اقتصاد » مياه وطاقة

ما بعد اكتتاب أرامكو.. هل فشلت خطط التنويع الاقتصادي في السعودية؟

في 2019/11/26

روبرت موغلنيسكي | معهد دول الخليج العربي في واشنطن-

قدم المصرفيون العاملون في الاكتتاب العام الأولي لشركة "أرامكو" السعودية توصيتهم المالية، حيث جاء تقييم المستثمرين للشركة بأقل من 2 تريليون دولار.

وبدورهم، ألغى المسؤولون السعوديون خططا لتسويق الأسهم مباشرةً في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

وستطرح "أرامكو" 1.5% فقط من أسهمها في بورصة الرياض "تداول" في الوقت الحالي، وسوف يستهدف الاكتتاب العام في هذه المرحلة السعوديين والأجانب المرخص لهم بالاستثمار في المملكة، مع نسبة محددة للاستثمارات الحكومية من قبل دول الخليج العربي وبعد الدول الآسيوية.

ومع الإدراج المؤكد، والاهتمام غير المؤكد من قبل المستثمرين خارج المملكة، يعد التناقض سمة رئيسية في الاكتتاب العام في "أرامكو" حيث تتعارض الجهود السعودية النعتثرة لإقناع المستثمرين بقيمة "أرامكو" بشكل أساسي مع خطط البلاد لتنويع اقتصادها بعيدا الاعتماد على النفط.

ولا ترى الحكومة السعودية مستقبلا واعدا على المدى الطويل في مجال النفط والغاز، لكنها كانت تأمل في أن يرى المستثمرون جوهرة تاج البلاد بشكل مختلف.

توقعات معدلة

ومنذ الإعلان عن خطط الاكتتاب العام في "أرامكو" عام 2016، تم توفيق تقييم الشركة ومستقبلها طويل الأجل بشكل يسمح لجميع الأطراف المشاركة في الاكتتاب العام أن تستفيد ماليا.

وأصبح من الواضح الآن أنه يتعين على مختلف أصحاب المصلحة ضبط توقعاتهم بشأن الحوافز المالية، وأرادت الحكومة السعودية أن تحصل على 100 مليار دولار من خلال بيع 5% من أسهم الشركة عند تقييمها بقيمة 2 تريليون دولار.

ومع ذلك، حددت "أرامكو" نطاق سعر عرضها بين 30 و32 ريالا سعوديا للسهم، ما يشير إلى تقييم يتراوح بين 1.6 تريليون دولار و1.7 تريليون دولار، وبإدراج 1.5% من أسهم "أرامكو" بهذا السعر، فقد يولد هذا ما يصل إلى 25.6 مليار دولار.

ويتجاوز هذا المبلغ إجمالي الاكتتاب العام لـ"على بابا" عام 2014 الذي يعد الأكبر في التاريخ حتى هذه اللحظة، لكنه لا يزال أقل بكثير من التوقعات الأولية التي حددها المسؤولون السعوديون.

وفي الواقع، توجد حاجة إلى مزيد من الاستثمار لتعزيز أجندة التنويع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، وقدر معهد "ماكينزي" العالمي أن "التحول الاقتصادي القائم على الإنتاجية" في المملكة سيتطلب استثمارات تبلغ قيمتها نحو 4 تريليونات دولار.

ومن المتوقع أن تصل تكاليف مبادرات برنامج التحول الوطني إلى نحو 119 مليار دولار خلال 5 أعوام، مع توقع أن تتحمل الحكومة غالبية الإنفاق. علاوة على ذلك، لا تشمل تقديرات برنامج التحول الوطني هذه مبادرات التطوير باهظة الثمن، مثل مدينة "نيوم" ومشروع تطوير البحر الأحمر.

وكان من المفترض أن تحصل البنوك العالمية المشاركة في الاكتتاب العام على أكثر من 200 مليون دولار من الرسوم، لو حققت أهداف الحكومة السعودية الطموحة للاكتتاب العام.

