علاقات » تركي

ماذا يضيف الحضور التركي في قطر للتحشيد العسكري الغربي بالخليج؟

في 2019/11/28

الخليج أونلاين-

تعد منطقة الخليج العربي من أكثر المناطق استراتيجية في العالم، بسبب موقعها الجغرافي، والأهم احتواؤها على أكبر احتياطي نفطي، بالإضافة إلى آبار الغاز، وانطلاق ناقلات النفط إلى العالم منها، أي إنها أحد أبرز مصادر الطاقة على المستوى الدولي.

أدى التنافس بين إيران والسعودية من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، إلى تحشيد عسكري دولي في منطقة الخليج بسبب تهديد الملاحة المائية التي تعد شريان طاقة مهماً لكثير من دول العالم، خصوصاً في أوروبا وشرق آسيا، التي تعتمد على النفط والغاز القادم من الخليج.

كما أن السياسات غير المدروسة التي قامت بها السعودية والإمارات، بصحبة البحرين، عبر حصار قطر عام 2017، زادت من حدة التوتر في البقعة النفطية ذات الحرارة المرتفعة، ومن ثم ازدياد التسلح وإنشاء قواعد عسكرية جديدة غير تلك الموجودة سابقاً، والتي جاء بعضها بهدف تأمين الملاحة، إلا أن كثيراً منها ربما وجد لتحقيق التوازن بين ضفتي الخليج، إيران على ضفة، والدول الخليجية على الضفة الأخرى.

قواعد عسكرية في الخليج

تعتبر منطقة الخليج من أكثر المناطق زخماً بالقوات العسكرية الأجنبية بسبب تشابك علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ولحماية مصادر الطاقة من أي اعتداء محتمل.

ففي البحرين افتتحت في ميناء سلمان شرقي البحرين، في أبريل 2016، أول قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في الشرق الأوسط منذ عام 1971.

في الوقت الذي تملك فيه الولايات المتحدة العدد الأكبر من القواعد العسكرية في الخليج، حيث تضم الكويت أكبر عدد من الجنود الأمريكيين في الخليج يصل إلى 16 ألف جندي.

كما تضم قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج، وهي قاعدة العديد، التي تضم نحو 13 ألف جندي أمريكي، في حين يتمركز الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، وفيه ما يصل إلى 7 آلاف عسكري.

ويوجد بالإمارات أكبر عدد من القواعد لدول مختلفة، حيث فيها قواعد لأمريكا وفرنسا وأستراليا، ويعد ميناء جبل علي من أكبر مراكز الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية في الخارج، ويصل عددهم إلى 5 آلاف جندي أمريكي في أبوظبي وقاعدة الجفرة الجوية.

وفي قطر بالإضافة إلى ذلك قاعدة عسكرية تركية أسست عام 2014، ثم ألحقتها بأخرى في أغسطس 2019، تضم قوات برية ومدرعات.

وسبق للسعودية أن أنهت وجود القواعد العسكرية على أراضيها عام 2003، وإن بقي عدد محدود من الجنود في إطار مهام التدريب والتعاون العسكري بين البلدين، إلا أن التوترات الأخيرة مع إيران في مياه الخليج، وتهديد الملاحة، دفعها لطلب إرسال قوات أمريكية يصل عددهم إلى ثلاثة آلاف جندي حتى الآن، ومن المتوقع زيادة العدد.

ويأتي انتشار هذه القوات وتلك القواعد بموجب اتفاقيات دفاعية، ومنذ حرب الخليج الثانية 1990 ازداد الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي، ثم أصبح أكثر عدداً وأوسع انتشاراً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ثم الحرب على العراق 2003.

واستخدمت واشنطن تلك القواعد في عملياتها العسكرية آنذاك، ثم في حرب تنظيم "داعش" منذ 2014.

في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يرى المحلل السياسي مفيد مصطفى أن "الوجود العسكري الأجنبي بدول الخليج يشكل قوة ردع لإيران في حال فكرت بحرب شاملة، على الرغم من أن هذه القواعد العملاقة لم تتمكن من ردع إيران ووكلائها الحوثيين عن شن هجمات على المرافق الأساسية في السعودية، وآخرها الهجوم على أرامكو، كما لم ترد على استهداف سفنها ومسيراتها بشكل مباشر من قبل طهران".

