علاقات » خليجي

قمة مرتقبة بآمال منشودة.. ما هي صعوبات المصالحة الخليجية؟

في 2019/12/02

الخليج أونلاين-

تذهب جميع التوقعات المبنية على تحركات وقرارات برزت مؤخراً إلى وجود انفراجة مرتقبة في الأزمة الخليجية، ولا يستبعد حلّها؛ في ظل التحركات والوساطة التي تجريها الكويت، كما لا يُمكن تجاهل الضغط الأمريكي بضرورة وضع حد لما يشهده مجلس التعاون الخليجي من انشقاق وخلاف بين أعضائه.

وبرزت في الأيام الأخيرة أحداث ومواقف تشير إلى إمكانية حدوث انفراجة طال انتظارها، في القمة الخليجية التي تحتضنها العاصمة السعودية، في الـ10 من ديسمبر الجاري، بحسب ما أعلنه رسمياً الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني.

وبعد رفض سابق، أعلنت منتخبات السعودية والإمارات والبحرين مشاركتها في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم (خليجي 24)، المقامة حالياً في قطر، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "تطور نوعي يُمهد الطريق نحو إتمام المصالحة الخليجية".

"قمة مهمة للمصالحة"

رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، أكد أن القمة الخليجية القادمة ستُعقد في الرياض، موضحاً أن التجمع المرتقب سيكون "محطة مهمة جداً للمصالحة الخليجية"، المشتعلة منذ يونيو 2017، بحصار على دولة قطر تشنه السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة لمصر.

وتنعقد القمة الخليجية هذا العام في الرياض للعام الثاني على التوالي، بعد استضافتها القمة السابقة، في التاسع من ديسمبر 2018، بدلاً من سلطنة عُمان، التي اعتذرت عن عدم الاستضافة.

وإلى جانب الوسيط الكويتي تدفع قوى دولية، وعلى رأسها أمريكا، في اتجاه الحل؛ لكونها تجد في إنهاء هذا الوضع المعقد "حالة من التصدي لإيران"، لكنها تدرك هي وغيرها أن هناك عراقيل لا تزال تقف أمام المصالحة.

رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، ديفيد جولدفين، دخل على خط الحث في هذا الاتجاه، إذ تعمد الحديث في الإمارات مؤخراً حول ضرورة حل الأزمة الخليجية.

جولدفين الذي شدد على الخطر القادم من إيران وأنه يهدد المنطقة، قال إن "أي دولة لا تمتلك كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها بمفردها، لكننا معاً نملك كل ما نحتاجه للدفاع الجماعي"، في مواجهة "خصم مشترك يبدو متمسكاً بانتهاج سلوك خبيث في المنطقة".

تصريح القائد العسكري الأمريكي سبقه تصريح يصب في ذات الاتجاه صدر عن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 5 نوفمبر 2019؛ إذ دعا دول مجلس التعاون الخليجي إلى الوحدة من أجل مواجهة نشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، في إشارة منه إلى ضرورة حلّ الأزمة الخليجية.

وقال بومبيو تعقيباً على لقائه مع وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية، في العاصمة الأمريكية واشنطن: "أشكر قطر على شراكتها مع الولايات المتحدة"، مستطرداً بالقول: إن "وجود مجلس تعاون خليجي متحد أمر مهم من أجل الوقوف ضد سلوك النظام الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة".

اللقاءات والتصريحات التي جرت خلال الأيام والأسابيع الماضية تكشف عن وجود رغبة من قبل دول الحصار لحلّ الخلاف، لكن قطر من جانبها تضع شروطاً للحل، لا سيما أنها تضررت كثيراً من الحصار، وبذلت الكثير حتى نجحت في تخطيه معلنة وصولها إلى بر الأمان.

قطر تصر على رأيها: الحوار بلا شروط

الأمان الذي بلغته قطر جعلها تصرح في أكثر من مناسبة أنها لم تعد بحاجة لعودة العلاقات مع دول الحصار في حال لم توافق الأخيرة على شروطها.

وهذا ما تذكره أمام الوسطاء، وكان في آخر مرة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، حيث جمع لقاء في 12 نوفمبر 2019، وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع نظيره الأمريكي، وأكد خلاله الوزير القطري أن بلاده تقدر جهود واشنطن "لإعادة مجلس التعاون لسابق عهده".

