سياسة وأمن » حروب

الحاجة دفعتهم للحرب.. هكذا تم استغلال القوات السودانية باليمن

في 2019/12/25

الخليج أونلاين-

شكّل الجنود السودانيون المقاتلون في اليمن القوام البشري الرئيس للقوات البرية للتحالف السعودي الإماراتي، إذ لم يكن يقع عليهم فقط الشق البري من العمليات العسكرية، وإنما إدامة الحرب بالنسبة للتحالف، وتحريك الجبهات القتالية، وحماية القوات الإماراتية.

وبقدر ما كشف وجود الجنود السودانيين عن جزء من تعقيدات الحرب في اليمن، فإن تضحياتهم تشير إلى أن إرسالهم كان بهدف تحويل الحرب إلى سلعة للحصول على المال بمباركة من حكومتهم في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، التي حصدت هي الأخرى أموالاً كبيرة لزج الآلاف للقتال في اليمن.

وفي المقابل شكلت العوائد المادية التي كان يحصل عليها الجنود السودانيون المشاركون في تلك الحرب إضراماً للعبة الحظ التي يرونها تبتسم لكل من يقع عليه الاختيار، لدرجة أن بعض من بيدهم الاختيار يطلبون راتباً شهر ممن يوفدون للقتال.

دارفور.. الحرب من أجل الثروة

وتحولت الحرب اليمنية إلى أكبر مصدر للعمالة والمشاكل على حد سواء في إقليم دارفور السوداني بشكل خاص، لدرجة أنه لا يخلو بيت في المنطقة من شخص ذهب إلى القتال هناك.

في تقرير أوردته صحيفة "إندبندنت" البريطانية، في 23 ديسمبر 2019، سلطت الضوء على ما أسمته بـ"تجارة الحرب المربحة في اليمن" بالنسبة لسكان الإقليم السوداني، الذي مزقته 16 عاماً من الحرب الأهلية.

تضمن التقرير شهادات ومقابلات مع مقاتلين شاركوا بالحرب المستمرة منذ قرابة خمس سنوات، والذين أكدوا أنهم تمكنوا من جمع مال أكثر مما كان يمكنهم الحصول عليه طوال حياتهم العادية

وذكرت الصحيفة أنه بالرغم من المخاطر التي تنتظر المقاتلين فإن الثراء الخيالي دفع عشرات الآلاف من رجال دارفور وأطفالها إلى مراكز التجنيد.

وأضافت أن العمل 6 أشهر في اليمن يعني حصول المجندين الذين جاؤوا من أفقر الطبقات الاجتماعية في دارفور على مليون جنيه سوداني (17.000 جنيه إسترليني).

وأوضحت الصحيفة أن المبلغ السابق "لا يحلم الكثير من سكان الإقليم بالحصول عليه طوال حياتهم العادية، فيما يحصل الضباط العسكريون على ضعف المبلغ، حيث يبلغ مستوى دخل الفرد في السودان 190 دولاراً في الشهر، وهو أقل بالنسبة للمزارعين وأصحاب المواشي".

ازدياد التوتر الأمني

يربط سكان محليون بين عودة هؤلاء المقاتلين وازدياد التوتر الأمني مؤخراً في المنطقة التي شهدت حرباً أهلية امتدت 16 عاماً، ويقول آخرون إن أعداد المقاتلين العائدين زادت من صفوف قوات الدعم السريع، التي تتهمها جماعات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم إبادة في المنطقة.

ومع إعلان رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، في 8 ديسمبر الجاري، أن عدد الجنود الذين يقاتلون في اليمن ضمن التحالف بقيادة السعودية قد خُفِّض من 15 ألفاً إلى خمسة آلاف، يخشى سكان دارفور من عسكرتها على يد من يشبهون المرتزقة، الذين قاتلوا في الحرب تحت قيادة قوات الدعم السريع.

وتقول الصحيفة البريطانية إن الأهالي يخشون "من وجود عناصر من هذه القوات في المخيمات التي شرد أهلها من القرى"، مضيفين أن حرب اليمن "جرأت المليشيات، فقد جندوا الكثير من الناس للحرب التي قادتها السعودية في اليمن، والتي قوتهم ومنحتهم المال والسلاح وعادوا بسلاحهم وتدريبهم وأموالهم، ومستعدون لذبح الناس وقتلهم، وهو ما يثير القلق".

ولم يمنع القلق الناس من إرسال أولادهم مع الدعم السريع حتى لو كانوا من المعارضين لها، ورغم ذلك فإن المجتمع السوداني يبدي امتعاضه من استمرار التشكيلات المسلحة خارج إطار الدولة حتى اليوم.

حراسة القوات الإماراتية

خلال وجودهم في اليمن كان المقاتلون السابقون تتركز مهامهم في تأمين المدن التي سيطرت عليها القوات اليمنية، والعمل كحراس للجنود الإماراتيين في الجنوب، وفق تقرير "إندبندنت".

