علاقات » خليجي

ما هي عراقيل المصالحة الخليجية؟

في 2019/11/18

الخليج أونلاين-

تذهب جميع التوقعات المبنية على تحركات وقرارات برزت مؤخراً بوجود انفراج مرتقب في الأزمة الخليجية، ولا يستعبد حلّها؛ لا سيما مع وجود دفع بهذا الاتجاه من قبل قوى دولية مثل أمريكا، التي تجد في حلّ هذه الأزمة حالة من التصدي لإيران، إلا أن هناك عراقيل ما زالت تقف أمام المصالحة.

ويبدو أن ديفيد جولدفين، رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، دخل على خط الحث في هذا الاتجاه، إذ تعمد الحديث في الإمارات مؤخراً حول ضرورة حل الأزمة الخليجية.

جولدفين الذي شدد على الخطر القادم من إيران وأنه يهدد المنطقة قال: إن "أي دولة لا تمتلك كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها بمفردها، لكننا معاً نملك كل ما نحتاجه للدفاع الجماعي".

وأوضح: "لدينا القوة لبدء هذا الآن، لأننا نواجه خصماً مشتركاً يبدو متمسكاً بانتهاج سلوك خبيث في المنطقة".

تصريح القائد العسكري الأمريكي سبقه تصريح يصب في ذات الاتجاه صدر عن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 5 نوفمبر الجاري؛ إذ دعا دول مجلس التعاون الخليجي إلى الوحدة من أجل مواجهة نشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، في إشارة منه إلى ضرورة حلّ الأزمة الخليجية.

وقال بومبيو تعقيباً على لقائه مع وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية، في العاصمة الأمريكية واشنطن: "أشكر قطر على شراكتها مع الولايات المتحدة"، مستطرداً بالقول: إن "وجود مجلس تعاون خليجي متحد أمر مهم من أجل الوقوف ضد سلوك النظام الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة".

اللقاءات والتصريحات التي جرت خلال الأيام الماضية تكشف عن وجود رغبة من قبل دول الحصار لحلّ الخلاف، لكن قطر من جانبها تضع شروطاً للحل، لا سيما أنها تضررت كثيراً من الحصار، وبذلت الكثير حتى نجحت في تخطيه معلنة وصولها إلى بر الأمان.

قطر تصر على رأيها: الحوار بلا شروط

الأمان الذي بلغته قطر جعلها تصرح في أكثر من مناسبة أنها لم تعد بحاجة لعودة العلاقات مع دول الحصار في حال لم توافق الأخيرة على شروطها.

وهذا ما تذكره أمام الوسطاء، وكان في آخر مرة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، حيث جمع لقاء في 12 نوفمبر الجاري، وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو. 

وبعد لقائه مع بومبيو قال وزير الخارجية القطري للصحفيين: "تم التطرق إلى الخلاف الخليجي والجهود الأمريكية التي تقدرها دولة قطر لإعادة مجلس التعاون لسابق عهده".

وأكد الوزير القطري أن بلاده أبدت استعدادها للحوار، لكنه شدد في معرض حديثه على أن هذا الحوار يجب أن يكون غير مشروط، ومبنياً على احترام سيادة الدول والاحترام المتبادل، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.

وذكر أيضاً أن جهود وساطة الكويت في الأزمة الخليجية لا تزال مستمرة، مؤكداً أن الزيارات التي أجراها مسؤولون كويتيون إلى السعودية وقطر في الآونة الأخيرة كانت في إطار الأزمة الخليجية وتطورات أخرى.

ومعلوم أن الكويت تبذل جهداً كبيراً لحل الأزمة الخليجية منذ نشوئها، بالإضافة إلى سعي آخر في ذات الإطار تبذله سلطنة عُمان، لكن الضغوط الأمريكية لحل هذه الأزمة تكثف مؤخراً؛ وذلك لدعم جهودها في الضغط على إيران.

لكن السؤال الذي يُطرح في هذا الصدد هو هل الجلوس إلى طاولة الصلح وحلّ الأزمة ورفع الحصار عن قطر يعيد الثقة للقطريين بهذه الدول، ويعيد العمل المشترك والمصالح المتبادلة مثل السابق؟

القطريون يرون صعوبة في عودة الحال إلى طبيعته السابقة، ويعتبرون أن ما حققته بلادهم في ظل الحصار فاق التوقعات؛ حيث نجحت في الاستغناء عن السوق الخليجية التي كانت ترتبط بها، وعبّدت طريقها للنجاح والبقاء دون الحاجة بالارتباط مع هذه الدول.

ضغط أمريكي

وكشف مصدر حكومي في العاصمة واشنطن، في 14 نوفمبر الماضي، أن المصالحة الخليجية-الخليجية "بلغت مرحلة متقدمة"، وسط جهود تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الأزمة المستمرة منذ أكثر من عامين.

ونقلت قناة "الحرة" عن المصدر قوله إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كلف السفير الأمريكي في الرياض، الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، ودبلوماسيين آخرين في وزارة الخارجية، ومسؤولين في البيت الأبيض، "تنسيق الأمور بعيداً عن الأضواء وفي شكل سرّي لتحقيق مصالحة خليجية - خليجية".