بطبيعة الحال- يضيف "مصطفى"- لا يمكن فصل الوجود العسكري عن النفوذ السياسي، ومن ثم فإن كل الدول التي لها قواعد عسكرية بالخليج تسعى إلى أن يكون لها نفوذ "جيوسياسي" بمنطقة تعتبر شريان العالم للنفط والطاقة.

تركيا حاضرة

لم يكن قدوم تركيا إلى قطر مرحباً به من السعودية والإمارات، حيث إنها قد تكون عثرة في طريق أي مخطط يحاك ضد الدوحة، ففي عام 2014 أنشئت القاعدة بموجب توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين وزارة الدفاع القطرية ووزارة الدفاع التركية، بحيث تكون مقرّاً لتدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين التركي والقطري.

ومع بداية الأزمة الخليجية أقر البرلمان التركي الاتفاقية بشكل عاجل عام 2017، وطلبت كل من السعودية والإمارات والبحرين من دولة قطر غلق القاعدة العسكرية التركية وإنهاء التعاون العسكري مع تركيا، لكن الدوحة رفضت ذلك مطلقاً.

بل وزاد الرفض بأن قامت قطر بافتتاح قاعدة عسكرية تركية جديدة، أعلن عنها في أغسطس الماضي، وتحدث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته الأخيرة إلى قطر يوم الاثنين (25 نوفمبر الجاري)، قائلاً: "انتهينا من تشييد الثكنة العسكرية التركية الجديدة في قطر وسنطلق عليها اسم خالد بن الوليد".

وأضاف الرئيس التركي، خلال كلمة من القاعدة العسكرية التركية في الدوحة: إنه "لا فرق عندنا بين أمننا وأمن قطر"، مؤكداً أن "المطالبين بإغلاق القاعدة التركية (في الدوحة) لا يعلمون أنّنا أصدقاء قطر وقت الشدة".

وحول قيادة القوات التركية القطرية المشتركة، قال أردوغان: إنها "أنموذج لروح الصدق والإخلاص في علاقات الدول، وليست نتيجة لعقلية الهيمنة القائمة على المصالح مثل حالات أخرى".

وفي حين لم تعلن قطر أو تركيا حتى الآن انضمامهما لتحالف حماية الملاحة في الخليج الذي تقوده أمريكا، أكد أردوغان أن قيادة القوات المشتركة "هدفها الاستقرار والسلام بمنطقة الخليج برمتها، وليس قطر فحسب"، مضيفاً: "لا ينبغي لأحد أن ينزعج من وجود بلادنا في المنطقة".

وسبق أن عرضت أنقرة على الرياض أن يكون لها قاعدة عسكرية فيها، لكنها رفضت، رغم أنها لا تنعم بالأمن المطلوب منذ تدخلها في اليمن عام 2015، في حين تتمتع تركيا بعلاقات مستقرة مع إيران وتفاهمات إقليمية.

حيث كانت جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، تمطر المناطق الجنوبية من المملكة بصواريخ سكود وتقصف مواقع حيوية باستخدام طائرات مسيرة، إلى أن جاءت أحداث استهداف محطات أرامكو بالمنطقة الشرقية والتي أحدثت خسائر هائلة بإنتاج النفط السعودي، واتهام الرياض لطهران بتنفيذ الهجوم، وهو ما نفته الأخيرة في ظل تبني جماعة الحوثي للعملية.

وعن ذلك، يقول مفيد مصطفى لـ"الخليج أونلاين": "لا يخفى على أحد أن حصار قطر من قبل جيرانها أتى بعد قمة الرياض الشهيرة التي حضرها ترامب، وانحاز في البداية بشكل صريح إلى دول الحصار، على الرغم من وجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الدوحة، فاستعانت الدوحة بحليفها الاستراتيجي أردوغان، وأنشئت قاعدة عسكرية تركية بسرعة فائقة، تمكنت من ردع السعودية والإمارات".

ويبرهن على ذلك بالإشارة إلى ما كشفته الصحف العالمية فيما بعد عن خطة سعودية إماراتية لغزو قطر، والتي تمكنت واشنطن والكويت من إيقافها.