ومنذ ديسمبر 2018، كشفت مجلة "ذي أمريكان كونسيرفاتيف" الأمريكية، عن تفاصيل مثيرة متعلقة بالأوضاع في اليمن بين الجنود السودانيين وقادتهم السعوديين والإماراتيين، بعدما توقفت أبوظبي والرياض عن صرف الرواتب.

وقالت المجلة إنه حدثت "حالة انقسام كبيرة في قوات التحالف السعودي-الإماراتي، وصلت لإطلاق الجنود السودانيين النار على القادة الإماراتيين والسعوديين، بسبب الحالة التي وصلوا إليها وتأخر دفع مستحقاتهم".

وفي 21 أكتوبر 2017، وقعت اشتباكات مسلحة بين جنود إماراتيين ونظرائهم السودانيين في منطقة المخا (الساحل الغربي لليمن)، تدخلت فيها طائرات الأباتشي "لتركيع" القوات السودانية.

ووفقاً لوسائل إعلام محلية يومها، فإن الاشتباكات المسلحة اندلعت بسبب تعنت الضباط الإماراتيين مع القوات السودانية، واعتبارهم (عبيداً) لديهم، غير أن مجموعة من القوات السودانية رفضت أن يعامَلوا كمرتزقة، مطالبين بأن يكون لهم دور يضاهي حجمهم.

وأشارت إلى أن الإماراتيين كانوا يقللون من حجم ودور السودانيين، وينعتونهم أحياناً بـ"العبيد" و"المرتزقة"، وضربهم في حال رفضوا أصغر الأوامر الصعبة التي كانت توجه لهم، أقلها غسل ملابس الجنود الإماراتيين الموجودين في المخا.

وأوضحت أن الاشتباكات اندلعت بعد زيادة الاضطهاد الإماراتي بحق الجنود السودانيين، ونتج عنها مقتل ضباط إماراتيين وجرح آخرين وتمددت الاشتباكات إلى المدينة السكنية، قبل أن تحسم الإمارات تلك الاشتباكات بمساندة الطيران الحربي، الذي قتل وأصاب العشرات من الجنود السودانيين.

الفقر السبب الوحيد

يقول الناشط السياسي السوداني حسام أبو الفتوح، إن معظم من أُرسلوا إلى اليمن للقتال هناك "ينتمون لمنطقة دارفور المُعدمة التي شوّهتها الحرب".

وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "يأس الناس، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في السودان بشكل عام، وفي دارفور المثقلة بالدماء والقتال بشكل خاص، دفع الناس لإرسال أبنائهم حتى صغار السن للقتال في اليمن؛ لأنهم يعلمون أنهم لا يملكون مستقبلاً، والحل الوحيد كان بالحصول على الأموال ليحصلوا على جزء من ذلك المستقبل".

وتابع: "الجميع خُيِّروا للقتال في اليمن ووافقوا من أجل المال فقط، والسعودية دفعت لهم بالريال السعودي، وكانت رواتبهم شهرياً تتراوح بين 490 دولاراً للمقاتل المبتدئ الذي يبلغ 14 عاماً، ونحو 530 دولاراً لضابط ذي خبرة من الجنجويد، وتلقوا ما يعادل 185 إلى 285 دولاراً إضافياً حينما تكون هناك معارك".

وأكد أن بعض العائلات السودانية كانت متحمسة جداً للحصول على المال، وعملت على تقديم الرشا للضباط الذين كانوا يسجلون أسماء المقاتلين، حتى يسمحوا لأبنائهم بالقتال، موضحاً: "التقارير الحقوقية المحلية تشير إلى أن ما بين 30% و40% من المقاتلين أطفال وغير مدربين".

خسائر غير معروفة

وبرز وقوع خسائر الجيش السوداني في عملياته العسكرية خصوصاً في الساحل الغربي، إذ كانت الإمارات تريد السيطرة على مدينة الحديدة، والمناطق الحدودية مع اليمن في "ميدي وحرض"، بعد استخدام السعودية لتلك القوات لحماية حدودها من هجمات الحوثيين المتكررة.

جماعة الحوثي قالت، مطلع أكتوبر الماضي: إن "إجمالي خسائر مرتزقة الجيش السوداني منذ بداية العدوان يتجاوز الـ8 آلاف قتيل ومصاب منهم 4253 قتيلاً"، وذلك حسب قناة "المسيرة" الناطقة باسمهم.

 

 

وسريعاً ما رد الجيش السوداني على تصريحات الحوثيين، وقال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد ركن عامر محمد الحسن، لقناة "روسيا اليوم" الروسية: إن "عدد القتلى المعلن من قبل الحوثيين لا يسنده أي منطق".

وكان قائد قوات الدعم السريع في السودان، الفريق محمد حمدان حميدتي، اعترف في سبتمبر 2018، بمقتل 412 جندياً سودانياً، بينهم 14 ضابطاً، في حين قدر مصدر حكومي عدد الذين قتلوا من الجيش السوداني في حرب اليمن بنحو 850 ضابطاً وجندياً، وفقاً لـ"نيويورك تايمز"، فيما تحدث عن وجود نحو 40 ألف جندي هناك.