وأضاف المصدر: إن "مساعي ووساطات حصلت وتتواصل حتى الآن بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد".

وأردف قائلاً إن زيارة السيسي للإمارات جاءت في إطار التحضير لـ"قمة مصالحة ترغب الإدارة الأمريكية في إبرامها خلال اجتماع يحضره القادة الخليجيون في الولايات المتحدة، وربما في مقر كامب ديفيد، السنة المقبلة".

وذكر المصدر الحكومي في العاصمة واشنطن أن "الأمور بلغت مرحلة متقدمة" رغم الكثير من العراقيل، إلا أنها باتت "تحظى بتأييد مشروط من دول سلطنة عمان والكويت والإمارات وخصوصاً مصر"، التي وافقت "ضمنياً على المبادرة وأيدتها".

البحث عن ضمانات

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، الدكتور ماجد محمد الأنصاري، ذكر في مقطع مصور نُشر في "تويتر" أن هناك عدة تحديات تواجه حلّ الأزمة الخليجية، لافتاً الانتباه إلى أهمية أن تكون هناك ضمانات لعدم تكرار مثل هذه الأزمة مستقبلاً.

وأشار في حديثه إلى أبرز التحديات؛ وفي مقدمتها صعوبة الحصول على ضمانات لعدم تكرار هذه الأزمة مستقبلاً، في حين رأى أن التحدي الثاني عدم وجود ظرف أو أزمة تضغط للسير نحو المصالحة، باستثناء دفع أمريكي ووساطة كويتية.

ورأى أن من بين التحديات أيضاً "وجود أزمة ثقة في الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية أيضاً، إضافة إلى تحدٍّ مهم وهو سيادة قطر فيما يتعلق بسياستها الخارجية تحديداً"، مشيراً إلى أن قطر ليس من صالحها تقديم مجاملات في الوقت الحالي وتقديم تنازل بهذا الأمر.

وأضاف: "التحدي الأخير حاجة دول الحصار إلى الخروج بماء الوجه من هذه الأزمة"، مشيراً إلى أنه "لا يبدو على هذه الدول أنها تراجعت عن سياستها القديمة، بل يبدو كهزيمة"، موضحاً أن قطر لن تقبل بهذا الأمر.

إحباط سعودي من الأمريكان 

ويرى المحلل السياسي العُماني عوض بن سعيد باقوير، في حديث خاص مع "الخليج أونلاين"، أن "الأزمة الخليجية وصلت إلى مرحلة أقنعت فيها الدول المحاصرة لقطر بأن هناك ضجراً شعبياً خليجياً من استمرارها".

وقال: إن "استمرار الأزمة الخليجية يهدد مجلس التعاون، وهذا يشكل ضربة كبيرة لأمن دوله، وربما تكون عودة عدد من الدول الخليجية المشاركة في كأس الخليج في دولة قطر هي بداية انفراج نسبي لإيجاد حل توافقي".

وقال المحلل العُماني "باقوير": إن "السعودية تشعر بأن وجود دول المنطقة بجانبها هو أمر حيوي، خاصة في إطار التوتر مع إيران، ومن هنا فإن اتفاق الرياض، وزيارة خالد بن سلمان للسلطنة، ولقاءه بجلالة السلطان قابوس، يدخل في إطار  البحث عن صيغة توافقية لحل الأزمة في اليمن".

وأوضح المحلل العُماني "باقوير" أن "هناك إحباطاً سعودياً من أن الولايات المتحدة لم تواجه إيران عسكرياً بعد استهداف السفن في المنطقة، وأيضاً استهداف المنشآت النفطية لأرامكو السعودية، وعلى ضوء تلك التطورات فإن مسقط سوف تشكل الدور الأهم في إيجاد مقاربة سياسية تنهي الحرب على اليمن أولاً، ومن ثم إطلاق حوار إيراني سعودي، وعودة العلاقات الخليجية إلى سابق عهدها في ظل الأخطار والتحديات التي تواجه دول الخليج".

وختم حديثه قائلاً: "يبدو لي أن السعودية أصبحت لديها قناعة بأن الاعتماد على واشنطن لمواجهة طهران أصبح محل شك، ومن ثم فلا بد من العودة إلى التحالفات التقليدية من خلال تجميع الكيان الخليجي الواحد، والإيمان بضرورة خيار الحوار مع إيران بعيداً عن الصراعات العسكرية التي أثبتت عدم جدواها، كما في النموذج اليمني".

ما هو رأي القطريين؟

مواقع التواصل دائماً ما تفصح عن حقيقة آراء الشعوب، وهو ما يفصح من خلاله القطريون عن آرائهم بطبيعة الحال. ومع السعي لحل الأزمة الخليجية يجد المتابع لآراء المواطنين القطريين أنهم غير آبهين إن حُلت أزمة الخليج أم لم تحل.

فهم من خلال تعليقاتهم يتوضح التفافهم الكبير حول حكومتهم وثقتهم بأمير بلادهم وقراراته، التي تأكد لهم بعد تجاوز الحصار بنجاح أنه جدير بهذه الثقة.

ويرى آخرون أن السبب في إقبال دول الحصار على حلّ الخلاف هي مصالح هذه البلدان، وليس رغبة بعودة العلاقات مع بلد شقيق.