ومع ذلك، وضع العديد من المستثمرين الدوليين تقييم "أرامكو" في مكان ما بين 1.1 تريليون دولار و1.6 تريليون دولار، مما حد من قدرة البنوك على تلبية التوقعات المالية للمسؤولين السعوديين وتيسير الوساطة المربحة.

ومن المرجح أن تتلقى البنوك المشاركة في الاكتتاب العام في "أرامكو" ما يقرب من 90 مليون دولار، في حين أن "علي بابا" دفعت ما يقدر بنحو 300 مليون دولار كرسوم خلال إدراجها في عام 2014 في نيويورك.

ويستفيد المستثمرون من الأفراد والمؤسسات إذا ارتفعت قيمة الأسهم المشتراة، وكذلك عند تلقي أرباح الأسهم، وكان التقييم المرتفع الذي سعت إليه الحكومة السعودية في البداية لا يترك مجالا أمام الأسهم للارتفاع.

بخلاف ذلك، وعدت "أرامكو" بتوزيع أرباح سنوية بقيمة 75 مليار دولار على الأقل على مدى الأعوام الـ5 المقبلة، وهو ما يعني أرباحا تتراوح ما بين 4.4% و4.8% سنويا، ويقل هذا العائد عما توزعه "إكسون موبيل" التي توزع عائدات بنسبة 5% أو "شل" التي تبلغ نسبة العائد على أسهمها 6.4%.

وستقوم أرامكو بمنح الأولوية لتوزيع الأرباح على المساهمين غير الحكوميين على أساس تناسبي، حتى لو انخفضت أرباح الشركة، ويصور التركيز قصير الأجل على عوائد الأرباح الصفقة باعتبارها ليست أكثر من إصدار سندات، حيث يحصل المقرضون في كثير من الأحيان على أسعار فائدة ثابتة، بدلا من شراء أسهم في شركة ذات إمكانات نمو حقيقية.

موازنة الطلب

وبالإضافة إلى ضمان توزيعات الأرباح، سعت "أرامكو" إلى إيجاد طرق أخرى لتشكيل ديناميات الاستثمار قصيرة الأجل في الاكتتاب، ومنع الأسهم من الهبوط بعد بدء التداول.

ويحصل المواطنون السعوديون على سهم واحد مجاني لكل 10 أسهم يتم شراؤها، شريطة أن يحتفظوا بأسهمهم لمدة 180 يوما، وسمح البنك المركزي للبلاد للمصارف المحلية بمضاعفة حدود الإقراض القياسية لاستيعاب المستثمرين الأفراد الذين يسعون لشراء أسهم "أرامكو".

وكان أداء الاكتتابات العامة الأخرى المرموقة، وإن لم يكن في قطاع الطاقة، ضعيفا هذا العام؛ حيث تراجعت أسعار أسهم "ليفت" و"أوبر" في الأيام الأولى من التداول، وأثبتت أنها مخيبة للآمال في النهاية.

وقد يؤدي العرض المتتابع لأسهم أرامكو بعد فترة الإغلاق، وهي مرحلة يُحظر فيها إصدار أسهم إضافية ولا يستطيع المساهمون الداخليون بيع الأسهم، إلى ضغط هبوطي على أسعار الأسهم وإثارة عمليات بيع من قبل المستثمرين.

ومع تخصيص نحو 0.5% من الأسهم للمستثمرين الأفراد، يتعين على أرامكو بيع 1% من الأسهم، أي بنحو 17 مليار دولار، للمستثمرين من المؤسسات. ويزيد إلغاء العروض الترويجية الدولية لأرامكو من الأهمية النسبية للتمويل من دول الخليج المجاورة، وكذلك من روسيا والصين ودول آسيوية أخرى.

وتخطط أرامكو لاستضافة اجتماعات استثمارية في فندق "ريتز كارلتون" في دبي، ومركز دبي المالي العالمي، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني. ومن جانبهم، نفى مسؤولو صندوق الاستثمار المباشر الروسي الشائعات بأن صندوق الثروة السيادية سوف يقوم باستثمار كبير في الاكتتاب العام، لكنهم أكدوا أن صندوق الاستثمار الروسي الصيني "يعمل على جذب المستثمرين الصينيين إلى الاكتتاب العام في أرامكو السعودية"، ورفضت "بتروناس" الماليزية و"لوك أويل" الروسية المشاركة في الاكتتاب.

