤية الانفتاح ولي العهد محمد بن سلمان، لأول مرة في تاريخها، هي مباراة لمصارعة نسائية، يوم الخميس (31 أكتوبر 2019).

وستكون المباراة النسوية، التي قد تشكل صدمة جديدة في تحول المجتمع السعودي، بين المصارعتين الشهيرتين "نتاليا" و"لايسي إيفانز"، في إطار عرض "WWE crown jewel"، الذي يحتضنه استاد الملك فهد الدولي بالعاصمة الرياض.

كما سيشهد العرض أيضاً ظهور الملاكم "رومان رينز" وبطل الملاكمة للوزن الثقيل الذي لم يهزم من قبل، تايسون فيوري، وبطل "WWE" بروك ليسنر، وبطل اليونيفرسال سيث رولينز، والكثير غيرهم، بحسب صحيفة عكاظ السعودية.

الصحف السعودية روجت للحدث الرياضي النسائي على مواقعها الإلكترونية ومعرفاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة للمطبوع منها، في خطوة جديدة بالنسبة للإعلام الذي لم تكن تُلحظ فيه سيدات سعوديات، في حين بدأت وسائل الإعلام التي ترعاها الحكومة أو القطاع الخاص المقرب منها ينشر صوراً لنساء شبه عاريات.

وفي نهاية فبراير عام 2018، وقعت السعودية، ممثلة برئيس هيئة الرياضة آنذاك، تركي آل الشيخ، اتفاقية مع فينس مكمان، رئيس اتحاد "WWE"، لإقامة منافسات المصارعة بشكل حصري في المملكة مدة 10 سنوات.

واستضافت مدينتا جدة والرياض أكثر من عرض للمصارعة الحرة بموجب تلك الاتفاقية، وفوجئ ملايين المشاهدين بظهور فتيات شبه عاريات على شاشة قناة "KSA sport"، التابعة للتلفزيون الرسمي السعودي الذي يُوصف بأنه "محافظ"، وهو ما دعا الكثيرين إلى انتقاد ظاهرة محو الهوية الدينية للمجتمع، مشيرين إلى أن هذه العروض لا تليق بالمملكة أو تاريخها أو مكانتها الدينية.

قناة "سي إن إن" الأمريكية قالت في تقرير مصور لها: إن "الرياض وقعت عقداً مع شركة (WWE) يمتد لعشر سنوات عام 2018، من أجل عروض مستمرة، وإن الشركة انتقدت لعدم تضمينها نزالات نسائية في فعالياتها السابقة في السعودية".

من جهتها قالت المصارعة المحترفة "نتاليا": إني "لا أصدق أنني سأقوم بهذا الأمر، ولا أصدق أنني سأكون جزءاً من التاريخ، أنا متحمسة جداً، ومتحمسة لمعجبي (دبليو دبليو إي) في السعودية والعالم وللنساء حول العالم".

وستظهر المصارعات في العروض بملابس فاضحة بعيدة تماماً عن عادات السعودية وتقاليدها، وهو ما من شأنه أن يزيد سخط السعوديين على هيئة الترفيه ورئيسها "آل الشيخ"، الذي أكد أن ما تشهده المملكة من ترفيه "لم يكن ليحدث لولا وجود ولي العهد محمد بن سلمان".

صلاة استسقاء

وتزامناً مع ذلك كان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قد دعا يوم الاثنين (28 أكتوبر الجاري)، لإقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء المملكة "تأسياً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم"، يوم الخميس (31 أكتوبر الجاري)، وفق بيان للديوان الملكي، وهو ذات يوم عرض المصارعة النسائية، ما أثار سخرية وجدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلق أحد المغردين السعوديين على موقع "تويتر" بالقول: "لا تنسوا غداً تصلون الاستسقاء، ثم بالليل تذهبون لحضور المصارعة النسائية".

في حين كتب مغرد آخر: "اليوم الذي نطلب فيه من ربنا أن يغيثنا، ونصلي الاستسقاء، هو نفس اليوم الذي نستضيف فيه المصارعة النسائية!".

في الوقت الذي تساءل فيه السعودي أحمد الجهني: "يا جماعة الخير أرجو التوضيح، غداً صلاة استسقاء ولا مصارعة نسائية، خلونا نرسي على بر".

كما تهكم مغرد أيضاً على ما يجري في السعودية قائلاً: "لازم نصلي صلاة الاستسقاء عشان إذا حضرنا المصارعة النسائية يكون سوينا خير هذا اليوم، بدل لا نكسب ذنب فقط، نكسب أجر أيضاً".

وغرد ناشط آخر رافض للمصارعة النسائية موضحاً: "ستقام صلاة الاستسقاء، وفي نفس الوقت ستقام المصارعة النسائية بموسم الرياض، ما هذا العبث، لا خوف من الله ولا حياء من المسلمين وتقدير لمشاعرهم".