وأكد الوزير القطري أن بلاده أبدت استعدادها للحوار، لكنه شدد في معرض حديثه على أن هذا الحوار يجب أن يكون غير مشروط، ومبنياً على احترام سيادة الدول والاحترام المتبادل، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.

وذكر أيضاً أن جهود وساطة الكويت في الأزمة الخليجية لا تزال مستمرة، مؤكداً أن الزيارات التي أجراها مسؤولون كويتيون إلى السعودية وقطر في الآونة الأخيرة كانت في إطار بحث الأزمة الخليجية وتطورات أخرى.

ومعلوم أن الكويت تبذل جهداً كبيراً لحل الأزمة الخليجية منذ اشتعالها، بالإضافة إلى سعي آخر في ذات الإطار تبذله سلطنة عُمان، لكن الضغوط الأمريكية لحل هذه الأزمة تكثفت مؤخراً؛ وذلك لدعم جهودها في الضغط على إيران.

لكن السؤال الذي يُطرح في هذا الصدد هو: هل الجلوس إلى طاولة الصلح وحلّ الأزمة ورفع الحصار عن قطر يعيد الثقة للقطريين بهذه الدول، ويعيد العمل المشترك والمصالح المتبادلة مثل السابق؟

القطريون يرون صعوبة في عودة الحال إلى طبيعته السابقة، ويعتبرون أن ما حققته بلادهم في ظل الحصار فاق التوقعات؛ حيث نجحت في الاستغناء عن السوق الخليجية التي كانت ترتبط بها، وعبّدت طريقها للنجاح والبقاء دون الحاجة إلى الارتباط مع هذه الدول.

ضغط أمريكي

وكشف مصدر حكومي في العاصمة واشنطن، في 14 نوفمبر الماضي، أن المصالحة الخليجية-الخليجية "بلغت مرحلة متقدمة"، وسط جهود تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الأزمة المستمرة منذ أكثر من عامين.

ونقلت قناة "الحرة" عن المصدر قوله إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كلف السفير الأمريكي في الرياض، الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، ودبلوماسيين آخرين في وزارة الخارجية، ومسؤولين في البيت الأبيض، "تنسيق الأمور بعيداً عن الأضواء وفي شكل سرّي لتحقيق مصالحة خليجية - خليجية".

وأضاف المصدر: إن "مساعي ووساطات حصلت وتتواصل حتى الآن بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد".

وأردف قائلاً إن زيارة السيسي للإمارات جاءت في إطار التحضير لـ"قمة مصالحة ترغب الإدارة الأمريكية في إبرامها خلال اجتماع يحضره القادة الخليجيون في الولايات المتحدة، وربما في مقر كامب ديفيد، السنة المقبلة".

وذكر المصدر الحكومي في العاصمة واشنطن أن "الأمور بلغت مرحلة متقدمة" رغم الكثير من العراقيل، إلا أنها باتت "تحظى بتأييد مشروط من دول سلطنة عمان والكويت والإمارات وخصوصاً مصر"، التي وافقت "ضمنياً على المبادرة وأيدتها".

البحث عن ضمانات

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، الدكتور ماجد محمد الأنصاري، ذكر في مقطع مصور نُشر في "تويتر" مؤخراً، أن هناك عدة تحديات تواجه حلّ الأزمة الخليجية، لافتاً الانتباه إلى أهمية أن تكون هناك ضمانات لعدم تكرار مثل هذه الأزمة مستقبلاً.

وأشار في حديثه إلى أبرز التحديات؛ وفي مقدمتها صعوبة الحصول على ضمانات لعدم تكرار هذه الأزمة مستقبلاً، في حين رأى أن التحدي الثاني عدم وجود ظرف أو أزمة تضغط للسير نحو المصالحة، باستثناء دفع أمريكي ووساطة كويتية.

ورأى أن من بين التحديات أيضاً "وجود أزمة ثقة في الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية أيضاً، إضافة إلى تحدٍّ مهم وهو سيادة قطر فيما يتعلق بسياستها الخارجية تحديداً"، مشيراً إلى أن قطر ليس من مصلحتها تقديم مجاملات في الوقت الحالي وتقديم تنازل بهذا الأمر.

وأضاف: "التحدي الأخير حاجة دول الحصار إلى الخروج بماء الوجه من هذه الأزمة"، مشيراً إلى أنه "لا يبدو على هذه الدول أنها تراجعت عن سياستها القديمة، بل يبدو كهزيمة"، موضحاً أن قطر لن تقبل بهذا الأمر.

