ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

هل تسير الدوحة والرياض نحو مصالحة خليجية تستثني أبوظبي؟

في 2019/12/16

الخليجد اونلاين-

لعل بطولة كأس الخليج لكرة القدم "خليجي 24"، التي أسدل الستار عليها في قطر، في الثامن من ديسمبر الجاري، قد ألقت بظلالها على اقتراب حل الأزمة الخليجية فعلاً، خاصة مع الاستقبال السعودي الدافئ للوفد القطري، خلال قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت بالعاصمة الرياض، في الـ10 من الشهر ذاته.

ولكن هذا الاقتراب يفتح عدة تساؤلات متعددة حول شمولية الحل؛ هل يكون بين الجانبين القطري والسعودي فقط بحكم عدة مجريات حدثت في الآونة الأخيرة، لا تُظهر وجود أية بوادر من قِبل الإمارات للدخول في المصالحة الحالية، أو أن المنامة ربما تكون مع الرياض في خطوتها، في حين تبقى أبوظبي منفردة بسياساتها؟

وتذهب توقعات المراقبين إلى إمكانية حدوث ثغرة في جدار الحصار المفروض على قطر والمستمر منذ عام 2017، ولكنها ليست كاملة، إنما سيكون ذلك مع السعودية ثم رويداً رويداً مع البقية.

دلائل انفراج

ورغم أن غالبية ما سبق حول اقتراب الانفراجة كانت تسريبات صحفية، وتصريحات من قِبل الوسيط الكويتي، فإن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قال، يوم الجمعة (6 ديسمبر 2019): إن "هناك مباحثات مع الأشقاء في السعودية"، آملاً أن تسفر عن نتائج إيجابية.

وأوضح الوزير القطري، خلال منتدى "حوار المتوسط" بالعاصمة الإيطالية، أن الحديث لم يعد يدور حول المطالب الـ13 التعجيزية، مؤكداً أن المفاوضات تبتعد عنها.

وأكمل موضحاً: "انتقلنا من طريق مسدود في الأزمة الخليجية إلى الحديث عن رؤية مستقبلية بشأن العلاقة".

وشدد رأس الدبلوماسية القطرية على أن بلاده "لديها سياستها المستقلة"، مشيراً إلى أن شؤون قطر الداخلية "لن تكون محل تفاوض مع أي طرف".

وبيّن وزير الخارجية القطري قائلاً: "لم ندعم الإسلام السياسي ولا حركة الإخوان المسلمين، لكنَّ دعمنا كان للشعوب وليس للأحزاب السياسية"، مؤكداً بالقول: "دعمُنا لمصر لم ينقطع حتى بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي"، مؤكداً أن "الإخوان المسلمين" ليس لديهم وجود رسمي في قطر.

وبعد أسبوع (14 ديسمبر)، قال الوزير القطري، في تصريح لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، إن المحادثات مع السعودية قادت إلى إنشاء خط للتواصل مع الرياض، مستبعداً قيام الخط نفسه مع الإمارات.

ونفى وزير الخارجية القطري وجود أي محادثات مع الإمارات بشأن إصلاح العلاقات معها.

وأشار إلى أنه "لا يرى في الوقت الحالي إمكانية وضع موعد محدد للتوصل إلى اتفاق مع السعودية"، مضيفاً: "نحن الآن نتحاور مع السعودية، ونعتقد أننا سننظر في بقية القضايا بمرحلة لاحقة".

وفي وقت سابق من اليوم ذاته نقلت وكالة "رويترز" عن الوزير القطري قوله: إنَّ "تقدماً طفيفاً تحقق في سبيل حل الخلاف الذي نشب قبل عامين ونصف العام مع السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر"، مضيفاً: "تقدُّم طفيف (تحقَّق)، مجرد تقدُّم طفيف".

مفاوضات ثنائية

وعلَّق الباحث الإسلامي مهنا الحبيل على تصريحات الوزير، في تغريدة نشرها على "تويتر"، قائلاً: "نقطتان مهمتان: المفاوضات ثنائية مع الرياض، وخارج المطالب الـ13، وعليه هناك تغيُّر في حراك الدبلوماسية السعودية يبتعد عن أبوظبي".

وشدد الحبيل على أن الطرف القطري "لا يعلن مثل هذه المواقف، من خلال شخصية عالية المستوى، إلا بعد إحراز تقدُّم على الأرض".

ويبدو أن قطر بقيت متمسكة بشروطها لإنهاء الحصار، من دون شروط وبالحوار، لوضع أسس وآليات تبني العلاقة الأخوية بين الجيران من جديد.

وهذا ما يتم تأكيده بالمحافل الدولية وللوسطاء، وكان في آخر مرة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، حيث جمع لقاء في 12 نوفمبر 2019، وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع نظيره الأمريكي، وأكد خلاله الوزير القطري أن بلاده تقدر جهود واشنطن "لإعادة مجلس التعاون إلى سابق عهده".

وأكد الوزير القطري أن بلاده أبدت استعدادها للحوار، لكنه شدد في معرض حديثه، على أن هذا الحوار يجب أن يكون غير مشروط، ومبنياً على احترام سيادة الدول والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وذكر أيضاً أن جهود وساطة الكويت في الأزمة الخليجية لا تزال مستمرة، مؤكداً أن الزيارات التي أجراها مسؤولون كويتيون للسعودية وقطر بالآونة الأخيرة، كانت في إطار بحث الأزمة الخليجية وتطورات أخرى.

