علاقات » عربي

اليمن.. صراع مشروعين داخل الحكومة بين مؤيد ومعارض للرياض وأبوظبي

في 2020/01/11

الخليج أونلاين-

تصدع في جبهة الحكومة الشرعية اليمنية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي، أضحى أحد أهم الأحداث التي طفت إلى السطح مؤخراً في اليمن، بعدما بدأت بالبروز تدريجياً عقب اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

ورغم أن الحكومة الشرعية باليمن بدت جبهتها الداخلية على مدى السنوات الماضية متماسكةً وقوية رغم كل الظروف التي أحاطت بها، غير أنها شهدت تحولاً جديداً باتهامات برزت للعلن، كان أطرافها رئيس الحكومة معين عبد الملك، ووزيري النقل والداخلية.

وبينما تنصلت الحكومة اليمنية من تصريحات أدلى بها أحد أعضائها حول تفاهمات مع الحكومة التركية لتحديث الموانئ والمطارات، وجه رئيس الحكومة اتهامات بشكل مباشر لوزارة الداخلية بفساد بمليارات الريالات، ليضع تساؤلاً عن أسباب التصدع الجديد بداخلها.

تنصل من تصريحات وزير

في وقت يشهد فيه اليمن تدهوراً في مطاراته التي أغلق معظمها بسبب الحصار المفروض من التحالف السعودي الإماراتي منذ عام 2015، وعدم السماح لشركات طيران دولية بتسيير رحلات إلى اليمن، عمل وزير النقل صالح الجبواني على إجراء تفاهمات مع الكويت وتركيا لتحديث المطارات والموانئ باليمن.

وقال وزير النقل صالح الجبواني، في ختام زيارته لتركيا مطلع يناير الجاري، إنه أجرى ترتيبات فنية لتوقيع اتفاقية مع تركيا لتطوير موانئ ومطارات وشبكة الطرق في البلاد.

وعقب تلك التصريحات خرجت الحكومة اليمنية بتصريحات نشرتها وكالة "سبأ" الرسمية، تنصلت خلالها من تصريحات الوزير، وقالت: "إن التصريحات المتداولة عن ترتيبات لتوقيع اتفاقيات، وتحديداً في قطاعات النقل خاصة الموانئ والمطارات وغيرها، تُعبر عن وجهة نظر شخصية ولا تمثل الحكومة".

ووصف المصدر تصريحات من وصفهم بـ"بعض أعضاء الحكومة في هذا الجانب خلال زيارات شخصية يقومون بها لدول شقيقة وصديقة، بغير المسؤولة، ولم يتم الرجوع فيها إلى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية".

وأكد "حرص اليمن على بناء علاقات طيبة مع الدول الشقيقة والصديقة تقوم على العمل المؤسسي، وفي إطار التشريعات والقوانين النافذة، وليس إبرام اتفاقات بشكل شخصي".

اتهام الداخلية بالفساد

في ذات السياق احتدم الصراع بين رئيس الوزراء معين عبد الملك، ووزارة الداخلية؛ بعدما لمح الأول إلى وجود "فساد" داخل الوزارة التي يرأسها، أحمد الميسري، أحد الشخصيات التي وقفت في وجه التحركات الإماراتية باليمن.

رئيس الحكومة قال في تصريح لقناة "الحدث" السعودية إنه "وفر" للخزينة العامة للدولة مبلغ مليار و300 مليون ريال يمني لشهر واحد فقط من مرتبات منتسبي الوحدات الأمنية بعد تحويلها عبر التحويلات المالية والبنكية.

وزاد: "إن قطاعاً واسعاً من المؤسسات الأمنية تحوي الآلاف من الأسماء الوهمية، الأمر الذي يعني أن مواصلة الصرف عبر المصارف سيُعيد هذه المرتبات إلى خزينة الدولة".

وقال: إنّ "هذا القرار كان أحد بنود الإصلاحات الحقيقية في حكومته، إضافة إلى تصحيح شراء الوقود، التي حققت نتائج جيدة، ووفرت الكثير على ميزانية الدولة"، مشيراً إلى وجود ما أسماها بـ"شبكات مصالح أو فساد تكونت خلال فترة طويلة، وأوجدت نفوذاً على حساب مؤسسات الدولة".

رد مباشر

وزارة الداخلية لم تتجاهل ما قاله رئيس الحكومة، بل خرجت الإدارة العامة للشؤون المالية بتصريحات قالت فيها: "إن تلك المزاعم بشأن تحقيق أرصدة وفورات وهمية تخص مستحقات مرتبات منتسبي ضباط وأفراد الأمن لشهر أغسطس 2019، كاذبة ولا أساس لها من الصحة".

وأضافت في بيان على موقعها الإلكتروني: "ما ورد في حديث رئيس الحكومة أمر غير مقبول ولا مسؤول"، معززة توضيحها بما أسمتها بـ"جملة من الحقائق والأدلة التي تؤكد زيف ما ذهب اليه معالي رئيس الحكومة".

