سياسة وأمن » حروب

كيف عبثت الإمارات بدول مسلمة من ماليزيا إلى ليبيا؟

في 2020/01/11

الخليج أونلاين-

لا تلبث الإمارات أن تخرج من فضيحة حتى تدخل في أخرى، في مشروعها المتهم بالتخريب والرامي لوأد الاستقرار في الدول العربية والإسلامية.

وبرز دور الإمارات في السنوات الماضية بشكل لافت مع صعود ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لتسلم السلطة، حيث مَوّلَ الثورات المضادة والانقلابات العسكرية في مواجهة ثورات شعوب الربيع العربي المطالبة بالحرية والتغيير وتحقيق العدالة.

ووصل عبث بن زايد إلى دول إسلامية صاعدة اقتصادياً مثل تركيا وماليزيا، بالإضافة للتعاون مع جهات دولية للتأثير على الانتخابات الأمريكية وتجنيد عملاء من وكالة الاستخبارات الأمريكية لمصلحة أبوظبي عبر المال.

ويبدو أن عداد الفضائح المتصلة بالنظام الإماراتي لن يتوقف، ما دامت الصحف العالمية تسرب بين الحين والآخر محاولات أبوظبي "التخريبية" التي تتهم بها.

إفساد ماليزيا

كانت ماليزيا من أوائل الدول الإسلامية الصاعدة في مجال التنمية والاقتصاد بقيادة رئيس وزرائها وقائد نهضتها مهاتير محمد، الذي ترك منصبه بعد 22 عاماً من العمل عام 2003، قبل أن يعود عام 2018 لإنهاء حالة الفساد التي استشرت في غيابه، والتي تزعمها رئيس الوزراء السابق عبد الرزاق نجيب بالتعاون مع الإمارات.

بدأت فصول الفضيحة تظهر مع بروز مشاكل الديون التي واجهها صندوق الاستثمار الماليزي، أوائل عام 2015، ووصفها المحققون بأنها واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في التاريخ.

وعليه، كشف مكتب المدعي العام السويسري، في أبريل 2016، عن أن سلطات البلاد وسعت تحقيقاً جنائياً بشأن صندوق تنمية ماليزيا "1 إم.دي.بي" الحكومي؛ ليشمل اثنين من المسؤولين السابقين في صناديق سيادية في أبوظبي؛ بتهم النصب والاختلاس والفساد والتزوير.

وفي عام 2017، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن وثائق محاكمات وتحقيقات حول دور سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، في فضيحة الصندوق السيادي الماليزي.

ويبرز دور العتيبة، الذي يعتبر من أبرز أذرع بن زايد، من خلال شركات مرتبطة به تلقت ملايين الدولارات من شركات خارجية، قال المحققون في الولايات المتحدة وسنغافورة إن أموالها اختلست من صندوق تنمية ماليزيا.

وسلطت رسائل بريد إلكتروني خاصة بالعتيبة مزيداً من الضوء على لقاءات بين شاهر عورتاني، وهو شريك تجاري للعتيبة في أبوظبي، و"جو لو" الممول الماليزي الذي تقول وزارة العدل الأمريكية إنه المتآمر الرئيسي في عملية الاحتيال التي تبلغ قيمتها 4.5 مليار دولار.

ويوم الأربعاء (8 يناير 2020) نشرت هيئة مكافحة الفساد في ماليزيا، تسجيلاً لمكالمتين هاتفيتين؛ طلب عبد الرزاق من بن زايد في واحدة منهما تحويل أموال إلى رضا عزيز، ابن زوجة عبد الرزاق المقيم في نيويورك، بحيث تظهر على أنها هدية من بن زايد لتغطية نفقات إنتاج فيلم أنتج في هوليوود وكلف رضا عزيز عشرات الملايين من الدولارات.

وبحسب ما ذكرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، أظهر أحد المقاطع الصوتية تواصل نجيب مع  ولي عهد أبوظبي، من أجل عقد اجتماع لمناقشة كيفية حل "الوضع المتأزم" للشركة ولشركة الاستثمارات البترولية الدولية في أبوظبي، وذلك في محادثة بتاريخ 26 يوليو عام 2016.

جاء ذلك في أعقاب رفع وزارة العدل الأمريكية دعاوى قضائية للحجز على الأصول المرتبطة بشركة "1 إم.دي.بي"، مع مزاعم باختلاس 3 مليارات ونصف المليار دولار من الأموال الحكومية الماليزية.

بدورها قالت لطيفة كويا، رئيسة هيئة مكافحة الفساد، للمراسلين الصحفيين في العاصمة الإدارية بوتراجايا، إن لجنة مكافحة الفساد الماليزية تحققت من التسجيلات وتضمن صحتها وأصالتها.

وأوضحت أن اللجنة سوف تسلّم هذه المقاطع إلى الشرطة؛ بسبب احتوائها على ما يُثبت إساءة استخدام السلطة، وإعاقة العدالة، وتلفيق الأدلّة، وتندرج جميعها تحت قانون العقوبات.

وسيخضع نجيب للمحاكمة في ظل عشرات التهم الموجهة إليه المتعلقة بمنصبه في شركة التنمية الحكومية "1 إم.دي.بي"، التي تتركز حولها تحقيقات عالمية جارية تتعلق بالفساد وغسل الأموال.

بينما قال نجيب للمراسلين خارج محكمة كوالالمبور: "أنا مصدوم من الكشف عن هذه التسجيلات، وأدرس محتواها حالياً، وأحلت الأمر إلى المحامي".

وخلال مناقشة نجيب مع ولي عهد أبوظبي، في يوليو 2016، سعى للحصول على المساعدة من خلال التوقيع على اتفاقية قرض لتمويل إنتاج الفيلم الذي أنتجه صهره، رضا عزيز، "The Wolf of Wall Street".

