سياسة وأمن » حروب

"عاصمة الاغتيالات".. الانفلات الأمني يعود إلى عدن برعاية اتفاق الرياض

في 2019/12/04

الخليج أونلاين-

لم تنفك عدن اليمنية عن سياسة الاغتيالات التي عانت منها خلال الأعوام القليلة الماضية، حتى عادت مجدداً لتنال من كوادر أمنية دون رادع أو معاقبة، بالتزامن مع عودة رئيس الحكومة اليمنية وبعد نحو شهر من اتفاق الرياض.

منذ يوليو 2015 حين طرد الحوثيون من عدن، والمدينة غارقة في عمليات الاغتيال التي تستهدف خطباء وأئمة مساجد وضباط في الأمن ورجال قضاء، وقد عادت سلسلة الاغتيالات إلى الواجهة منذ مطلع ديسمبر الجاري باستهداف مسؤولين أمنيين، وسط سيطرة وانتشار لقوات موالية للإمارات (المجلس الانتقالي المتهم بالاغتيالات) وإدارة سعودية للمشهد في المدينة.

لكن عودة الاغتيالات مجدداً إلى عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، لم يكن سوى واحداً من ملفات تشير إلى فشل تنفيذ اتفاق الرياض الذي أجبرت الرياض على ما بدا، الحكومة اليمنية على توقيعه مع المجلس الانتقالي للإمارات، والذي يراه اليمنيين يصب في مصلحة الأخير، وسط مؤشرات تؤكد على ذلك.

عودة الاغتيالات

عدن، التي لقبت خلال الفترة الماضية بـ"عاصمة الاغتيالات"، على خلفية تزايد الفوضى الأمنية في تلك المدينة الجنوبية، عادت مجدداً الأضواء إليها مع اغتيالات جديدة تشهدها.

في الأول من ديسمبر الجاري اغتال مسلحون مجهولون، مدير البحث الجنائي بمديرية المنصورة في عدن، الرائد صلاح الحجيلي، برصاص مجهولين في حي العيادات.

وكان الحجيلي قد نجا، في يناير 2016، من محاولة اغتيال بعبوة ناسفة زُرعت في سيارته.

وبعد أقل من 48 ساعة، أطلق مسلحين اثنين يستقلان دراجة نارية، الرصاص على رئيس قسم البحث الجنائي في شرطة العريش بمديرية خورمكسر شرق عدن، الرائد سالم لهطل، أثناء مروره قرب مسجد السنة في منطقة العريش​​​، وتسبب في وفاته على الفور.

وما بين الـ30 من نوفمبر والـ3 من ديسمبر، شهدت مدينة عدن أيضاً 4 عمليات اغتيال، استهدفت مدنيين، بينهم أئمة وخطباء مساجد، وسط فشل أمني كبير في وقف تلك العمليات، وعدم تبني أي جهة المسؤولية.

كما نجا في 2 ديسمبر الجاري، عبدالفتاح السعدي، قائد أركان اللواء الخامس عمالقة، من محاولة اغتيال بعد استهداف سيارته بعبوة ناسفة في خط التسعين بمديرية المنصورة بعدن، إضافة إلى نجاة مدنيين اثنين آخرين.

الإمارات..وشواهد سابقة

ولعل الشواهد السابقة على وقوف الإمارات خلف عمليات اغتيال، يضع أبوظبي وميليشياتها المتهم الرئيسي وراء عمليات الاغتيالات في عدن، ففي 25 نوفمبر 2019، نشرت قناة "الجزيرة" تحقيقاً عن ملفي الاغتيالات والسجون السرية، قالت إنها حصلت عليهما عبر محاضر تحقيق مع متهمين بتنفيذ عمليات اغتيال، وشهادات حصرية.

التحقيق ذكر أن المحاضر المسربة تقع في 87 صفحة، وتشمل إفادات 4 متهمين بالمشاركة في الاغتيالات، وتذكر الأسماء الكاملة للمتهمين الأربعة، وكل من يتعامل معهم، كما تضم اعترافات مفصلة باغتيالهم عدداً من أئمة عدن.

ونصت المحاضر على أن المسؤول الأول عن عصابة الاغتيالات في عدن كان يعمل مع الإماراتيين، وتحديداً مع ضابط إماراتي لقبه "أبو خليفة"، كما توثق إفادات المتهمين بأسماء الشخصيات المتورطة وأدوار المنفذين، بالإضافة إلى الجهات التي تمولها وتوجهها، وعلى رأسها قوات الحزام الأمني والاستخبارات الإماراتية.

وكان أخطر ما ورد في محاضر التحقيق أن عناصر من تنظيم القاعدة نفذت عمليات اغتيال بتوجيه من ضباط إماراتيين.

وتتوافق الاعترافات مع ما ورد في تقرير لفريق من الخبراء البارزين التابع لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أكد أنه رغم اختلاف الخلفيات السياسية والفكرية لضحايا عمليات الاغتيال فإن ما يجمعهم هو تأثيرهم في المجتمع وانتقادهم العلني للإمارات والمليشيات التابعة لها.

مدينة الموت

يقول المحلل السياسي اليمني ناصر الماوري، إن مدينة عدن تحولت بالنسبة لليمنيين إلى "مدينة الموت"، بعدما أصبحت الاغتيالات ملازمة لها في كل وقت.

