خاص الموقع

التحالف فرط والعسكر إلى المنازل دُر

في 2019/11/29

مبارك الفقيه- راصد الخليج-                                                                              

حزمت القوات الإماراتية متاعها وعتادها، وسلّمت قيادة التحالف العربي – الدولي المواقع التي كانت تشغلها في اليمن، وسارت القوافل العسكرية عائدة إلى قواعدها في أرض الوطن .. انتهت المهمة وها هي مناطق الجنوب اليمني بدأت تستعيد استقرارها، فيما بدا أن المفاوضات الحوثية – السعودية، والتي تمّت أولاً بوساطة عمانية وأردنية، ثم باتصال مباشر بين الجانبين وكذلك عبر تقنية الفيديو، قطعت شوطاً مهماً على طريق وضع الأسس الكفيلة بإنهاء حرب الاستنزاف بعد أربع سنوات من المحنة، لم يرَ فيها الشعبان السعودي واليمني إلا الويلات، دون تحقيق أي من الأهداف سوى إنزال القتل والجرح والأسر والدمار والتشريد.

هل استشرف الإماراتيون الغد القريب حول مستقبل محنة اليمن فعادوا أدراجهم؟ أم أنهم رأوا في استعادة أبنائهم إلى المنازل قراراً حكيماً للحيلولة دون امتداد النار إلى مدن الاقتصاد والمال ومراكز التجارة العالمية؟ أم أنهم تلمّسوا في شريك الحرب والسلم والنفط والثروة النفطية (المملكة العربية السعودية) اتجاهاً للتسوية فاستبقوا الأمر ليحجزوا لهم مكاناً على مقاعد المفاوضات حين ترى النور وتخرج من تحت الطاولات إلى العلن؟

والأجوبة على هذه الأسئلة وعلى غيرها مباحة وموجودة ومكتوبة في ساحة الميدان، وقد قام الحوثيون ترجمتها بلغة النار بهجوم واسع أسموه "وإن عدتم عدنا"، واستهدف مقرات التحالف في منطقة المخا، بتسع صواريخ بالستية وأكثر من عشرين طائرة مسيّرة، مما تسبّب بسقوط أكثر من 350 إصابة بين قتيل وجريح من جنسيات سعودية وإماراتية وسودانية، فضلاً عن تدمير 5 مخازن أسلحة وإعطاب عدد من الآليات والمدرّعات في المعسكرات، وتزامنت هذه الضربة مع احتجاز الحوثيين ثلاث سفن في البحر الأحمر.

فاتورة عسكرية – ميدانية ثقيلة تكبدتها قوات التحالف، جاءت – كما أعلن الحوثيون - في إطار "الردّ على الانتهاكات التي يقوم بها التحالف ومرتزقته عبر تنفيذ أكثر من 67 غارة وسقوط عدد من القتلى والجرحى المدنيين ومواصلة إطباق الحصار البحري"، وكأنّ الحوثيين يريدون بذلك تثبيت معادلة قوة برية وبحرية، وفرض أوراقهم على طاولة المفاوضات؛ وبذلك لم تعد القضية متمحورة حول خطوة الإنسحاب الإماراتية، وغيرها من القوات المستقدمة، بل في الأفق السياسي الذي تراه المملكة لكيفية ترتيب النزول عن الشجرة اليمنية بأقل الخسائر، ويأتي في هذا السياق إطلاق السعودية مؤخراً سراح عشرات الأسرى الحوثيين كبادرة حسنة تؤشر إلى اعتماد الرياض التهدئة كسبيل لإنهاء ملف الحرب، وهو ملف كثر الحديث عنه في الأشهر الأخيرة، ولكنه انتقل اليوم إلى الرواق السعودي، بعدما فشلت خطوة توحيد قوى الجنوب وإظهارهم ككيان يمني يتخذ صفة الشرعية والتكافؤ إزاء الكيان الحوثي.

وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي يواكب مسار الوساطة والتفاوض أكّد الرغبة المشتركة عند الطرفين "بالذهاب إلى الأمن والسلم والاستقرار"، ويبدو أن لا مشكلة لدى المملكة في هدنة طويلة الأمد، ولكنها حتى الآن تواصل فرض الحصار البري والبحري والجوي على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كيلا تتخلّى عن كل أوراق الضغط، ولكن يبدو أن أفق هذه الهدنة غير معلوم مع استمرار السباق في الميدان العسكري على من تكون له ضربة الختام، وهو ما ترجمته قوات التحالف بشن 13 غارة جوية على جزيرة كمران ورأس عيسى في محافظة الحديدة، بالقرب من الميناء النفطي الذي يدخل ضمن إطار اتفاق السويد، أما في الميدان الدبلوماسي فيواصل الطرف الحوثي اتّباع سياسة الغموض، فلا يؤكد وجود هذه المفاوضات أصلاً ولكنه لا ينفيها "لحاجة في نفس يعقوب"، على حد تعبير الناطق باسم الحوثيين محمد البخيتي، فيما تستمر التسريبات عن بعض جوانب ما يجري دون أن يلتزم الحوثيون بأي موقف بشأن المفاوضات ومآلاتها، في ظل مناخ من انعدام الثقة يسود بين الطرفين.

إذن، لا يمكننا أن نجزم بأن الحرب في اليمن انتهت، بل ما يجري حتى الآن عملياً وقف لإطلاق النار يتم خرقه من الطرفين السعودي والحوثي من وقت لآخر، ففيما يطالب الحوثيون بأن تكون الهدنة محدّدة بسقف زمني ووقف شامل للحرب ورفع الحصار المثلّث الجوانب يصرّ السعودي على هدنة تمهّد لمرحلة انتقالية تنتهي بوقف الحرب، في حين يستعجل المندوب الدولي مارتن غريفيث إعلان نتيجة ما إيجابية يمكن البناء عليها، حتى لا يخرج من القضية بخفّي حنين.

ثمة مصادر تلفت إلى أن الرياض تريد كسب الوقت دون أن تلتزم باتفاقات محدّدة، وتحصل على ضمانات بعدم تعرّض المدن والمنشآت السعودية الحيوية للضرب مرة أخرى، لا سيّما أن كل الوسائط الدفاعية فشلت في منع تعرّض منشآت أرامكو للاستهداف، فضلاً عن أن خطة ولي العهد محمد بن سلمان تواجه صعوبات جدّية على صعيد استدراج الشركات الكبيرة ودفعها إلى الإكتتاب في أسهم أرامكو وفق المستوى المطلوب، وهو ما يعرقل مشروعه النهضوي 2030 الموعود، كما يريد تمرير أعمال قمة العشرين المزمع عقدها في الرياض العام المقبل بلا مشاكل، لضمان ورود الاستثمارات العالمية التي تشترط وجود ساحة آمنة لتأخذ طريقها إلى التطبيق، واستمرار الحرب من شأنه تهديد حصول هذه القمّة بكل تأكيد، دون أن نغفل حجم الاستنزاف الكبير الذي تكبدته الخزينة السعودية، فوفق ما ذكرت صحيفة "ناشيونال انترست" الأمريكية تكبّدت المملكة كلفة الحرب بما يفوق 100 مليار دولار، واستنزفت الاحتياطي النقدي الذي عملت عقوداً على إدّخاره.

يبدو أن الخيارات أمام السعودية ليست كثيرة، وبدأت تضيق شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت، فالحوثيون يملكون الآن العناصر القوية، ولا سيما البشرية والعسكرية والجغرافية منها، والتي تجعلهم يفرضون شروطهم في أي تسوية إذا ما استمرت عملية "عض الأصابع"، وهم يتباهون اليوم بقدرتهم على الصمود على مدى سنوات الحرب وإفشال منظومة الأهداف التي أعلنت السعودية وقوات التحالف نيتهم تحقيقها، وهذا أمر واقع لا يمكن إنكاره، يضاف إلى ذلك إخفاق الرياض في جمع المتناقضات اليمنية في الجنوب باتجاه تشكيل كيان يمكن الاعتماد عليه في تظهير موقف يمني ينطق بالموقف السعودي، دون أن تغض النظر عن الأطماع الإماراتية في محافظات الجنوب، ومن هنا فإن الخشية تكمن في أن يؤدي الاستمرار بالتصلّب إلى مزيد من الخسائر السياسية والمالية بما يؤثر على سمعة المملكة واستقرارها الداخلي وصورتها الخارجية، فقد استطاعت حرب اليمن حتى الآن أن تفرط عرى التحالف، فيما بدأ الجنود السعوديون يجدون أنفسهم وحيدين في الميدان وتحت رحمة الصواريخ الحوثية، وهذا ما يحتّم على الرياض اتخاذ قرار سريع بإعادة أبنائنا إلى المنازل ببهجة وسرور بدل أن يعودوا على أصوات النواح والنحيب.