ويستدرك مصطفى بالقول: "يمكن القول إنه إلى الآن ما زال الخطر قائماً في ظل عدم حل الأزمة الخليجية، لذا تعمد قطر إلى تقوية علاقتها العسكرية بحليفها التركي، وافتتاح القاعدة التركية الثانية يصب في هذا الجانب".

الغرب ينافس أمريكا

تكرر الهجمات في الخليج دفع الولايات المتحدة وفرنسا إلى تعزيز أنظمة الرادار في السعودية خاصة، حيث قال قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينث ماكنزي، في 24 نوفمبر 2019: "نواصل تمحيص المعلومات الخاصة بالهجوم على أرامكو، وسوف يقوم السعوديون في الأساس بالكشف عن هذا الأمر".

وتابع: "نعمل مع السعوديين لزيادة ترابط أنظمتهم، هذا سيجعلهم قادرين بشكل أفضل على الدفاع في مواجهة مثل هذه التهديدات"، متوقعاً أن تنفذ إيران هجوماً جديداً.

وأضاف ماكنزي أن زيادة الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوبي الرياض، إضافة إلى وجود قواعد كبرى في قطر والبحرين، سيزيد من "تعقيد قدرة الخصم على استهدافك".

من جانبها، قالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي: إن "باريس ترسل بشكل منفصل للرياض مجموعة قوية من وسائل الإنذار المبكر، من بينها أنظمة رادار، للتصدي للهجمات بوسائل تطير على ارتفاع منخفض".

وأوضحت بارلي: "نشهد انسحاباً أمريكياً متعمداً وتدريجياً"، مشيرة أيضاً إلى عدم وجود رد فعل أمريكي على الهجوم الكيماوي الذي شنه نظام الأسد ضد المدنيين في سوريا عام 2013، وعلى إسقاط إيران طائرة أمريكية مسيرة هذا العام.

وأردفت أنه حان الوقت "لإيجاد رادع من جديد"، لافتة إلى جهود فرنسا لتشكيل مهمة بحرية بقيادة أوروبية بعيداً عن حملة الضغوط القصوى على إيران التي تشنها الولايات المتحدة، للمساعدة في "تهدئة حدة التوتر".

توازن أم صراع نفوذ؟

ويرى مراقبون أن الوجود الغربي والتركي في الخليج يحقق توازناً كبيراً في القوى على الأرض ويضمن حماية بعيدة الأمد لتلك الدول من أي اعتداءات.

ويضيف مصطفى، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "بعد الهجمات في الخليج، واستهداف مصافي نفط أرامكو، وتوجيه الرياض وواشنطن أصابع الاتهام لإيران، برز تساؤل عن مدى قدرة أمريكا على حماية السعودية التي تعرضت لعدة هجمات وصلت إلى العاصمة الرياض، كما أن إيران اعتدت بشكل مباشر على سفينة نفط بريطانية، وأسقطت مسيرة أمريكية، ولم نشهد أي رد عسكري من هذه الدول، وذلك لأن إدارة ترامب تفضل القوة الناعمة على الحروب المكلفة مادياً بعقلية رجل الأعمال (ترامب)، والدول الأوروبية تريد بعث الحياة فيما تبقى من الاتفاق النووي، إلا أنه لا شك أن وجود هذه القواعد الأجنبية بالخليج يشكل حالة ردع لإيران في حال حاولت شن حرب شاملة".

ويرى أن دول الخليج تحاول منذ مدة  تنويع مصادر أسلحتها، وألا تكون الولايات المتحدة الأمريكية مصدرها الوحيد، ويكون لها تحالفات عسكرية مع دول أخرى، والخطوة الفرنسية بإنشاء مقر قيادة لمراقبة الملاحة بالإمارات، وتزويد السعودية بأجهزة إنذار، تصب في هذا الجانب، وربما تود الدول الأوروبية أن تعتمد على نفسها في حماية ملاحتها بالخليج، وأن يكون لها موطئ قدم بعد خلاف الناتو مع أمريكا.

لكنه يستدرك بالقول: "لا يمكن لأحد أن ينافس أمريكا في الخليج، فواشنطن ورثت الوجود العسكري البريطاني هناك، ولها قواعد عسكرية مرعبة، وقد خاضت حربين لمصلحة دول الخليج، كما أن أكثر من 90٪ من أسلحة دول الخليج أمريكية، ومن ثم فإن من العبث حتى التفكير بمنافسة أمريكا".