وفي سياق متصل أورد أحد المغردين مقطعاً مصوراً حول أحد البارات الحلال في المملكة متسائلاً: "بعد بيع الخمور في السعودية، هل ما زالت السعودية المدافع الأول عن الإسلام؟ هل تستحق أن يدافع المسلمون عن آل سعود؟ هل بالفعل السعودية نموذج إسلامي مشرف؟ مصارعة نساء ثم رقص وترفيه وحفلات شواذ، دخول الأصنام ثم بيع خمور، ماذا بقي؟".

وفي الوقت الذي يعتقد فيه الكثير من مشايخ المسلمين في المملكة أن القحط وقلة المطر مرتبطان بكثرة الذنوب والخطايا التي يفعلها الشعب السعودي في الفترة الراهنة، ففي خطبة عام 2018 حول صلاة الاستسقاء لإمام وخطيب الحرم المكي، فيصل غزاوي: إن "سبب هلاك الأمم هو الذنوب والعصيان"، وشدد على أن "ما من بلاء يحلُّ بالمسلمين إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة".

إلى أين تسير المملكة؟

وعرض المصارعة النسائية ليس إلا جزءاً من "موسم الرياض"، الذي انطلق منتصف أكتوبر الجاري ويستمر 70 يوماً، ويشمل أكثر من 100 فعالية ترفيهية واستعراضية وفنية أثارت غضباً شعبياً عارماً، على غرار "سباق الألوان"، الذي عرف رقصاً مختلطاً بين الجنسين ومشاهد لم يعتد عليها السعوديون.

ويتساءل مراقبون في الشأن السعودي إلى أين تسير السعودية في خطة انفتاحها؟ وهل هناك بعد شيء سبق أن "حرّمه" مشايخ سلطانها إلا وبدأت تطبقه في أراضيها؟

كما أن بعض رجال الدين المقربين من السلطة يدافعون بشكل كبير عن التحول الجاري في المملكة، باعتبار أن طاعة ولي الأمر فوق كل شيء، وقال أحدهم في مقطع مصور له: إن "هناك كلاماً علمياً شرعياً لا ينازع به عالم سلفي، لو كنت في الجهاد والحاكم يزني كل يوم بمومس يجب أن تجاهد معه".

هذا الأمر أصاب المجتمع السعودي، وحتى العربي، بصدمات كبيرة مما يجري في بلاد الحرمين، حيث كانت الشاشات الدينية التي تمولها السعودية تبث ليلاً ونهاراً فتاوى تحرم الموسيقى والغناء ومشاهدة الأفلام باعتبارها لهواً ولغواً وابتعاداً عن ذكر الله، في حين يبتكرون الآن الفتاوى والتبريرات التي تبيح للسلطات السعودية القيام بما تشاء من أجل زيادة أموالها التي أضاعتها في دعم الانقلابات العسكرية في دول الربيع العربي، وحرب اليمن التي خلفت آلاف الضحايا، وسباق التسلح الهائل الذي لم يدفع عنها إهانات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولا اعتداءات جماعة الحوثي اليمنية المتكررة.

وتجاوز الانفتاح حد السماح بإقامة حفلات غنائية وحضور النساء لها، إلى جانب السماح للمرأة بحضور المباريات الرياضية في الملاعب، والسماح لها بقيادة السيارة، وإقامة عروض أزياء، والذهاب للسينما، إلى افتتاح بارات وديسكوهات يقال إنها "شرعية".

ويُحظر على علماء الدين انتقاد هيئة الترفيه أو رئيسها تركي آل الشيخ، ومن يُبدِ أي اعتراض على خططها أو الحفلات التي تقيمها فمصيره الاعتقال والسجن، كما هو حال المئات من رجال الدين والرموز الاجتماعية والقبلية.

حتى انتشر وسم " #اقاله_تركي_ال_الشيخ_مطلب" في السعودية، خلال الأيام الماضية، ينتقد فيه سلوكه والبرامج الترفيهية التي يقدمها في عموم مدن المملكة دون أن يلقي بالاً لدين المجتمع وعاداته وتقاليده.

فقد كتب أحد المغردين مطالباً بإقالة آل الشيخ: "عاث في الأرض فساداً باسم الترفيه، وضاعت قيم المجتمع وعاداته وأخلاقه الإسلامية، وهُدرت أمواله في صالح ثلة أجنبية فاسدة أخلاقياً، وكتمت أفواه بسبب تغريدة".

وأضاف آخر مطالباً بإقالته كذلك: "أخي ما استفدنا شيئاً من موسم الرياض هذا، إذا جاء الليل تطفون علينا الكهرباء وتشغلونها في موسمكم وشوارعنا زحمة وفساد وأغاني غبية ومزعجة وتعري وسفور أين الترفيه في الموضوع؟".

كما أوردت مغردة قائلة: "نرجو أن توقف حفلات هيئة الترفيه نصرة لجنودنا البواسل في الحد الجنوبي (على حدود اليمن)، إن تنصروا الله ينصركم".