علاقات » ايراني

هل تنجح دبلوماسية قطر في نزع فتيل حرب مدمرة بالخليج؟

في 2020/01/06

الخليج أونلاين-

لم تكتفِ قطر بالبيانات والدعوات لضبط النفس، ولكنها سارعت بإرسال وزير خارجيتها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى إيران التي تشهد أجواء ملتهبة بعد اغتيال قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بغارة جوية أمريكية استهدفت موكبه، قرب مطار بغداد الدولي، فجر الجمعة.

ومنذ اللحظات الأولى لوصول وزير خارجية قطر إلى طهران، سارع إلى بحث التطورات الأخيرة مع كبار المسؤولين الإيرانيين، وذلك ضمن الجهود الدبلوماسية القطرية المتواصلة لزحزحة الأزمات الدولية، وحل الصراعات. 

ويعد وزير الدبلوماسية القطرية أول مسؤول عربي ودولي يزور إيران بعد اغتيال سليماني، فيما بات يُعرف بـ"الوساطة القطرية" لنزع فتيل حرب مدمرة في منطقة الخليج العربي.

والتقى وزير "الدبلوماسية القطرية" في طهران؛ الرئيسَ الإيراني حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، فضلاً عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

وحمل "آل ثاني"، رسالة بلاده الدائمة التي ترفعها بكل جولاتها الخارجية في القضايا الدولية التي تتوسط فيها، وهي ضرورة التوصل إلى حل سلمي لخفض التوتر وإعادة الاستقرار.

وتحاول قطر من خلال زيارة وزير خارجيتها لطهران، والتي أتت بعد يوم واحد من اغتيال سليماني، نزع فتيل اندلاع حرب مدمرة بالمنطقة نتيجة الاستهداف الأمريكي لكبار العسكريين الإيرانيين والعراقيين، من خلال دبلوماسيتها المعروفة في المنطقة بتأثيرها ونجاعتها.

اتصالات مع واشنطن

وبعد يوم من زيارة طهران، بحث وزير الخارجية القطري مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، التطورات المتسارعة في المنطقة، بعد اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس الإيراني.

وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا)، الأحد، أن "آل ثاني"، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء القطري، ناقش هاتفياً مع بومبيو "آخر المستجدات على الساحة الإقليمية".

وأوضحت أن المباحثات تركزت على آخر التطورات في العراق، والسبل الكفيلة بحل القضايا الخلافية في المنطقة".

بدوره قال وزير الخارجية الأمريكي عبر حسابه على موقع "تويتر"، إنه تحدث مع نظيره القطري بشأن "التهديدات والاستفزازات الإيرانية المستمرة".

وأوضح أنه قدّم شكراً لوزير الخارجية القطري لجهود بلاده من أجل تهدئة التوترات في المنطقة.

وهذا ثاني اتصال هاتفي بين الوزيرين في غضون ثلاثة أيام؛ إذ استعرض الطرفان، مساء الأربعاء الماضي، العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا المنطقة.

وذكرت وكالة الأنباء القطرية وقتها أن وزير الخارجية تلقى اتصالاً هاتفياً من بومبيو، جرى خلاله "استعراض علاقات التعاون الثنائي وقضايا المنطقة، بالإضافة إلى عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك".

علاقات متميزة

وتمتلك الدوحة علاقات استراتيجية مع واشنطن وطهران، تؤهلها حتماً للدخول في جولة من التفاوض الجديدة؛ لتهدئة الأوضاع الساخنة والوصول إلى صيغة من التفاهم بين البلدين.

ومنذ الساعات الأولى لاغتيال سليماني، أعلنت دولة قطر تحذيرها من توالي مظاهر التصعيد في العراق، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى "نتائج لا تحمد عقباها".

ودعت وزارة الخارجية القطرية، في بيان رسمي، جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنيب العراق وشعبه وشعوب المنطقة عموماً الدخول في حلقة العنف المفرغة.

كما حذَّرت من مغبة التصعيد المسلح المباشر وغير المباشر، ودعت المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته تجاه المنطقة.

واغتالت الولايات المتحدة سليماني، ونائب رئيس "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، بغارة على موكبهما قرب مطار بغداد الدولي، فجر الجمعة.

وذكرت وزارة الدفاع الأمريكية أن الجيش قتل قاسم سليماني بناء على تعليمات من ترامب، في إجراء دفاعي حاسم لحماية الأمريكيين بالخارج.

ومنذ اغتياله لم تتوقف إيران عن إطلاق التهديدات بالرد على الولايات المتحدة، وهو ما ينذر بإشعال المنطقة بحرب قوية.

قطر قد تنزع الفتيل

المحلل السياسي، أنور القاسم، يؤكد أن الدبلوماسية القطرية نجحت في محيطها حينما مدت جسور التواصل والتعاون مع مختلف أنحاء العالم، بدءاً من أوروبا وأمريكا مروراً بآسيا وأفريقيا. وأثبتت سياستها الخارجية أنها سلاح قوي يستطيع تحقيق ما تعجز عنه القوة.