ويضيف: "الإمارات منذ سيطرتها على مدينة عدن في 2016، أثبتت تعاوناً تاماً لها مع تنظيم القاعدة الإرهابي، من خلال تصفية كل شخص يعارضها أو يعارض ميليشياتها التي لا تزال تسيطر في جنوب البلاد، ولذلك لا عجب أن تعود هذه الاغتيالات".

يؤكد الماوري في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن عودة الاغتيالات لم تكن مفاجئة بل كانت متوقعة لإفشال الحكومة اليمنية وإلصاقها تهمة الانفلات الأمني وغيرها من الكوارث، على الرغم من معرفة الجميع بسيطرة ميليشيا الانتقالي على الوضع الأمني بالمدينة".

وتابع: "نحن أمام محطة مأساوية جديدة، واتفاق الرياض لم يأتي ليحل المشكلة بل جاء ليزيد من تعقيدها، ولن تتوقف الاغتيالات بل ستتزايد، وبدون شك ستسجل هذه الاغتيالات ضد مجهول بينما الفاعل يعرفه الجميع".

مؤشرات لفشل اتفاق الرياض

ولعل الاغتيالات لم تكن سوى واحداً من الملفات التي لم ينجح اتفاق الرياض في حلها، فبعد مرور نحو شهر على توقيعه، لا يزال الأمر كما هو سابقاً منذ انقلاب القوات الموالية للإمارات في أغسطس الماضي على الحكومة، باستثناء عودة رئيس الحكومة معين عبدالملك إلى عدن رفقة عدد قليل من الوزراء.

وكان أول مؤشرات فشل الاتفاق تأخر عودة عبدالملك لنحو أسبوع من الموعد المحدد في الاتفاق، ليتبعها خطوات تؤكد فشله، من خلال منع قوات الانتقالي الجنوبي مسؤولين حكوميين من مزاولة أعمالهم في مقر المؤسسات الحكومية بعدن.

وبينما ينص الاتفاق على أن يقوم رئيس الحكومة بمسؤولياته في عدن، لا يزال محاصراً داخل القصر الرئاسي ويقتصر دوره على عقد اجتماعات بداخله، فيما يقوم رئيس "المجلس الانتقالي" المدعوم اماراتياً عيدروس الزبيدي، بمهام المسؤول الأول في عدن، من خلال تحركاته المستمرة وإدارته للمشهد بالمدينة، بعد عودته على متن طائرة خاصة إماراتية.

ولا تزال الصحيفة الرسمية الحكومية "14 أكتوبر"، التي تصدر من عدن، تخضع كلياً لإدارة الانتقالي الجنوبي،  وتستخدم الجريدة صفة الرئيس لـ"الزبيدي".

ومساء 3 ديسمبر، كشفت اللجنة العسكرية الحكومية المكلفة بتنفيذ الجانب العسكري من اتفاق الرياض، عن تعليق الطرف المقابل من المجلس الانتقالي عمله في اللجنة، وسط فشل سعودي لاحتواء الموقف.

وعلى ضوء ذلك حذر رئيس الحكومة اليمنية، من حرب أهلية "مدمرة" في حال فشل اتفاق الرياض، قائلاً: "إن اتفاق الرياض هو الحل الأخير".

لا ضمانات..والسعودية فشلت

الباحث السياسي اليمني ماجد الحمادي، قال في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إن الاغتيالات التي تشهدها عدن، يحركها لاعب واحد بهدف إرباك الوضع الأمني وإفشال أي محاولة لوضع حدٍ للإنفلات الأمني.

وأضاف: "أعتقد أن الانتقالي الجنوبي لا يريد أن يمضي اتفاق الرياض كما تم التوقيع عليه، على الرغم ان هذا الاتفاق الفاشل يعطي هذا المجلس الانقلابي شرعية ووجود مقابل تقليص وتحجيم دور الحكومة المعترف بها دولياً".

وأكد أن الاغتيالات والتوتر العسكري المستمر في أبين بين القوات الحكومية والانتقالي الجنوبي، ومنع استئناف الكثير من مؤسسات الحكومة من العمل "دلائل على أن السعودية فشلت بشكل ذريع في احتواء الموقف أو الضغط بقوتها لمنع أي خروج عن الاتفاق، أو ربما لم تخطط لحدوث أي فشل في اتفاقها".

وقال: "إذا نجح المجلس الانتقالي في الإبقاء على نفوذه وسطوته على القوى العسكرية والأمنية بعيد تشكيل الحكومة خلال الفترة المحددة لاتفاق الرياض، وبعد بدء عملية دمج قوات الحكومة والانتقالي وأستطاع أن يتحكم في قرارها، من المحتمل أن يؤدي ذلك لإعادة النزاع مجدداً، وهو ما سيمثل اختباراً أولياً للمدى الذي يمكن أن تنجح فيه السعودية في السيطرة على الوضع في جنوب اليمن".

وتابع: "لا ضمانات فعلية لتنفيذ الطرفين الاتفاق وهو ما يجعل جميع الاحتمالات واردة وخصوصاً الاحتمال الكبير للفشل".