خطوات في طريق الحل

ولم تكن القمة الخليجية التي عقدت في العاصمة الرياض الخطوة الأولى نحو كسر جمود العلاقة بين قطر ودول الحصار، حيث بدأ الأمر مع بطولة "خليجي 24" التي شاركت السعودية والإمارات والبحرين فيها بعد أن كانت قد أعلنت عدم مشاركتها، وهو ما لفت الانتباه إلى بداية بوادر الحل.

ووصل منتخبا السعودية والبحرين إلى العاصمة الدوحة بطيران مباشر رغم الحصار الجوي الذي يفرضه الجانبان على قطر، في حين فضَّل المنتخب الإماراتي القدوم إليها من خلال الكويت، وهو ربما يشير إلى تفاهم سعودي-بحريني على اقتراب الحل، في ظل تعنُّت إماراتي.

زاد من صحة الشكوك أنه كان من المقرر أن تنعقد القمة الخليجية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، قبل أن يعلن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، أن القمة الخليجية الـ40 تقرر نقلها إلى الرياض.

وكان رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، أكد في تصريح له، الأحد (1 ديسمبر 2019)، أن القمة الخليجية الـ40 ستكون "محطة مهمة جداً للمصالحة الخليجية".

تبع ذلك، تلقِّي أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يوم الثلاثاء (3 ديسمبر 2019)، دعوة خطيَّة من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لحضور قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي المزمع عقدها بالرياض في العاشر من ديسمبر الجاري.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها قطر دعوة لحضور القمم الخليجية وسط استمرار الأزمة، حيث تلقت دعوات مماثلة أكثر من مرة خلال العامين الماضيين.

ولكن قطر حضرت بتمثيل عالٍ في واحدة (وهي القمم الخليجية والعربية والإسلامية الطارئة في مكة)، واكتفت بتمثيل دبلوماسي منخفض في اثنتين، وهو ما يؤكد حرصها على الوجود الدائم في كل المناسبات، رغم عدم وجود أرضية آنذاك لحل الأزمة.

الإمارات خارج المصالحة

يظهر ما سبق أن السعودية والبحرين تبديان مرونة في سبيل وقف حصار قطر وإعادة العلاقات، والعودة إلى سابق العهد، والعكس تماماً تواصل الإمارات محاربتها الإعلامية لقطر، في ظل توترات تشهدها المنطقة، خصوصاً أن المحيط العربي مشتعل، ويعاني أزمات وحروباً، بالإضافة إلى أزمة ناقلات النفط التي شهدتها مياه الخليج، وعمليات جماعة الحوثي اليمنية ومِن خلفها إيران على الحدود السعودية، إلى أن وصلت إلى عمق المحطات النفطية الاستراتيجية للمملكة.

وقال حساب إماراتي على تويتر، يعرّف نفسه بأنه ضابط في الأمن، إن زيارة وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للرياض، الشهر الماضي، غير صحيحة، ومسرَّبة للصحافة الأمريكية بسبب رفض الإمارات المصالحة الجزئية بين السعودية وقطر.

وأوضح في تغريدة ثانية أنه كان من المقرر أن يحضر ولي عهد أبوظبي قمة الخليج في الرياض، لكن ضغوطاً أمريكية مورست عليه لعدم الذهاب "حتى تسير المحادثات بين السعودية وقطر بالشكل الطبيعي".

ومثّل نائب الرئيس الإماراتي رئيس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، الجانب الإماراتي في القمة الخليجية الـ40.

وبدأت أبوظبي تستعد لمصالحة خليجية بين الدوحة والرياض، بحسب الحساب الأمني "بدون ظل"؛ إذ قال إن وزارة الداخلية الإماراتية طلبت انتداب مجموعة من أفراد الأمن ذكوراً وإناثاً ممن يجيدون التعامل بشكل ممتاز مع مواقع التواصل الاجتماعي مقابل بدلات مالية؛ خشية هجوم تويتري من قطر.

وكان المغرد الإماراتي المثير للجدل، حمد المزروعي، قال في تغريدة إن مقاطعة قطر "باقية"، وذلك بعد أنباء عن اقتراب المصالحة الخليجية، بعضها صادر عن شخصيات إماراتية، أبرزها الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، الذي قال إن مشاركة دول الحصار في بطولة "خليجي 24" بقطر تعني انتهاء المقاطعة.

من جانبه قال الباحث مهنا الحبيل، في تغريدة، حول عدم وجود الإمارات في المصالحة القادمة: إن "الرياض حاولت جاهدةً إدخال أبوظبي، ورفضت الدوحة بقوة"، مضيفاً: إن "إظهار التنسيق السعودي لتغطية موقف أبوظبي مراعاة لها لا يتعارض مع تعاملها الجديد بعد فشل الحصار".

جدير بالذكر أن الأزمة الخليجية اندلعت في يونيو 2017، بزعم مكافحة الإرهاب، لكن قطر نفت ما وُجِّه إليها من اتهامات وأكاذيب، وأكدت أنها تواجه حملة تستهدف النيل من سيادتها الوطنية والتخلي عن قرارها الوطني المستقل، ومحاولة التدخل في شؤونها الداخلية ورسم سياستها الخارجية.

وتأسس المجلس الخليجي لدول مجلس التعاون في 25 مايو 1981، ويضم السعودية وقطر والكويت وعُمان والإمارات والبحرين، وكان يعتبر من أنجح التكتلات الإقليمية والقارية، قبل أن تهز الأزمة الخليجية أركانه وتُدخله في مرحلة "غيبوبة طويلة".