وتتمتع قطر بعلاقات متينة ومتوازنة مع واشنطن وطهران، وفق حديث القاسم لـ"الخليج أونلاين"؛ ومن ثم قد تكون الأجدر والأقدر على إيقاف خروج الصراع في المنطقة عن سكته إلى نتائج لا تحمد عقباها.

وتعطي سرعة تحرُّك وزير خارجية قطر ولقائه مع المسؤولين القطريين بطهران، مؤشراً على الحكمة القطرية والمسؤولية العالية في حفظ السلام والأمن بالخليج، إضافة إلى ثقة كل من طهران وواشنطن بالدوحة، حسب تأكيد "القاسم".

وجاءت خطوة قطر الدبلوماسية، كما يوضح "القاسم" لـ"الخليج أونلاين"، في وقت انكفأت فيه دول كبرى، وبات المجتمع الدولي يترقب مآلات الجهود القطرية الكبيرة.

ويستدرك بالقول: "ستنجح قطر من خلال مساعيها الدبلوماسية في نزع فتيل حرب بالمنطقة، خاصة بين إيران والولايات المتحدة، بعد مقتل سليماني، ولكن ذلك سيستغرق وقتاً".  

وبحسب المحلل السياسي، تمتلك الدوحة أوراق قوة تجعلها قادرة على خوض وساطة بين طهران وواشنطن، أبرزها علاقاتها المميزة والمتوازنة مع هاتين الدولتين، ومكانها في منظومة مجلس التعاون الخليجي.

في المقابل، التحالف بين الولايات المتحدة وقطر تاريخي ولم يعرف الوهن، كما تقدر الإدارات الأمريكية مكانة الدوحة الإقليمية والدولية وحجم التعاون الاقتصادي والسياسي الذي يؤهلها للقيام بهذا المسعى الدبلوماسي الأهم، حسب المحلل السياسي. 

ولم يكن التحرك القطري بعد مقتل سليماني، الأول للدوحة بين إيران وواشنطن، إذ كشف وزير خارجية قطر، في يونيو الماضي، أن بلاده تعمل لردم الهوة بين إيران والولايات المتحدة وتجاوز الخلافات، من خلال محاولتها عقد لقاء مباشر بين البلدين لإنهاء التصعيد.

وحينها تضاعف التوتر بين طهران وواشنطن، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إرسال حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط، بزعم وجود معلومات استخباراتية حول استعدادات محتملة من قِبل إيران لتنفيذ هجمات على القوات أو المصالح الأمريكية.

وتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ أن انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي المبرم في 2015، وأعادت فرض عقوبات مشددة على طهران.

الوساطة هي الحل

بدوره شدد المحلل السياسي الأردني عمر عياصرة، على أن الوساطة هي الحل الوحيد لنزع فتيل الأزمة، والوصول إلى مرحلة خفض التوتر، والعودة إلى قواعد الاشتباك القديمة.

ويوضح عياصرة في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الولايات المتحدة تريد الوساطة مع إيران؛ لمنع وصول المنطقة إلى حرب شاملة، مع العلم بأن الوساطة القطرية ستقنع الإيرانيين بأن هناك اهتماماً دولياً وأمريكياً، وهو يساعد بالكثير.

وتمتلك قطر أوراق قوة، أولاها وفق حديث "عياصرة"، ثقة الإيرانيين بقطر، وكذلك الولايات المتحدة، التي تنظر إلى الدوحة باعتبارها قناة فاعلة وجدية وثقيلة وتستطيع التحرك وفق وعود ومعلومات.

وساطات قطرية ناجحة

كذلك، سجلت قطر وساطات ناجحة مع الولايات المتحدة، كان أبرزها استضافة عدد من جولات المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان على مدار العام الماضي؛ من أجل مناقشة انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان.

ونجحت قطر في إقناع قادة حركة طالبان بالجلوس على طاولة المفاوضات، بعد سنوات طويلة من الحرب وإراقة الدماء، بهدف إيجاد حل سياسي للصراع الأفغاني، وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.

وسبق هذه المفاوضات إبرام صفقة لتبادل الأسرى، بين "طالبان" والولايات المتحدة بوساطة قطرية، في يونيو 2014، أسفرت عن إطلاق سراح الرقيب بالجيش الأمريكي باو برغدال وتسليمه إلى القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان، مقابل فك أسر خمسة من كبار قادة حركة طالبان، بعد الإفراج عنهم من معتقل غوانتنامو.

ورحب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، آنذاك، بإطلاق سراح برغدال، مؤكداً في خطاب له، أن الحكومة القطرية قدمت ضمانات أمنية لواشنطن بشأن المفرَج عنهم.

وفي 22 نوفمبر 2019، وجَّه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، شكراً إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال اتصال هاتفي بينهما؛ وذلك لجهود الدوحة في تسهيل عملية إطلاق الرهينتين: الأمريكي كيفن كينغ، والأسترالي تيموثي ويكس، اللذين كانا محتجزَين في أفغانستان، منذ أكثر من ثلاثة أعوام.