ضوء من الأمل

وصل صافي دخل الشركة في عام 2018 إلى 111 مليار دولار، مع تكلفة إنتاج لبرميل النفط الواحد هي الأدنى في العالم عند 2.80 دولار للبرميل. وتنتج الشركة نحو 10% من النفط العالمي، حيث تضخ نحو 10.3 مليون برميل يوميا، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي.

ومع وجود 297.7 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة من النفط اعتبارا من عام 2018، تقدر أرامكو أن بإمكانها الحفاظ على الضخ مستمرا لأكثر من 50 عاما.

وتعد أرامكو شركة معقدة تجمع بين الخبرة العميقة في قطاع الطاقة مع إمكانيات التوسع والتكرير السريع, وتعكس التقارير التي تفيد بأن أرامكو قد حجزت 19.5 مليار دولار من طلبات البيع من المستثمرين الأفراد والمؤسسات بعد 5 أيام من الإعلان عن الاكتتاب قوة الشركة اليوم.

ومع ذلك، فإن مقدار تعطش السوق إلى السلع الهيدروكربونية إلى السوق، والسعر الذي سيحققه السهم على مدار السنوات الخمس المقبلة لا يزال غير مؤكد.

وتبقى المخاطر كثيرة، مثل انعدام الأمن الإقليمي، وتقلبات أسعار النفط، وانخفاض الطلب على الخام السعودي بسبب إدخال تقنيات ولوائح جديدة، وتغيير تصورات صناعة النفط والغاز بسبب تغير المناخ، وقد تخفف استراتيجية "رؤية 2030" لتحويل أرامكو إلى "مجموعة صناعية عالمية" من بعض هذه التهديدات، ولكنها ستؤدي حتما إلى ظهور مخاطر جديدة.

وقد يؤدي إكمال الاكتتاب العام في أرامكو إلى تنشيط برنامج الخصخصة الأوسع نطاقا في البلاد، الذي توقف في الوقت الحالي.

وكان المسؤولون السعوديون يأملون في أن تولد مبادرات الخصخصة ما يصل إلى 40 مليار ريال، أو نحو 10.7 مليار دولار، من العائدات الحكومية، وأن تؤدي إلى توفير 35 مليار ريال، أو نحو 9.3 مليار دولار، من صافي المدخرات الحكومية، بحلول عام 2020.

ويمكن إعادة استثمار هذه العائدات بشكل فعال في تطوير القطاعات غير النفطية، مثل التكنولوجيا والسياحة والترفيه، ورغم ذلك، يبدو أنه لم يتم إحراز تقدم كبير في مبادرات الخصخصة بحلول الوقت الذي تم فيه طرح الاكتتاب العام الأولي في أرامكو.

من غير المفاجئ إذن أن تبذل السلطات السعودية جهودا جديدة لتشجيع المزيد من استثمارات القطاع الخاص في الاقتصاد غير النفطي في البلاد.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، وضعت الحكومة برنامجا متعدد الجولات لمدة 90 يوما لكل جولة، لإعداد خطط تعمل عليها اللجنة الاستراتيجية في مجلس شؤون الاقتصاد والتنمية حول كيفية إشراك القطاع الخاص بشكل أفضل في مبادرات التنويع الاقتصادي.

وأثناء صياغة هذه الخطط، ستواصل الحكومة اعتمادها بشكل كبير على الضرائب وأرباح الأسهم وحقوق الامتياز في أرامكو، وقد بلغ مجموع عائداتها نحو 160 مليار دولار في عام 2018.

لقد كشف مسار الاكتتاب العام الأولي في أرامكو عن حقيقة قاسية وصعبة، وهي أنه قد لا يكون الاكتتاب العام في أكبر شركة منتجة للنفط في العالم هو الطريق الأفضل نحو تمويل تنويع الاقتصاد السعودي بعيدا عن الاعتماد المفرط على إيرادات النفط والغاز.