وقال نجيب إن هذا الاتفاق سوف يجعل "حزمة التمويل تبدو شرعية، ولا تبدو غسلاً للأموال".

وقال رئيس الوزراء السابق إنه قلق من أن يصبح رضا كبش فداء، مضيفاً في حديثه مع ولي عهد أبوظبي: "لا أريده أن يصبح ضحية لكونه لا يدرك مصدر الأموال".

في تسجيل آخر، تحدث نجيب مع زوجته روسما منصور بخصوص الانسحاب من إجراءات التحكيم بين شركة "1 إم.دي.بي" وشركة الاستثمارات البترولية الدولية "IPIC". وناقشا إمكانية دعوة ممثلين عن الشركة من الإمارات لتسوية الأمر بدون تحكيم.

تخريب المنطقة

لم تكن قصة "إفساد ماليزيا" إلا محطة واحدة من محطات كثيرة نشطت فيها الإمارات محاولة تخريب الأوضاع في البلاد العربية والإسلامية لحساب توسعها وتمددها في المنطقة.

فقد دعمت الإمارات، بالإضافة للسعودية، الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس الراحل محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في البلاد، والذي جاءت به ثورة 25 يناير.

ودعمت ومولت، وما زالت، بالمال والسلاح والطيران المسير اللواء المتقاعد خليفة حفتر (محسوب على نظام الرئيس المخلوع معمر القذافي) في تحركاته العسكرية الماضية والحالية (انطلقت في أبريل 2019) للسيطرة على العاصمة طرابلس والحكم في البلاد.

لم تكتفِ الإمارات بذلك بل شاركت مع السعودية في تحالف لدعم الشرعية في اليمن منذ عام 2015 ضد جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، إلا أن خمس سنوات من الحرب تسببت بوقوع عشرات آلاف الضحايا من المدنيين وتأزم الحالة الإنسانية في البلاد لأبعد حد، وعدم إعادة الشرعية، وقيادة أبوظبي لمشروع تقسيم الجنوب اليمني عبر فصائل انفصالية، لكنه لم يتحقق حتى الآن بسبب مجابهة الحكومة الشرعية لذلك.

ومع تقدم تركيا اقتصادياً وصعودها إقليمياً توجهت أبوظبي لوقف ذلك بتورطها في دعم الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، والذي كاد أن ينهي الحياة الديمقراطية فيها؛ لكن نزول الشعب التركي من مختلف فئاته إلى الشارع حال دون ذلك، حيث أكدت صحيفة ديلي صباح التركية أن أبوظبي مولت محاولة الانقلاب بثلاثة مليارات دولار.

وأشارت صحف تركية إلى تأثيراتها المباشرة، عام 2018، لضرب الليرة التركية حيث انخفضت إلى نسبة 17% عبر المضاربة بالعملة وعن طريق الأموال الساخنة، قبل أن تتحسن الليرة مجدداً.

وكانت أخطر تحركات الإمارات في الخليج هو شنها مع السعودية والبحرين ومصر، عام 2017، حصاراً بحرياً وجوياً وبرياً على دولة قطر بحجة دعم الإرهاب وهو ما نفته الدوحة بشدة واعتبرته محاولة للسيطرة على قرارها السيادي.

وتورطها للتهيئة للحصار باختراق وكالة "قنا" القطرية، وبثها لأخبار مزيفة بغية الإساءة للدوحة ودورها المحوري في الخليج بما يحقق الاستقرار والأمن.

وكان تحقيق موسّع لوكالة "رويترز" (30 يناير 2019) كشف عن تورّط الإمارات بتجنيد عملاء سابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الأمريكية؛ لأغراض "التجسّس على أعدائها، وقرصنة هواتفهم وحواسيبهم".

وبحسب الوكالة فإن المشروع الإماراتي السري أُطلق عليه اسم "رافين"، أو "الغراب الأسود"، وهو فريق سري يضم أكثر من 12 عميلاً من المخابرات الأمريكية من أجل العمل على مراقبة الحكومات الأخرى، والمسلّحين، ونشطاء حقوق الإنسان الذين ينتقدون النظام.

وطالت عمليات التجسس والقرصنة دولاً جارة مثل سلطنة عُمان؛ إذ أعلنت مسقط، في عام 2011، "تفكيك شبكة تجسس إماراتية تستهدف نظام الحكم في عُمان، والعمل على تنصيب شخص يوالي أبوظبي في الحكم، علاوة على آلية العمل الحكومي والعسكري"، تبعتها عملية أخرى حوكم على إثرها في مسقط عدد من الضباط الإماراتيين عام 2019.

ولا تقتصر محاولات الإمارات على تلك الدول فهناك تقارير صحفية تحدثت عن التدخل في الشؤون الداخلية لتونس والسودان وموريتانيا والصومال وفلسطين وسوريا وغيرها، في حين تقود علاقات تطبيعية وثيقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والتنسيق العالي معها في عدة ملفات.

وعلى المستوى العالمي اتهمت الإمارات بالتدخل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 لصالح الرئيس دونالد ترامب ضد المرشحة هيلاي كيلنتون، وفق ما كشفت تسريبات سفير أبوظبي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، عن وجود علاقة وثيقة بين الإمارات ومؤسسات نافذة لدى إدارة ترامب.

ولطالما تحدثت تقارير صحفية غربية عن سعي الإمارات لكي تكون رجل أمريكا في المنطقة، مستهدفة جيرانها الخليجيين، وعلى رأسهم قطر والسعودية، في الغرف المظلمة، معولة في الوقت ذاته على أذرع إعلامية وخلايا تجسس لتنفيذ أجندتها، التي باتت "مفضوحة" في أكثر من بلد.