الداخلية

في المقابل جاء التنصل الحكومي من وزير النقل، بعد أيام فقط من اتهامه رئيس الحكومة، معين عبد الملك، بتنفيذ "انقلاب" على الرئيس عبد ربه منصور هادي، في عدن، بتخطيط إماراتي.

وقال الجبواني في تغريدة عبر "تويتر"، في 2 يناير الجاري: إن "عبد الملك عاد، في 11 نوفمبر الماضي، إلى عدن، وباقٍ حتى اليوم، مع رفض المليشيا تنفيذ اتفاق الرياض".

واعتبر أن هذا "انقلاب جديد من قبل رئيس الحكومة وداعميه ضد الرئيس هادي، بتأسيس غطاء لسلطة الانقلاب المليشياوي، وتنفيذ ما خططت له الإمارات نصاً وروحاً"، مضيفاً: "ينفذ انقلاباً على الرئيس هادي في عدن، هذا ما يجري بالضبط".

صراع النفوذ

ويبدو أن صراع النفوذ بين جناحي الحكومة الشرعية قد بدأ مؤخراً كنتيجة حتمية لاختلاف مشروعين، مع محاولة كل طرف فرض مشروعه على الآخر تحت مظلة الحكومة المعترف بها دولياً، ما أثر سلباً على أداء الحكومة وتسبب بإضعافها على مختلف الأصعدة.

ولعل ما يثير الكثير من التساؤلات هو التصريحات الجديدة للحكومة التي تطول وزيرين مثّلا خلال الأشهر الماضية مصدر إلهام للكثير من اليمنيين المعارضين للتدخل الإماراتي والسعودي باليمن.

ويعتقد الكثير من اليمنيين أن مواقف وزيري الداخلية والنقل، وآراءهما السياسية تجاه التحالف، ورفضهما ارتهان الشرعية والحكومة لسياساته، ووقوفهما ضد انقلاب المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات في عدن، دفعت رئيس الحكومة المتهم بتلقيه توجيهات من الرياض وأبوظبي للدخول في مواجهة ضدهما.

وطرح الصحفي اليمني محمد غالب، تساؤلات عن الإجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة اليمنية ضد وزير الداخلية عقب حديثه عن فساد في مرتبات وزارة الداخلية؛ "إن كان صادقاً".

وقال في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن هجوم رئيس الوزراء على الميسري "ربما يكون دفاعاً عن السعودية والتحالف والإساءة للوزير عقب مهاجمتهم من قبله مؤخراً".

الذي يمثلها في المحافل الدولية"، مؤكداً أن العداء بين السعودية والإمارات مع تركيا دفع الحكومة لمهاجمة الوزير "إرضاءً لدول التحالف".

وأضاف: "لدينا حكومة مرتهنة؛ فالطرف الأول يتمثل بمعين عبد الملك رئيس الحكومة وبعض الوزراء المرتهنين لتوجيهات أبوظبي والرياض، والطرف الآخر يتمثل بالوزيرين الميسري والجبواني وبعض الوزراء الذين لا يزالون صامتين إزاء الانتهاكات والتدخلات القذرة في بلادنا".

صراع قبل الرحيل

وازدادت ضراوة هذا الصراع بعد توقيع الحكومة الشرعية مع المجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض، مطلع شهر نوفمبر الماضي، الذي ينص على تشكيل حكومة جديدة مناصفة بين الشمال والجنوب، وتم تخصيص بند للأشخاص الذين شاركوا في أحداث انقلاب عدن، في أغسطس 2019، التي برز فيها الوزيران الميسري والجبواني.

ويقول المحلل السياسي ناصر الماوري، إن التحالف العربي يعتزم البدء في تنفيذ المرحلة الجديدة التي سيشهدها اليمن، التي بدأت مؤشراتها مؤخراً، بما يمهد لتشكيل الحكومة التي لن يكون البعض فيها.

وأضاف: "الكثيرون يُصنفون معين عبد الملك بأنه رجل الإمارات والسعودية في اليمن، ولذلك من الطبيعي أن يخرج بهذه التصريحات ضد أبرز وزيرين في الحكومة، بما يلبي رغبات أبوظبي والرياض".

ويرى في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن الهجوم ضد الوزيرين "يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن نهاية الرجلين في الحكومة قد اقتربت، لذلك يبدو أنه كان يجب إيجاد مبرر واضح لاستبعادهما؛ عبر الإساءة لهما بالفساد، وعدم احترام سياسة البلاد في التعامل مع الدول، كما حدث للوزير الجبواني".

لكنه في سياق حديثه أشار إلى أن "الجميع متورط باتباع سياسات غير واضحة؛ فمثلاً الوزيران الميسري والجبواني، اللذان زارا عمان، لا يمكن تجاهل هذا الأمر أيضاً؛ فزيارتهما أثارت الشكوك حولهما، لذلك ينبغي القول إن الحكومة والرئيس مرتهنون للخارج، ولا يوجد أحد منهم تهمه مصلحة البلد أو سيادته".