ويوافق حديث الأنصاري ما ذهب إليه رئيس الوزراء القطري السابق، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، الذي قال في سلسلة تغريدات عبر حسابه بموقع "تويتر"، إن الصلح المنتظر يحتاج إلى "تقييم مدى الضرر من جميع الأطراف"، مشدداً على أن يكون "هذا الحل للأزمة والحصار الذي فرض علينا، وأصاب المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً".

وأكد ضرورة أن يكون ذلك "عبرة" بحيث لا تتكرر مثل "هذه السياسات التي لم تُؤدِّ إلى نتيجة سوى إحداث خلل لمجلس التعاون الخليجي"، مبدياً ترحيبه بـ"الصلح غير المشروط الذي يحفظ كرامة وسيادة الدول".

وأشار إلى وجوب أن يكون هناك "بحث عميق من قبل أعضاء مجلس التعاون الذي جُمّد في هذا الخلاف، والمنطقة في أشد الاحتياج لمثل هذا التكتل".

ولفت إلى أن المجلس في آخر 10 سنوات "لم يكن فعالاً كما يطمح له شعوب المنطقة"، مشيراً إلى موضوع "الثقة المهزوزة بين أعضاء المجلس"، والتي تحتاج إلى سنوات من أجل إعادة بنائها، على حد قوله.

إحباط سعودي من الأمريكان 

ويرى المحلل السياسي العُماني عوض بن سعيد باقوير، في حديث خاص مع "الخليج أونلاين"، أن "الأزمة الخليجية وصلت إلى مرحلة أقنعت فيها الدول المحاصرة لقطر بأن هناك ضجراً شعبياً خليجياً من استمرارها".

وقال: إن "استمرار الأزمة الخليجية يهدد مجلس التعاون، وهذا يشكل ضربة كبيرة لأمن دوله، وربما تكون عودة عدد من الدول الخليجية للمشاركة في كأس الخليج في دولة قطر هي بداية انفراج نسبي لإيجاد حل توافقي".

وقال المحلل العُماني "باقوير": إن "السعودية تشعر بأن وجود دول المنطقة بجانبها هو أمر حيوي، خاصة في إطار التوتر مع إيران، ومن هنا فإن اتفاق الرياض، وزيارة خالد بن سلمان للسلطنة، ولقاءه بجلالة السلطان قابوس، يدخل في إطار  البحث عن صيغة توافقية لحل الأزمة في اليمن".

وأوضح المحلل العُماني "باقوير" أن "هناك إحباطاً سعودياً لأن الولايات المتحدة لم تواجه إيران عسكرياً بعد استهداف السفن في المنطقة، واستهداف المنشآت النفطية لأرامكو السعودية، وعلى ضوء تلك التطورات فإن مسقط سوف تشكل الدور الأهم في إيجاد مقاربة سياسية تنهي الحرب على اليمن أولاً، ومن ثم إطلاق حوار إيراني سعودي، وعودة العلاقات الخليجية إلى سابق عهدها في ظل الأخطار والتحديات التي تواجه دول الخليج".

وختم حديثه قائلاً: "يبدو لي أن السعودية أصبحت لديها قناعة بأن الاعتماد على واشنطن لمواجهة طهران أصبح محل شك، ومن ثم فلا بد من العودة إلى التحالفات التقليدية من خلال تجميع الكيان الخليجي الواحد، والإيمان بضرورة خيار الحوار مع إيران بعيداً عن الصراعات العسكرية التي أثبتت عدم جدواها، كما في النموذج اليمني".

ما هو رأي القطريين؟

مواقع التواصل دائماً ما تفصح عن حقيقة آراء الشعوب، وهي التي يفصح من خلالها القطريون عن آرائهم بطبيعة الحال. ومع السعي لحل الأزمة الخليجية يجد المتابع لآراء المواطنين القطريين أنهم غير آبهين إن حُلت أزمة الخليج أم لم تحل، فالحصار كان منفعة لقطر من عدة جوانب.

فهم من خلال تعليقاتهم يتوضح التفافهم الكبير حول حكومتهم وثقتهم بأمير بلادهم وقراراته، التي تأكد لهم بعد تجاوز الحصار بنجاح أنه جدير بهذه الثقة.

ويرى آخرون أن السبب في إقبال دول الحصار على حلّ الخلاف هي مصالح هذه البلدان، وليس رغبة بعودة العلاقات مع بلد شقيق.